الرئيسية / إقتصاد / كيف تُصنع الاستراتيجيات الجيدة؟ مقابلة مع ريتشارد رومليت أُستاذ الاستراتيجية في جامعة كاليفورنيا.

كيف تُصنع الاستراتيجيات الجيدة؟ مقابلة مع ريتشارد رومليت أُستاذ الاستراتيجية في جامعة كاليفورنيا.

حوار نُشر في مجلة كوارترلي “The Quarterly” الصادرة من مؤسسة “McKinsey Quarterly

 

تاريخ الحوار: تشرين الثاني/نوفمبر 2007

ترجمة: رعد طالب

تدقيق: عمر أكرم المهدي

تصميم الصورة: اسماء عبد محمد

 

بصفته متسلّق جبال، فإن البروفيسور ريتشارد رومليت – أستاذ قسم الاستراتيجية في كلية أندرسون الإدارية بجامعة كاليفورنيا – قد كان من الفئة الأولى بصعود وتسلّق الجبال؛ بالإضافة إلى أن هذا الشيء ينطبق على حياته الأكاديمية، إذ كان من الفئة الأولى أيضاً.

 

ففي العام 1972 أصبح أول شخص يجد ارتباطاً إحصائياً بين استراتيجية الشركة وربحيتها. حيث وجد أن الشركات المتنوعة بشكلٍ معتدل في إنتاجها تتفوق ربحياً على الشركات الأكثر تنوّعاً في إنتاجها. لقد صمد هذا الاستنتاج بعد أكثر من ثلاثين عاماً من البحث.

كما تحدّى روميلت التفكير السائد من خلال بحثه المثير للجدل في عام 1991 بعنوان “ما مدى أهمية الصناعة؟” وأظهرت دراسته، التي نُشرت في مجلة الإدارة الاستراتيجية “Strategic Management Journal“، أنه لا يمكن للصناعات ولا مِلكية الشركات شرح حصة الأسد من الاختلافات في الربحية بين وحدات الأعمال. إن وجودك في الصناعة المناسبة أمر مهم، لكن أن تكون جيداً فيما تفعله لهو من الأهمية أكثر من ذلك بكثير، بغض النظر عن الصناعة التي أنت فيها. كانت هذه الدراسة واحدة من أولى المقالات في ما أصبح منذ ذلك الحين مجموعة كبيرة من الأدبيات الأكاديمية حول عرض قائم على الموارد للاستراتيجية.

البروفيسور رومليت الذي يشغل كرسي هاري وإلسا كونين في إدارة الأعمال والمجتمع في كلية أندرسون، التقى مؤخراً في سان فرانسيسكو مع مديرة ماكينزي ليني ميندونكا ودان لوفالو، أستاذ الاستراتيجية بجامعة أستراليا الغربية، وكان هذا اللقاء لهما مع ريتشارد رومليت لصالح مجلة كوارترلي.

 

ذا كوارترلي: ريتشارد ، لقد كنت تدرس وتبحث وتتشاور حول الأعمال و صناعة الاستراتيجية للشركات لمدة 35 عاماً. ما هي التغييرات التي رأيتها منذ ذلك الوقت؟

ريتشارد روميلت: كانت بعضاً من أكبر التغييرات التي أجريتها شخصياً في طور توليد استراتيجيات العمل – أو ما أسميته “العمل الاستراتيجي”. في عام 1980 تقريباً، كانت الحكمة السائدة آنذاك هي تحقيق اللامركزية في وحدات العمل، مما سيؤدي كل منها إلى وضع خطة استراتيجية. ثم يتم دمج هذه الخطط في التسلسل الهرمي، بطريقة ما للمحفظة الاستثمارية، ومن ثم الإدارة العليا. لقد اختفى هذا النهج تماماً، وشاهدنا عملية تحديث مثيرة للعمل الاستراتيجي.

