بقلم: ديفيد كيلون
ترجمة: شيماء محمد خليل
تدقيق: ريام عيسى
تصميم الصورة: امير محمد
فَشلُ الولايات المتحدة الأميركية في تولي زمام الأمور يُفقدها بريقها اللّماع.
يذكر الكاتب (إسحاق عظيموف) في سلسلة أعماله الكلاسيكية، الامبراطورية الكونية التي تحكم العالم من كوكب مدينة ترانتور، الكوكب الذي يزهو بالسلم والازدهار لسنوات طوال؛ ولكن سرعان ما ينقلب هذا الرخاء رأساً على عقب. كان (هاري سيلدون) الأستاذ في التاريخ النفسي، والذي جاء ذكره في كتابات اسيموف، هو: الشخص الوحيد الذي يرى الأمر جلياً واثبته علمياً بقوله: إن الظروف الجوهرية للامبراطورية غير مستدامة، وسوف تنهار تدريجياً عبر الأزمان.
أصبح كوكب ترانتور – بمرور الزمن – محط الأنظار، والمركز الإداري للامبراطورية. إنّ تفشي الحقد والضغينة بين كبار العائلات آنذاك، وانعدام المسؤولية الاجتماعية سينفيان حتمية استمرار النجاح الامبراطوري مستقبلاً. هذا ما قاله أحد تلاميذ ( سيلدون ) الذي نشأ متفهماً نظرياته.
نشر عظيموف كتابه هذا عام 1951، خلال الفترة التي برزت فيها الولايات المتحدة الأميركية كقوةً عُظمى، وربما كان يجب الإشارة إلى وصف عاصمة الامبراطورية واشنطن عام 2019، التي حولها قادتها من مركز القوة العالمية إلى بؤرة من العداء والصراعات كما توقع عظيموف لمستقبل الامبراطورية التي ذكرها في كتابه، وأيضاً كما حصل في الامبراطوريات القديمة سابقاً.
يصبح العالم، والامبراطورية الأميركية مُهدّدَيْنِ بالخطر إذا حكمه الفاسدون. وما يثبت ذلك أكاذيب عام 1970، عندما تجلى ضعف النظام الاجتماعي في أميركا بـ: الكساد، وأزمة الطاقة، وكارثة الحرب الفيتنامية.
اغتنم سياسيو أميركا آنذاك الفرصة في ظل الخصخصة، وإلغاء الضوابط والقيود الرقابية، والضرائب العالية المستقطعة من الأغنياء، والاستعانة بأيدي عاملة خارجية للعمل في القطاع الصناعي. فارتفعت نسبة عدم المساواة منذ ذلك الحين، وشهد جزء كبير من الولايات المتحدة انهياراً بطيئاً، بينما من جانب آخر نرى أن عدداً من المدن الرئيسية الكبرى أصبحت فاحشة الثراء، وغير مجدية للعيش فيها بالنسبة لعامة الناس؛ إثر تحولها إلى مركز مالي وتكنولوجي، وأيضاً بعد احتكارها من قبل شركات الإعلام والشركات الممولة لها على حد سواء.
يعرف الكثير من الأميركيين هذه القصة في وقتنا الحالي؛ ولكنّ القليل منهم فقط من يفكر بمدى تأثير ذلك في مكانتهم عالمياً. يفهم الأميركيون دورهم العالمي وفقاً لاثنتين من النظريات التقليدية:
النظرية الأولى توضح: أن الحرب الباردة بين دول العالم المتنازعة فسحت المجال – حينها – للدول المستقلة كالولايات المتحدة الأميركية لأنْ تتصدر المشهد، وأن تكون القوة المسيطرة عالمياً وبلا منازع. ويرى بعض المراقبين أن اغتنام أميركا هذه الفرصة هي السمة الجيدة التي ميزت الامبراطورية الأميركية آنذاك، بينما يرى آخرون العكس، ويبحثون عن وسائل لدحض الامبراطورية الأميركية؛ ولكن يتفق الاثنان على اعتبار الامبراطورية الأميركية هي السمة المميزة لعصرنا الراهن.
أما النظرية الثانية فتختلف – بعض الشيء عن الأولى؛ فهي: تؤكد أن العالم أصبح متعدد الانتماءات بعد الحرب الباردة بين دول تقف بصف الولايات المتحدة الأميركية بكونها قوةً عظمى مسيطرة ومنافسة قوية لدول أخرى كالصين التي من المحتمل أن تتقدم على الولايات المتحدة الأميركية. ولكن كيف إذا كانت النظريتان – آنفاً – بعيدتين عن الصحة؟
ينظر العالم إلى أميركا كقوةً عُظمى تمثل الوحدة العالمية. هذه النظرة خالية من الصحة، وتحتاج إلى إعادة النظر فيها؛ فالولايات الأميركية لا تعتبر قوة عظمى؛ بل هي فقط تحقق مآربها في أن تصبح سوقاً عالمية مفتوحة تستثمر أموال القوى الخارجية، وتُعيد تشكيل المخرجات الاقتصادية، وتلعب دور عصابات ضد بعضها؛ خدمة لمصالحها الشخصية، ومن أجل تحقيق أهدافها.
و من الأمثلة التاريخية المعروفة والجديرة بالذكر، ما جاء على لسان الكاتب (ادوارد جيبون) في كتابه (تاريخ سقوط الامبراطورية الرومانية) وكيف انهارت وأفل نجمها؛ حيث يعزو جيبون انهيار الدولة الرومانية إلى “تبلُّد الشعور” بالصالح العام ” لدى المواطنين، فضلاً عن أنّ الحكومة كانت مرهقة من خوض حروب عديدة في الخارج.”
التاريخ مليء بالأمثلة المشابهة للإمبراطوريات العظمى التي أديرت من قبل ثُلّة من الضعفاء والمنقسمين والتابعين لقوى وعمالات خارجية.
بعدما فرض الكومنولث البولندي الليتواني – وهي الدولة التي تشكلت بين مملكة بولندا ودوقية ليتوانيا – سيطرته الشاسعة كجمهورية أرستقراطية على أراضي أوربا الشرقية للفترة من القرن الرابع عشر إلى القرن الثامن عشر؛ قامت الدول المجاورة بحلّ وإزالة الكومنولث من الخارطة؛ بسبب تفشي الفساد والرشوة بين أعضاء الشيوخ والنبلاء فيها، والتلاعب بالقرارات السياسية.
ونذكر أيضاً الامبراطورية العثمانية خلال فترة منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، التي شهدت في تلك الفترة انهياراً اقتصادياً وسياسياً، وأطلق عليها في ذلك الحين: (نكسة أوربا)؛ حيث أقدمت قوى أوربا الغربية على احتلال أراضيها، وشجعت القوى المستقلة الأخرى ضدها.
اضطرت الصين – في عهد حكم سلالة عائلة تشينغ أيضاً- إلى التنازل عن العديد من الأراضي الإقليمية إلى الامبراطوريات الاستعمارية الأوربية، التي بدورها ستنهار تدريجياً في غضون قرن من الزمن.
قد يتبادر إلى أذهاننا أنه من غير المنطقي مقارنة أميركا عام 2019 بالقوى الامبريالية المنهارة والمتداعية في السابق؛ ولكن إذا نظرنا إلى العاصمة الحالية الآن، فإن الرئيس دونالد ترامب يُعدُّ – حسب رأي الكثيرين حتى لو كان ذلك سراً- غير كُفْءٍ لأداء مسؤولياته الأساسية، وأصبح أضحوكة للعالم.
المصدر: هنا