بقلم: ديفيد كوهين
12 تشرين الثاني 2015
ترجمة: زينب عبد محمد
تدقيق: ريام عيسى
تصميم: نوار محمود
لا يعرف العلماء ما هو السبب وراء التهاب المفاصل الروماتويدي بيد أن الكثير منهم يرجح ان السبب وراء هذا المرض هي البكتيريا التي تعيش في جهازنا الهضمي .
لا يزال الاطباء غير واثقين من ماهية العنصر المحفز لنشوء مرض التهاب المفاصل الروماتويدي الذي يقوم فيه الجسم بمهاجمة المفاصل. و لكن تركز أبحاث جديدة على إمكانية تسبب البكتيريا التي تعيش في الامعاء البشرية بهذا المرض.
تُظهر عدة دراسات حديثة وجود علاقة مثيرة للاهتمام بين الميكروبات المعوية والتهاب المفاصل الروماتويدي و أمراض اخرى والتي ينحرف بها جهاز المناعة في جسم الانسان عن عمله و يقوم بمهاجمة الجسم نفسه.
و حسب دراسة أجراها في عام 2013 خوسيه شير، وهو طبيب مختص في التهاب المفاصل الروماتويدي في جامعة نيويورك والتي ذكر فيها بأن الأشخاص المصابين بهذا المرض هم أكثر عرضة لوجود جرثومة تدعى (بريفوتيلا كوبري (Prevotella copri في أمعاء الأشخاص غير المصابين بهذا المرض. وفي دراسة أخرى نُشرت في شهر أكتوبر وجد شير أن المرضى المصابين بالتهاب المفاصل الصدفية وهو نوع أخر من أمراض المفاصل المناعية لديهم نسبة قليلة من انواع اخرى من البكتيريا المعوية.
و تجدر الاشارة إلى أن هذه البحوث ما هي إلا جزء من جهود متنامية من قبل العلماء والباحثين حول العالم لغرض ايجاد فهم أفضل للميكروبات التي تعيش في جهازنا الهضمي وكيف تؤثر على صحتنا العامة. تحتوي الامعاء على حوالي ألف نوع مختلف من البكتريا والتي يصل مجموع وزنها إلى حوالي ثلاثة باوندات. تحتوي هذه الكتلة على تريليون خلية وهو عدد أكثر من الخلايا التي يتشكل منها أجسادنا. على مر الاعوام الماضية أستطاع العلماء جمع مجموعة من الأدلة التي تثبت أن لهذه البكتيريا الدور الكبير في التأثير على صحتنا حيث يسبب البعض منها الأمراض المزمنة غير المعدية مثل التهاب المفاصل الروماتويدي أما البعض الأخر وظيفته دفاعية لحماية الجسم من الأمراض.
و حسب ما تقول فينا تانيجا وهي عالمة مختصة في المناعة في مايو كلينك في روتشستر، مينيسوتا “لقد اصبح جلياً أن الميكروبات الموجودة في الجهاز الهضمي يمكن أن تؤثر على الجهاز المناعي حتى ولو كانت هذه الأمراض لا تصيب الجهاز الهضمي في المقام الاول.” حيث وجدت فينا تانيجا فروقات واضحة في مجاميع بكتيرية لبعض انواع الفئران والتي تبين أنها أكثر عرضة للإصابة بمرض التهاب المفاصل الروماتويدي. بالنسبة لأولئك الأكثر عرضة للإصابة بالمرض، تهيمن أنواع من البكتيريا من عائلة المطثيات أو الكلوستريديوم Clostridium في أمعاء الأشخاص . بينما تزدهر سلالات أخرى من البكتريا في الفئران غير المصابة بالتهاب المفاصل.
” هذه الاشياء في المقدمة” كما يقول السيد شير مدير مركز الميكروبيوم في جامعة نيويورك لأمراض الروماتيزم و المناعة الذاتية. وتجدر الاشارة إلى أن هذا يعد نقطة تحول في هذا الموضوع. ومن خلال تسليط الضوء على الدور المحتمل الذي قد يلعبه الميكروبيوم في نشوء هذا المرض أصبح بإمكاننا القول بأننا قد اضفنا عنصر جديد في هذه المعادلة.
حيث أن أكثر ما يذهل العلماء هو كيف تؤثر هذه البكتريا على الجهاز المناعي. وتجدر الإشارة إلى أنه في العقود الأخيرة قد ازدادت الأمراض المناعية ويجادل في هذا الصدد كثير من الباحثين المختصين في الميكروبيوم أن سبب هذا الارتفاع هو التغيرات التي تجري على البكتيريا في النظام الاحيائي. وتجدر الاشارة إلى أن تغيير الغذاء الذي يتناوله البشر وزيادة استخدام المضادات الحيوية وقلة الاحتكاك بالطبيعة والنباتات كلها عوامل ساهمت في تحول البكتريا النافعة إلى العكس من ذلك. “لقد تغير الميكروبيوم في أجسادنا بصورة كبيرة خلال القرن الماضي وخصوصاُ في ال50 سنة الماضية،” يقول عالم الميكروبات في جامعة نيويورك مارتن بلا سير والذي يلقي باللوم على زيادة استخدام المضادات الحيوية” و يتابع قائلاً “نحن نخسر الميكروبات مع كل جيل، إنها تنقرض” ويستطرد قائلاً “إن لهذه التغييرات عواقب.”