ذا كوارترلي: في العام الماضي، وجد مسح مجلتنا “ذا كوارترلي” للتخطيط الاستراتيجي وجود قدر كبير من عدم الرضا بين المدراء التنفيذيين. يشعر الكثير منهم أنهم يضيعون الكثير من الوقت في التخطيط الاستراتيجي. ما النصيحة التي تقدمها لهم؟

ريتشارد روميلت: معظم الخطط الاستراتيجية للشركات لا علاقة لها بالاستراتيجية. إنها ببساطة ميزانيات متجددة مدتها ثلاث سنوات أو خمس سنوات، ونوع من توقعات حصتها في السوق. يُطلق على هذا في التخطيط الاستراتيجي (توقعات خاطئة). حيث يعتقد بعض المدراء أن الميزانيات والتمرين عليها سوف ينتج بطريقة أو بأخرى استراتيجية متماسكة.

 

انظروا، الخطط هي أدوات الإدارة الأساسية. على سبيل المثال، خذ سلسلة تجارة التجزئة سريعة النمو، والتي تحتاج إلى خطة لتوجيه الاستحواذ على الممتلكات والبناء والتدريب، إلخ. تنسق هذه الخطة لنشر الموارد – لكنها ليست استراتيجية. لا تستطيع ميزانيات الموارد هذه ببساطة تقديم ما يريده كبار المدراء: وهو الطريق إلى أداء أعلى بكثير!

 

هناك طريقتان فقط للحصول على الأداء العالي:

 

المسار الأول: يمكنك اختراع طريقك إلى النجاح. لسوء الحظ، لا يمكنك الاعتماد على ذلك فهذه حالات نادرة.

المسار الثاني: هو استغلال بعض التغييرات في بيئتك – في التكنولوجيا أو أذواق المستهلكين أو القوانين أو أسعار الموارد أو السلوك التنافسي – وركوب هذه التغييرات بسرعة ومهارة. هذا المسار الثاني هو الكيفية التي تنجح فيها معظم الشركات. ومع ذلك، لا تأتي التغييرات في حزم سنوية لطيفة، وبالتالي فإن الحاجة إلى العمل الاستراتيجي هي عرضية وليست بالضرورة سنوية..

 

في الوقت الحالي، يعتقد الكثير من الناس أن الحل لمشكلة التخطيط الاستراتيجي هو ضخ المزيد من الخطط الاستراتيجية في العملية السنوية. لكنني أختلف. أعتقد أن ميزانية الموارد السنوية المتجددة يجب أن تكون منفصلة عن العمل الاستراتيجي. لذا فإن توصيتي الأساسية هي القيام بأمرين: تجنب إطلاق تسمية “الخطة الاستراتيجية” – استدعاء تلك الميزانيات وجعلها “خطط موارد طويلة الأجل” – وبدء عملية منفصلة وغير عادية ومدفوعة بالفرص للعمل الاستراتيجي.

 

ذا كوارترلي: إذاً؛ الاستراتيجية هو أن تبدأ بتحديد التغييرات الاقتصادية والاجتماعية؟

ريتشارد روميلت: صحيح. لنأخذ مثالاً. في الوقت الحالي، يتيح ظهور تقنية 3G الخلوية لتوصيل مقاطع الفيديو عبر الهواتف المحمولة. يحتاج صانعو الهواتف الخلوية وشركات النقل الخلوي وشركات الوسائط جميعهم إلى تطوير استراتيجيات لاستغلال هذا التغيير. على الرغم من أن هذه التغييرات لها عواقب طويلة الأجل، تحتاج الشركات إلى اتخاذ موقف الآن. بعبارة “اتخاذ موقف” أعني الاستثمار في الموارد التي ستكون أكثر قيمة من خلال التغييرات التي تحدث.

