لقد كُنتُ مصدوماً حقاً بتلك الأخطاء في التفكير التي أقوم بها بشكل لاشعوري طوال الوقت، من الواضح أن أياً منهم لا يعدُ خطأً كبيراً أو من الأخطاء التي تهدد الحياة، ولكنها حقاً اخطاء مفاجئة، وتفاديها يمكن أن يساعدنا في اتخاذ قرارات أكثر عقلانية وحكمة، خصوصاً أننا نسعى جاهدين لتحسين الذات من خلال صقلها، فإذا ما نظرنا إلى قِيَمنا وكنا على بيِنة من أخطاء التفكير التي نرتكبها بشكلٍ طبيعيّ، فإن ذلك سيشكل فرقاً كبيراً في عملية تجنبنا لتلك الأخطاء، لكن للأسف، فإن معظم هذه الأخطاء تحدث بشكل لاشعوري، لذلك تستلزم وقتاً وجهداً ليتم تفاديها، هذا إن رغبت بذلك.
7. نُصدقُ ذاكرتنا أكثر من الحقائق:
تُعَد ذاكرتنا عُرضَة للخطأ بشكل كبير بالإضافة إلى كونها مرنة؛ وأكثر من ذلك. ونميل بشكل لاشعوري لتفضيلها على الحقائق الموضوعية. والقدرةُ على اكتشاف الأخطاء مثالٌ جيّدٌ لهذا الأمر، والتي تعمل على هذا النحو:
لنفترض أنك تقرأ صفحةً من نَصٍّ؛ ومن ثَمّ سُئلتَ عما تتضمنه الصفحة أكثر؛ كلماتٌ تنتهي بـ(ing) أم كلمات يكون حرف الـ(n) هو حرفها ما قبل الأخير؟
من الواضح إنه لن يكون هناك كلمات تنتهي بـ(ing) أكثر من الكلمات التي ينتهي حرفها ما قبل الأخير بـ(n). إلا أن الكلمات التي تنتهي بـ(ing) تكون أسهل في التذكر من الكلمات يكون الـ(n) حرفها ما قبل الأخير (مثل: end وhand)، ولذا فسوف نُجيبُ بشكلٍ طبيعيٍ بأن الكلمات المنتهية بـ(ing) هي الأكثر.
ما يحدث هنا هو أننا نعتمد في جوابنا على إمكانية توافر أمثلة ذات صلة- وهذا سواء أكان من المحتمل أن يوجد كلمات أكثر تنتهي بـ(ing) في النَصّ أم لا-. فعلى سبيل المثال؛ نُحدّد (هل نجد سهولة في تذكرهم). إن صعوبة استحضار كلماتٍ يكون الـ(n) حرفها قبل الأخير؛ تجعلنا نُفكر أن تلك الكلمات ليست موجودة بكثرة، فنحن لا شعورياً نتجاهل الحقائق الواضحة أمامنا.
وعلى الرغم من توافر القدرة على الكشف عن الحقائق لدينا، والتي تُعّد عملية طبيعية في تفكيرنا، إلا أن اثنين من العلماء في شيكاغو قاموا بشرح كيف يمكن أن نخطئ بذلك. «فالدليل الإحصائي الموثوق سوف يتفوق على القدرة على كشف الأخطاء في كل مرة».
الدرس هنا؛ هو أن ننظر في الحقائق كلما أمكن، وأن نفحص البيانات، وألا نعتمد على قرارٍ واقعي مبني على الغريزة؛ دون استكشاف البيانات بموضوعية أولاً. إذا ما نظرنا إلى علمِ نفسِ اللغة بشكلٍ عام؛ فسوف نجد المزيد من الأدلة على ضرورة البحث عن الحقائق أولاً.
8. إيلاء المزيد من الانتباه للصور النمطية أكثر مما نظن:
الشيء المضحك في الكثير من أخطاء التفكير هذه- وخاصة تلك المتعلقة بالذاكرة-؛ هي أنها مُتأصّلة, فكان عليّ أن أفكر طويلا وملياً حول السبب في كونها تُعَد أخطاءً. وهذا واحدٌ من الأمثلة الجيدة؛ والذي استغرق مني بعض الوقت لأفهم كيف يُعَد هذا النمط من التفكير غير منطقي.
