بقلم: لورين مارتن، وجيمس ريهيل
25 سبتمبر 2019
ترجمة: أيوب أوقاسي
تدقيق: ريام عيسى
تصميم الصورة: نورا محمود
أصدر البيت الأبيض مؤخراً إعلانا حول خطط تقضي بحظر السجائر الإلكترونية المنكهة (ذات النكهات)، باستثناء منتوجات التبغ المنكهة، بسبب ارتفاع أعداد المستهلكين من فئة طلبة مدارس المرحلة المتوسطة والثانوية.
بعد مرور أيام، مجلس الوزراء الهندي صادق على حالة الطوارئ التي تحظر إنتاج واستيراد وبيع السجائر الإلكترونية .
إلى حد الآن، قامت أكثر من 20 دولة، معظمها من أمريكا الجنوبية والشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا، بحظر بيع منتوجات السجائر الإلكترونية، وحظرت بعض الدول ايضاً حيازة هذه المنتوجات.
لتايلند أحد أكثر القوانين صرامة في هذا الشأن، في حين وضعت دول كأستراليا، كندا والنرويج عديد القيود.
تشير الأبحاث إلى كون السجائر الإلكترونية مساعدة للمدخنين ليقلعوا عن تعاطي السجائر المعتادة وهذا مفيد لصحتهم بعيدة المدى. لكن الشباب ممن لم يدخنوا بالمطلق السجائر التقليدية هم من متعاطي السجائر الإلكترونية، وهي متاحة بأكثر من 1500 نكهة، بما فيهم نكهة العلكة وحلوى غزل البنات.
في دراسة استهدفت فتياناً من الولايات المتحدة الأمريكية تنحصر أعمارهم بين ال 12 وال 17 سنة، عبر 81 بالمئة من مستخدمي هذه السجائر (الإلكترونية) أن أول منتوج استعملوه كان منكهاً وهم يتعاطون هذه السجائر بسبب “أنهم يقدمون نكهات مفضلة لديهم.”
حسب المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها يستعمل ما فوق 3.6 مليون من الأطفال في أمريكا السجائر الإلكترونية، مع طفرة بنسبة 78 بالمئة ( من 11.7 بالمئة إلى 20.8 بالمئة ) عند طلبة المدارس الثانوية بالولايات المتحدة ممن أبلغوا عن استخدام هذا النوع من السجائر منذ سنة 2017 إلى سنة 2018.
أما في المملكة المتحدة، يستخدم 1.6 بالمئة ممن يبلغ سنهم بين ال 11 وال 18 عاماً السجائر الإلكترونية بمعدل أعلى من مرة واحدة أسبوعياً، بالمقارنة مع 0.5 بالمئة سنة 2015.
نظر لطبيعة النيكوتين المسببة للإدمان الشديد، يوجد مخاطرة في كون متعاطي السجائر الإلكترونية قد يتحولون لتعاطي السجائر التقليدية. في الواقع يشير بعض مختصي الرعاية الصحية إلى أن السجائر الإلكترونية هي ك “بوابة للمخدرات”.
الإنزيمات الضارة :
تشكل السجائر الإلكترونية هباءً جوياً وذلك بتسخين محلول مركب من المواد الكيميائية، يشمل الزيوت والنكهات والنيكوتين. الجسيمات الدقيقة التي تنبعث من بخار السجائر الإلكترونية متطابقة في الحجم والتركيز مع دخان التبغ العادي ولهذا يمكنها بلوغ أقصى الرئتين.
عديد هذه المواد الكيميائية هي سامة بالنسبة للخلايا، لكن ما يخلق الصعوبة في بحث أمر سلامتها هو كون كل منتوج يختلف كلياً عند التركيبة النهائية لهذه المواد التي تتحدد بواسطة درجة الحرارة التي يسخن بها جهاز التبخير.
وصل الباحثون إلى أن دخان السجائر الإلكترونية يثير ويهيج الشعب الهوائية مؤدياً بذلك إلى إنتاج كمية أعلى من المخاط وزيادة في الإنزيمات المفككة للأنسجة وتدعى البروتياز. بمقدور المستويات العالية من البروتياز تدمير أنسجة الرئة الحساسة وتقليل قابلية رئتينا على أداء وظائفها .
الأضرار الناجمة في الرئتين غير قابلة للجبر ومع الوقت يمكن أن تؤول إلى أمراض رئوية شديدة، تتضمن انتفاخ الرئة الذي يتم عادة إيجاده في مرض الانسداد الرئوي المزمن. أما بالنسبة للذين لديهم مسبقا مرض رئوي مزمن، كمرض الربو، أو الانسداد الرئوي المزمن فإن دخان السجائر يؤدي إلى زيادة شدة الأعراض.
وفي دراسة أخرى وجدت أن البروتياز يحفز بواسطة دخان السجائر الإلكترونية. تم تجهيز دخان من مختلف الماركات المنتجة للسجائر الإلكترونية، واستعمل بعدها لمعالجة خلايا الدم البيضاء التي تم عزلها في المختبر.