على سبيل المثال، أعتقد أن فرص عرض النطاق الترددي العالي يتم تجاوزها في لعبة الــ 3G هذه. كما أشار كلايتون كريستنسن، كثيراً ما يتجاوز اختصاصيّو التكنولوجيا طلب المستهلكين. أميل إلى الاعتقاد بأن هذا يحدث في ساحة الــ 3G، لذا فأنا أقل اهتماماً بتطبيقات النطاق الترددي العالي، مثل سهولة التعامل مع الفيديو، مقارنةً بفرص عرض النطاق الترددي المنخفض، مثل ميزة البحث الصوتي للجوال. أعطني هاتفاً خلوياً يجمع بين التعرف على الصوت ونتائج البحث التي تمت تصفيتها على الموقع ولديك منتج تستطيع شركة لاسلكية تمييزه والاستفادة منه.

 

في الوقت الحاضر، الأحكام المتضاربة مثل هذه هي جوهر التفكير الاستراتيجي، ويمكن أن تكون نقطة انطلاق لاتخاذ موقف. هل يمكنك التنبؤ بوضوح بالمراكز التي سوف تؤتي ثمارها؟ ليس بسهولة. إذا استطعنا بالفعل حساب الآثار المالية المترتبة على مثل هذه الاختيارات، فلن نضطر إلى التفكير استراتيجياً؛ سنقوم فقط بتشغيل جداول البيانات وترتيبها. يعتبر التفكير الاستراتيجي أساساً بديلاً لوجود روابط واضحة بين المواقف التي نتخذها ونتائجها الاقتصادية.

 

التفكير الاستراتيجي يساعدنا على اتخاذ المواقف في عالم مُربِك وغير مؤكد. لا يمكنك التخلص من الغموض وعدم اليقين – فهي الجانب الآخر من الفرص. إذا كنت تريد اليقين والوضوح، انتظر حتى يتخذ الآخرون موقفاً وشاهدهم كيف يفعلون ذلك وكيف يتصرفون. بعد ذلك ستعرف ما الذي ينجح، لكن سيكون من المتأخر الاستفادة من تلك المعرفة.

 

 

ذا كوارترلي: إذاً؛ كيف تتخذ الشركة موقفًا جيدًا؟

 

ريتشارد روميلت: حسنًا، أحد العوامل الكبيرة هو أن تتخذ الموقف المفترس – موقف اللبائن الكبيرة المفترسة المترقبة لحركة فرائسها – الذي يركز على متابعة التغييرات. مرة أخرى في منتصف التسعينيات، كنت أبحث عن استراتيجية في صناعة الإلكترونيات العالمية. قابلت من 20 إلى 30 من المدراء التنفيذيين والرؤساء التنفيذيين ومديري الأقسام، وطرحت أسئلة بسيطة إلى حد ما. من هذه الأسئلة، ما هي الشركة التي أصبحت الشركة الرائدة في السوق؟ كيف أصبحت هذه الشركة رائدة؟ ما هي استراتيجية الشركة الخاصة بهم؟

ثم تدرس ديناميات الاستراتيجية هذه التغيّرات وتأثيرها على كل بُعد من أبعاد الصناعة.

هل ستصبح الصناعة أكثر تركيزًا أم أقل؟ أكثر تكاملًا أم أقل؟ هل سيكون هناك المزيد من التمايز بين المنتجات أم يقل التمايز؟ هل سيكون هنالك بيع بالتجزئة ”المفرد“ أكثرأو أقل؟ بالنظر إلى رغبات المستهلك والتقنيات المتاحة، كيف ينبغي أن يُنظر إلى الصناعة أو الأعمال التجارية في السنوات العشر المقبلة؟ أين تحاول القوى الاقتصادية أن تأخذك؟ هل يجب أن تقود استراتيجيتك تلك القوى أو تريد ان تقاتلها؟

هنالك أدوات وتمارين تساعد على إطلاق رؤى استقلالية حول الديناميات. أحدهما عبارة عن قائمة من التحيزات الشائعة – نوع القائمة التي تساعد بعض الأشخاص على النظر إلى ما وراء النظرة القياسية للإجماع حول ما يحدث. على سبيل المثال، يبالغ معظم المحللين في تقدير أهمية النطاق ويقللون من جمود المشترين، فما الذي يحدث إذا قمنا بضبط وجهات نظرنا للتحكم في هذه التحيزات التي يمكن التنبؤ بها؟