إنه خطأ آخر يفسر كيف نقوم بتجاهل الحقائق الموضوعية بسهولة:
«إن العقل البشري مرتبط بالصور النمطية بشكل كبير؛ ويُشتَّت انتباهه عن طريق الأوصاف البراقة؛ التي سوف تستولي عليه أكثر من التركيز على الحقائق ذات الصلة, حتى عندما تنافي المنطق».
ولتوضيح هذا الخطأ؛ إليك المثال التالي من الباحثَيْن (Daniel Kahneman) و(Amos Tversky)، ففي عام 1983؛ اختبر كلاهما لامنطقيةَ التفكير البشري، وذلك من خلال وصف الشخص الخيالي التالي:
(ليندا)؛ تبلغ من العمر 31 سنة، وهي عزباء وصريحة ومشرقة جداً، كما تخصصت في الفلسفة، وعندما كانت طالبة؛ كانت لديها اهتمامات عميقة بقضايا التمييز والعدالة الاجتماعية، وشاركت أيضاً في مظاهرات ضد الأسلحة النووية.
طلب الباحثون من الأشخاص قراءة هذا الوصف، ثم طلبوا منهم الإجابة على السؤال التالي: أي بديل يُعَد أكثر احتمالية؟
1. أن تعمل (ليندا) كموظفة بنك.
2- أن تعمل (ليندا) كموظفة بنك، وناشطة في الحركة النسائية.
هنا تكمن الصعوبة في فَهْم الأمر بعض الشيء- على الأقل هذا ما حدث بالنسبة لي-. فإذا كان الجواب رقم 2 هو الصحيح، هذا يعني أن رقم 1 صحيح أيضاً. وهذا يعني أن رقم 2 لا يمكن أن يكون الجواب لسؤال الاحتمالات.
للأسف؛ يدرك عدد قليل منا ذلك، حيث غالباً ما نكون مأخوذين بالوصف التفصيلي للجواب 2. بالإضافة إلى ذلك؛ وكما أشرت في اقتباس سابق، تكونُ الصور النمطية متأصلةً بعمق في أذهاننا، ونقوم بتطبيقها لاشعورياً على الآخرين.
اختار ما يقارب من 85٪ من الأشخاص الخيارَ رقم 2، وهو ما يمكن أن نقول عنه هنا أن اختياراً بسيطاً للكلمات يمكن أن يغير كل شيء.
ومن جديد، نرى كيف من الممكن أن نكون غير عقلانيين وغير منطقيين، حتى عندما تكون الحقائق واضحة على ما يبدو.
وأنا أُحبُ هذا الاقتباس للباحث (Daniel Kahneman) عن الاختلافات بين علم الاقتصاد وعلم النفس: «لقد كنت مذهولاً، يعمل زملائي الاقتصاديون في المبنى المجاور، لكن لم أكن قد أعربت عن تقديري للاختلاف العميق بين العوالم الفكرية التي لدينا. فبالنسبة لعالم النفس؛ من البديهي أن الأشخاص ليسوا عقلانيين تماماً ولا أنانيين بشكلٍ كُلّي، وعلى ذلك فإن أذواقهم يمكن أن تكون أي شيء إلا أن تكون ثابتة».
من الواضح أنه من الطبيعي بالنسبة لنا أن نكون غير عقلانيين وغير منطقيين في تفكيرنا، وخصوصاً عندما تُشكِّل أفعال اللغة حدوداً حول طريقة تفكيرنا، على الرغم من إننا نادراً ما ندرك أننا نقوم بذلك. ومع ذلك؛ فإن البقاء منتبهاً وعلى بينة من المزالق التي غالباً ما نقع بها عند اتخاذ القرارات؛ يمكن أن يساعدنا على التعرف عليها على الأقل، إن لم يكن تجنبها.