وجدت مستويات إنزيمية لتكون مماثلة أو أكثر مما كانت عليه عندما تعرضت لمستخلص استخرج من دخان السجائر العادية. الزيادة في المستويات الإنزيمية وجدت كذلك عند منتوجات السجائر الإلكترونية منزوعة النيكوتين، هذا يبرز كون المكونات الأخرى في دخان السجائر الإلكترونية غير النيكوتين هي المسؤولة عن ذلك.
وفي دراسة أمريكية منشورة مؤخراً في المجلة الأمريكية لطب الجهاز التنفسي والعناية المركزة، بحثت في تأثير استعمال السجائر الإلكترونية المزمنة على علامات اصابة الرئة في الشعب الهوائية لمدخني هذه السجائر. حيث زاد البروتياز المرتبط بتلف الأنسجة لدى كل من المدخنين العاديين ومدخني السجائر الإلكترونية، بالنظر إلى غير المدخنين.
عصي على البحث :
إن مشكلة التحقيق في الضرر المتوقع للسجائر الإلكترونية تكمن في وجود تشكيلة واسعة من المنتوجات، الأجهزة والنكهات التي يستحيل معها بناء ” كشف قياسي “.
حسب تقرير صدر عن الجراح العام للولايات المتحدة الأمريكية، فإن نسبة 97 بالمئة من مدخني السجائر الإلكترونية الشباب استعملوا منتوجاً منكهاً في آخر 30 يوم. صدر عن تقارير أن منتوجات السجائر الإلكترونية الفردية تحوي على أعلى من ست مواد كيميائية منكهة اضافة إلى نكهات أحلى طعماً تحتوي على تركيبات أكبر عدداً.
أفادت اختبارات ل 166 من منتوجات السجائر الإلكترونية أن واحداً من خمس منتوجات ( 21 بالمئة ) يحوي مواد كيميائية بنكهات ( الكحول البنزيلي، البنزالديهايد، الفانيلين ) والتي تكون سامة بالنسبة للشعب الهوائية.
أيضا وجدت عديد المواد الكيميائية السامة هي بدورها مع مستويات قابلة للقياس من النيتروسامينات الموجودة في التبغ، التي هي مجموعة هامة من المواد المسببة للسرطان، المتواجدة في 70 بالمئة من المنتوجات التي تم اختبارها. ومن الصعب جداً تحديد أثر استنشاق هذه المخاليط الكيميائية المركبة.
آخر تقارير الوفيات في الولايات المتحدة الأمريكية المتعلقة بمريدي السجائر الإلكترونية تبث مزيداً من المخاوف بخصوص مسألة السلامة. كما أعلن مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها عن زيادة في عدد حالات ( 530 حالة في 38 ولاية ) الالتهاب الرئوي الدهني الغامض ( وجود دهون في الرئة )، حصلت معظمها مع الشباب من متعاطي السجائر الإلكترونية، وارتبطت بثمان حالات وفاة.
لكن يجب لفت الإنتباه إلى أن بعض المصابين بالالتهاب الرئوي الدهني اعترفوا بأنهم متعاطون للتتراهيدروكانابينول ( العنصر النشط في القنب )، رغم اصرار آخرين أنهم يستخدمون فقط منتوجات النيكوتين مع سجائرهم الإلكترونية.
مادة واحدة تدعى خلات فيتامين E تم تحديد وجودها في مجمل العينات التي تم اختبارها من طرف مسؤولي صحة نيويورك، ولكن لا وجود لأي دليل يكفي للتيقن من أنه هو بالفعل سبب المرض. وإلى حد اللحظة لم يحصل أي إبلاغ عن حالات التهاب رئوي دهني خارج الولايات المتحدة الأمريكية.
حتى الآن تشير القرائن إلى أن تعاطي السجائر الإلكترونية ليس بديلاً آمنا عن تدخين التبغ. هذا، جنباً إلى جنب مع التوجه المقلق للشباب، ممن ليسوا بمدخنين سابقين وينجذبون إلى تعاطي السجائر الإلكترونية، مما يطرح مخاوفاً من جيل آخر يعاني أمراض الرئة المزمنة.
في الواقع، في دراسة حديثة في مجلة لانسيت الطبية تقدر أنه وبسنة 2040، سيصبح داء الانسداد الرئوي المزمن هو المرض الوحيد في العشر أسباب الأولى المؤدية للوفاة والتي هي في ازدياد. رغم أن القدر الذي ستدفعه من وراء تعاطي السجائر الإلكترونية سيبقى شاهداً.
لورين مارتن، بروفيسور البيولوجيا الجزيئية، جامعة كوينز بالفاست. وجيمس ريهيل، زميل أبحاث أول، جامعة كوينز بالفاست.
المصدر: هنا