تمرين مفيد آخر هو إعادة التفكير في الاستعارة. خلال طفرة الاتصالات بين عامي 1997 و 2000، كان الناس يقولون أن كابل الألياف الضوئية كان يشبه المعالج الدقيق أو الصغري”الترانزستور”، حيث أن عدد الترانزستورات على شريحة المعالج يتضاعف تقريبًا كل عامين في حين يبقى سعر الشريحة على حاله “يُسمى قانون مور”. ومثلما أحدث الترانزستور ثورة في صناعة الكومبيوتر، فإنهم يعتقدون بأن الكابل الضوئي كذلك، وبالتالي ستُحدث الكابلات الضوئية نفس التأثير في إعادة هيكلة الاتصالات. لكن الاستعارة تلك كانت خادعة تمامًا. فزيادة سعة الكابل تختلف تمامًا عن زيادة سعة الكومبيوتر الخزنية، وذلك نظرًا لأن سعة شبكة الانترنت هي مورد مشترك، بالتالي فإن السعة الزائدة ستؤدي إلى خفض الأسعار والتي ربما ستصل إلى الصفر. على النقيض من ذلك، فإن أجهزة الكومبيوتر عند زيادة سعتها الخزنية فإن ذلك لا يؤثر على الأسعار فهي ليست موردًا مشتركًا. لذا، فبمجرد رؤية الاستعارة الأساسية يمكنك ضبط توقعاتك.

رأيتُ نمطًا مثيرًا للاهتمام. شَرَح معظم المدراء التنفيذيين بسهولة كيف أصبحت الشركات رائدة في السوق: تم فتح نوع من الفرص، وكانت الشركات الرائدة هي التي كانت أول من قفز بنجاح من خلال هذه النافذة الجديدة. ليس بالضبط أن تكون المحرك الأول ولكن أول من يحصل عليها بشكل صحيح.

لكن عندما سألتُ هؤلاء المدراء التنفيذيين عن استراتيجياتهم الخاصة، سمعتُ الكثير عن تلميع مقبض الباب (في إشارة للف والدوران وعدم الحديث عن استغلال الفرصة المباشرة. – المترجم) كانوا يقولون أنهم يقومون باستخدام نظام التغذية المرتدة 360 درجة، ويشكلون تحالفات ويستعينون بمصادر خارجية ويخفضون التكاليف، وهلم جرا. لم يذكر أي منهم اتخاذ موقف جيد بسرعة عندما تتغير الصناعة.

 

ثمّ، في عام 1998 أُتيحت لي الفرصة للتحدث مع ستيف جوبز بعد أن عاد لإدارة شركة آبل. كنت هناك لمساعدة تيليكوم إيطاليا في محاولة عقد صفقة مع شركة آبل، ولكن بعد الانتهاء من هذا العمل، لم أستطع إلا أن أطرح السؤال على ستيف جوبز؛ قلت: ’’ستيف، هذا التحول في شركة آبل كان رائعًا. لكن كل ما نعرفه عن أعمال الحواسب الشخصية يقول بأن شركة آبل ستكون دائمًا ذات موقع صغير. تعد العوامل الخارجية للشبكة قوية جدًا بحيث لا تزعج المعيار الفعلي. إذًا؛ ما الذي عليك أن تحاول فعله؟ ما هي الاستراتيجية طويلة المدى؟”

لم يوافق أو لا يوافق على تقييمي للسوق. ابتسم إبتسامة بسيطة وقال: ’’سأنتظر الشيء الكبير التالي.‘‘

جوبز لم يُعطِني إجابة تنُم عن تلميع مقابض الأبواب. لم يقل: ’’نحن نخفض التكاليف ونعمل تحالفات.‘‘ لقد كان ينتظر حتى اللحظة المناسبة لتلك القفزة المفترسة، التي كانت بالنسبة له (بيكسار) ثم (آي بود)، بشكل أكبر. هذا النهج المفترس للغاية المتمثل في القفز من خلال نافذة الفرصة والاستمرار في التركيز على تلك المكاسب الكبيرة – وليس على أنشطة الصيانة – هو ما يميز استراتيجية تنظيم المشاريع الحقيقية.