يشير بلايسر في بحثه عن أجناس البكتيريا المعروفة باسم هليكوبتر بيلوري Helicobacter pylori (والتي سميت بهذا الاسم لأن شكلها تحت المجهر يبدو كطائرة الهليكوبتر) لقد قام الدكتور بلاسير بأخذ عينات من امعاء الاطفال الأمريكيين الموجودين في المستشفى حيث وجد أن حوالي 6% منهم فقط لديه هذه البكتيريا. وبالمقارنة قد اظهرت الأبحاث الاخرى أن هذه البكتيريا أو هذه السلالة توجد بكميات كبيرة في امعاء الاشخاص في أنحاء مختلفة في العالم خصوصاً في دول العالم الثالث. إن قلة وجود او انحسار بكتيريا هليكوبتر بيلوري في الغرب له علاقة باستخدام المضادات الحيوية وكذلك تحسين الصرف الصحي قد يكون له مضاعفاته الطبية. ويشير بعض الباحثين إلى أنه قد يكون للبكتيريا دور في خفض نسبة الإصابة في الربو ربما عن طريق الحد من استجابة الجسم المناعية للمنبهات المحمولة بالهواء. ويعتقد بلاسير أن الربو هو واحد من الامراض المتأثرة بتغير الميكروبيوم . لقد تزايدت النسب في الولايات المتحدة على المدار الثلاث عقود المنصرمة حيث أنها ازدادت لأكثر من 28% بين عامي 2001 و 2011.
يجادل بلاسير أن بكتيريا هليكوبتر بيلوري وبعض بكتيريا الامعاء الاخرى تشارك بشكل مكثف في العمليات التي تجري في أجسادنا بحيث لا يمكننا اعتبارها غريبة او دخيلة علينا. ويقول: ” أنها جزء من ما نحن عليه، هذه الكائنات جزء من تصميمنا التطوري. لديهم مقدار هائل مما يستطيعون فعله لتطوير نظام المناعة لدينا.”
في الواقع فإن لهذه البكتريا اهتمام واسع في السيطرة على الكيفية التي يرد بها جسدنا على المتطفلين. وكما يقول العلماء وبلاسير إن الكثير من هذه البكتريا التي تعيش داخل اجسادنا قد ازدهرت عن طريق تعديل الجهاز المناعي حتى لا يتعرف عليها ويهاجمها معتبراَ اياها دخيلة. الميكروبيوم الذي يحوي النوع الخطأ من الجراثيم أو النسبة غير الصحيحة منها وهي حالة مرضية تعرف باختلال الميكروبيوم Dysbiosis والتي قد تسبب خللاً في توازن الجهاز المناعي وتكون سبب في جعل الخلايا المناعية تقتل ليس البكتيريا وحسب بل الجسم نفسه.
إن للميكروبات دور فعال في المناعة وخصوصاً في الجهاز الهضمي والذي يحتوي بدوره على ثلثي الخلايا المناعية في الجسم البشري. كطريق للهضم يجب أن تتعامل القناة الهضمية مع تيار مستمر من الميكروبات الغريبة والدخيلة على أجسادنا الموجودة في الأغذية، والتي يجب مراقبتها وتدميرها إذا كانت ضارة. للقيام بذلك، وضعت الأمعاء لدينا نظام المناعة واسع النطاق، والذي تتجاوز آثاره الأمعاء. وكما يبدو فإن الخلايا المناعية في الجسم لديها القدرة على تفعيل خلايا التهابية inflammatory cells تسبب التهاباً في جميع انحاء الجسم ومن ضمنها المفاصل.
بالرغم من ثقة الكثير من العلماء من العلاقة بين الميكروبيوم والتهاب المفاصل إلا أنهم لايزالون يجهلون السبب الذي يحفز البكتيريا للعب هذا الدور المحفز للمرض. يقول شير أن بكتيريا بريفوتيلا كوبري Prevotella copri قد تحفز رد الفعل المناعي لجهاز المناعة والذي يهاجم النسيج المفصلي. أو قد تكتسح الميكروبات المفيدة التي تبقي الجهاز المناعي مهاجم للخلايا العدائية (وهي نظرية تدعمها حقيقة وجود مستويات عالية من بكتيريا بريفوتيلا كوبري) والتي قللت بدورها من كميات بكتيريا باكتيرويديز التي تحد من قدرة الجهاز المناعي. يشك شير بأن آلية مماثلة قد تساهم في كشف النقاب عن السبب وراء مرض التهاب المفاصل الصدفية psoriatic arthritis قد تساهم أنواع الميكروبات المفقودة – Akkermansia و Ruminococcus و Pseudobutyrivibrio – بإعطاء الإشارة إلى الجهاز المناعي لتخفيف نشاطه.