 

 

 

ذا كوارترلي: إذًا، هل عليك أن تستكشف، ثم تقوم باستغلال التغييرات حينما يحين الوقت؟

 

ريتشارد رومليت: نعم، لكن هذا لا يعني أن التغييرات ليست مرئية، فقد كان الكثير من صُنّاع الموسيقى داخل وخارج تلك الصناعة يعرفون عن تنزيل الموسيقى بصيغة mp3 والتي ابتدعتها شركة نابستر (Napster) – (من أولى الشركات التي أتاحت مشاركة ملفات mp3 الموسيقية على الحاسب الشخصي – المترجم)، فلا يمكنك قراءة مجلة دون مشاهدة إعلان عن نابستر، كان الناس يعرفون ”أو يتوقعون“ أن مشغّلات mp3 ستأتي تباعًا.

كما هو الحال في معظم أوقات التغيير، سيكون هنالك مستفيدون رئيسيون بموارد أساسية، لا يريدون العمل على التغييرات التي تحدث – في مثالنا شركات وتجار الموسيقى –

دخل ستيف جوبز للصناعة تلك، لقد كان في وضعٍ مثالي، فلم يكن لديه أصول تتعرض للتهديد في صناعة الترفيه تلك، لم يكن بحاجة إلى قفزات خيالية للمستقبل البعيد، بل وجد مجموعة من الأفكار التي تحتاج إلى اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة عليها.

 

ذا كوارترلي: ما هي القدرات التي تحتاجها الشركات من أجل الاستفادة من هذه الأفكار؟

 

ريتشارد رومليت: لا يوجد بديل لبصيرة العمل، لكن كل الابتكارات تقريبًا تنبع من مزيج غير متوقع من شيئين أو أكثر، لذلك تحتاج الشركات إلى الوصول إلى المعرفة الصحيحة ومجموعات المهارات وفي بعض الحالات السيطرة على تلك المعرفة والمهارات.

 

في الوقت الحاضر أنا أتابع شركة صغيرة تسمى منتجات شيرلاين (Sherline) التي تصنع الأدوات الآلية لصانعي النماذج. هذه هي أدوات آلية صغيرة يمكنك شراؤها بحوالي 3000 دولار، مثل المخارط التي يتم التحكم فيها بواسطة الكومبيوتر والطواحين المصغّرة. تبيعها شيرلاين لصانعي النماذج والشركات التي تنشئ نماذج أولية. يقول الرئيس التنفيذي لشركة شيرلاين أنه لم يكن بإمكانه تصور أن هذه المنتجات التي ينتجها للهواة والمهنيين المحترفين، ستلاقي قبولًا.

إن الشخص الميكانيكي المحترف يعرف القدرات التي تملكها الآلات بالفعل، أما الهاوي الميكانيكي يريد العمل بمساحة صغيرة وميزانية محدودة. لذلك، فإن هذه الشركة كان لديها العلم بشيئين لا يجتمعان عادة، وهذا سمح لهذه الشركة بإنشاء هذا المنتج.

 

وبالمثل ، جاء آي بود من المعرفة والموارد التي يتم دمجها ببراعة. كان هناك الكثير من الأشخاص الذين يعرفون صناعة الموسيقى والكثير ممن يعرفون عن الأجهزة والكثير ممن كانوا يعرفون الويب. ولكن الوصول بسرعة وببراعة إلى هذه التجمعات الثلاثة من الموارد والمعرفة كان إنجازًا رائعًا.

 

ذا كوارترلي: فكيف نعرف أيًّا من تلك التغييرات مهمة وأيَّ موارد يجب دمجها؟

ريتشارد رومليت: هذا سؤال صعب للغاية. إنها قضية أساسية – أن تسأل ما هي الحدود التالية التي يجب تجاوزها؟ ما الذي يتم بحثه وتقصي قيمته وتقصيره. أنا أسميها “الديناميات الاستراتيجية”

 

معظم مفاهيم الاستراتيجية المستخدمة اليوم ثابتة. إنها تُفسّر استقرار واستدامة المزايا التنافسية فقط. إن المفاهيم الاستراتيجية مثل الكفاءات الأساسية ومنحنيات الخبرة وحصتها في السوق وحواجز الدخول “الأموال التي رُبحت” والحجم في السوق وثقافة الشركات وحتى فكرة “الموارد المتفوقة” هي ثابتة في جوهرها، وهي تخبرنا عن سبب قابلية الدفاع عن موقف معين – لماذا يحتفظ هذا الموقف بالمكانة العالية.

إذا لم تتغير التضاريس، إذًا؛ ستكون هذه نهاية القصة. الأرض المرتفعة مرتفعة دائمًا، والأرض المنخفضة منخفضة دائمًا. ولكن في الأعمال التجارية، على عكس الجيولوجيا، يحدث التغيير في سنوات بدلًا من آلاف السنين، ففي عالم الأعمال الحديث، تحدث زلازل شديدة ترفع الأرض المنخفضة عاليًا، وفي الوقت نفسه تغمر بعض قمم الجبال بالماء.

 

ذا كوارترلي: هل هناك طريقة أخرى لفهم ديناميات الاستراتيجية؟

 

ريتشارد رومليت: هنالك أداة أخرى أستخدمها وهي ما أسميه “رفض القيمة”، وهذه هي المنتجات أو الخدمات المرغوبة والعملية على حد سواء ولكن لا يتم توفيرها للسوق.

يعطي هذا المفهوم نظرة ثاقبة للعرض والطلب المحتمل. المثال الكلاسيكي الذي يورده الكلاسيكيون هو عن تذكرة الطيران التي تضمن عدم فقدك لأمتعتك، إذ أن هنالك شركات للطيران تضع مقصورة خاصة لتلك الأمتعة مقابل دفع مقابل لها، بل هنالك شركات قد تضع فيها أمتعتك بجانبك؛ لكن في بعض الأحيان ندفع تلك العلاوة لكن لا يتم تقديم تلك الخدمات لنا! ليس هذا ما أسميه “رفض القيمة”!

رفض القيمة تمثل فرصة عمل، فكل تغيير أو ابتكار يخلق قيمة رفض جديدة.

مثالي هو: يريد الناس شراء الموسيقى الخاصة بهم والاحتفاظ ب 10 آلاف أغنية على أجهزة الكومبيوتر الخاصة بهم، ثم إنهم حصلوا على ذلك؛ بعدها، جرى رفض القيمة، حيث لم تكن تلك الموسيقى محمولة، فأتت مشغلات الــ mp3 و الــ ipod، لكن جرى رفض قيمة جديد، لأن الناس احتاجوا لأن يربطوا مشغلاتهم الشخصية بأجهزة ستيريو لمشاركة موسيقاهم مع الآخرين، تم إصلاح ذلك بسهولة.

لكن تشغيل ملفات الـ mp3 على جهاز الستيريو خلق رفض قيمة جديد، وهو أن ملفات الــ mp3 المضغوطة لا تبدو جيدة مثل تشغيل الأقراص المدمجة. سيظل هنالك رفض للقيمة ما دمت لا أملك القدرة على الوصول إلى موسيقاي في أي مكان وفي أي وقت أحتاجه.