يظن شير أنه أخيراً سيكون من الممكن معالجة التهاب المفاصل من خلال تعديل الميكربيوم. وتجدر الاشارة إلى أن هناك الكثير من الباحثين من ضمنهم شير وبلايسر يبحثون في نطاق واسع من الاستراتيجيات والحلول لاستخدام البكتيريا كعلاج للامراض المناعية. يتناول ملايين الأمريكيين البروبيوتيك التي تحتوي على بكتيريا نافعة والتي يفترض أنها تعالج كل شيء ابتداءً من حب الشباب وانتهاءً بالأرق. وشير حاله كحال الكثير من العلماء في هذا المجال الذين تحدثت إليهم يشك في فائدة المنتجات المتوفرة في الأسواق. ويقول في هذا الصدد: “أن البروبيوتيك آمنة للاستخدام في معظم الاحوال بيد أنها ليست خاضعة لأي فحوصات مختبرية” ويستطرد “إن هذه الفكرة الشائعة بأنك تستطيع تبديل الجراثيم المفقودة في جسدك ببساطة. لا أظن أن ذلك محتمل الحدوث” لا أظن أن ذلك بهذه البساطة ولكثير من الاسباب حيث أن شير لا يظن أن هذه البكتيريا الاصطناعية قادرة على تحمل عملية الهضم.
ويشير ايضاً إلى أن الامل بالعلاج يكمن في اجراء تغييرات في الحمية الغذائية. حيث لاحظ شير أن بعض المرضى بالتهاب المفاصل استفادوا من تغيير حميتهم الغذائية بالتقليل من تناول اللحوم و تناول طعام من البحر المتوسط والذي يشمل ( السمك وزيت الزيتون والخضروات والقليل في اللحوم والدهون المشبعة) وفي دراسة اخرى وجد الباحثون الفنلنديون أن الحمية النباتية ساهمت بتغيير المايكروبيوم و كان لهذا التغيير الأثر الجيد في التخفيف من اعراض التهاب المفاصل الروماتيدي.
بينما يركز بعض الباحثون على نوع معين من البكتيريا بدل من الحمية الغذائية. في عيادة مايو كلينيك، اكتشفت تانيجا أن نوعاً من بكتيريا بريفوتيللا، Prevotella ، يمكن أن يمنع أو يوقف التهاب المفاصل الروماتويدي والتصلب المتعدد، وهو مرض مناعي ذاتي في الدماغ والأعصاب، عند أختبارها على الفئران.
و تأمل تانجيا أن تبدأ الدراسات على البشر في الأشهر القليلة المقبلة.
في حين يركز بعض العلماء على المواد التي ينتجها المايكروبيوم و ليس على المايكروبيوم نفسه. فالبكتريا العصوية الهشة قد تخفف من اعراض الامراض المناعية من خلال إطلاق جزيء يسمى Apolysaccharide A ، أو PSA. حيث وجد عالم الميكروبات من جامعة هارفرد دنيس كاسبر والذي اكتشف المركب او الجزيء حيث أنه لاحظ عند اعطاءها للفئران بأن الاخيرة أصبحت محمية من الاصابة ببعض الامراض المناعية من ضمنها التصلب المتعدد.
و يقول كاسبر أنه قد يكون لجزيء .PSA الفاعلية في تطوير الجهاز المناعي اكثر من الاهتمام بتوازن الميكروبات. PSA لديه أيضاً ميزة على الأدوية المستخدمة الآن لأمراض المناعة الذاتية، حسب ما يقول كاسبر: إنه مناسب فبدلاً من تثبيط المناعة لكامل الجهاز الهضمي الامر الذي يخلع الكثير من السلبيات على صحة المريض يقوم جزيء PSA بإرشاد الخلايا المناعية لمواصلة دورها الدفاعي بملاحقة و استهداف الخلايا الضارة و ليس العكس. يخبرنا كاسبر الذي بدأ العمل مؤخرًا على طرق لتحويل PSA إلى دواء للبشر. ” نحن نعلم أن اجسامنا يمكنها العيش معه.”
حالياً لا يستخدم الأطباء الميكروبات أو مستقبلاتها في المرضى الذين يعانون من التهاب المفاصل أو مرض التصلب العصبي المتعدد، ولكن يبدو شير متفائلاً مثل كاسبر حيث يقول: “خلال 10 أو 15 سنة، أعتقد أن الميكروبيوم سيكون خيارًا علاجيًا رئيسيًا لبعض هذه الأمراض” كما يقول: “سوف تكون هناك تحديات لكنني لا ارى أنه مستحيل الحدوث، إن هذا ليس خيال علمي.”
المصدر: هنا