بل سأحتاج لأن أعرف ما الجديد الذي يمكنني الاستماع إليه؟ هل سأحتاج إلى مدرّس خاص لتشكيل ذوقي ومساعدتي في اختيار الموسيقى الخاصة بي؟

لذلك؛ إحدى الطرق المفيدة للتفكير في التغيير هي الابتعاد عن الابتكار المركزي واسأل نفسك ما هي قيمة الحرمان ”الرفض“ التي سيكشفها. كيف سيتم إصلاحها؟ وما هو الرفض للقيمة التي سيتم الكشف عنها بعد ذلك بواسطة هذا الإصلاح؟

 

ذا كوارترلي: أي نوع من المجموعات يمكنه تحليل هذه الأنواع من الأشياء؟

ريتشارد روميلت: مجموعة صغيرة من الناس الأذكياء. ماذا اقول أيضًا؟ القيام بهذا النوع من العمل صعب. البصيرة الاستراتيجية هي في الأساس إيجاد الحل للألغاز، يتم حل الألغاز بواسطة أفراد أو مجموعة صغيرة، المجموعة الصغيرة تنقل عملها للمجموعة الكبيرة. المجموعة الكبيرة عملها هو حلحلة العمليات المعقدة ثم بعد ذلك التوافق أو الإجماع.

الشيء الآخر؛ إذا كانت على طريقتي، فالمجموعات الصغيرة مثل هذه ستكون ممنوعة تمامًا من تقديم عروض PowerPoint التقديمية!

إن استخدام الــ PowerPoint يُخرجك من عمليات التفكير باعتقادي. تتمثل إحدى الميزات الرائعة لبرنامج PowerPoint في مدى سرعة إنشاء عرض تقديمي. لكن هذه هي المشكلة، ففي هذه التقنية، ينتهي بك المطاف وقد مرّت عليك نقاط متناقضة ولم يلاحظ أحد، إنها مسألة مدهشة!

إن وضع البرنامج جانبًا، ثم الطلب من فريقك كتابة ثلاث فقرات متماسكة حول: ماذا يحدث في صناعة ما؟ ولماذا يحدث ذلك في تلك الصناعة بالذات. فستجد فارقًا لا يُصدّق!

سيضطر الفريق إلى ترابط الأفكار، وإعطاء الأسباب والمؤهلات، مما يجعلك تفكر بشكل أفضل وتتواصل بشكل أفضل أيضًا.

 

 

ذا كوارترلي: لنغيّر الحديث قليلًا، هل يمكنك إخبارنا عن بحوثك الخاصة بالتنوّع والتركيز؟

ريتشارد روميلت: حسنًا؛ أظهر بحثي الأول حول استراتيجية الشركات، أن الشركات المتنوعة إلى حد ما ولكن المركزة نسبيًا تميل إلى التفوق على الشركات المتنوعة للغاية. وقد ثبت هذا الاكتشاف على مدار العقود الماضية.

تقول النظريات المالية الأخرى أن التنوّع هدفه تقليل المخاطر المالية، لكن في عالم الأعمال، لا يكون التنوّع في الإنتاج هدفه التحوّط “تقليل المخاطر” بل هدفه الحفاظ على أعلى نسبة نمو للشركات.

الشركات التي تواجه أكبر المخاطر هي الشركات المبتدئة أو التي ما زالت في مراحلها الأولى، وهذه الشركات تحتاج إلى التركيز بشدة على محتوى واحد. تبدأ الشركات في التنويع بعد أن تبدأ في النمو وهذا يخلق لهم موارد مالية ونقدية أكثر مما يديم عملهم، وعند استنفاد الفرص في توسيع أعمالهم الأصلية يلجأون إلى التنويع.

 

 

ذا كوارترلي: لماذا تكون الشركات الأكثر تنوّعًا أقل ربحية؟

ريتشارد رومليت: يبدو أنه كلما زادت تعقيدات المنظمات والشركات، زاد احتمال أن تتراكم الأعمال غير الفعّالة، ستجد أن هناك أموالًا وجهودًا ضائعة في الزوايا والأركان والأزقة الخلفية. بل ستجد الكثير من الضائعات حتى في الممرات الرئيسية – المنتجات الرئيسية للشركات –

إن هذه المنتجات والأمور التي تستنفد أموال الشركات الكبيرة ستجد أنها تتلقى دعمًا من الأعمال الناجحة، وستجد أن هذه الأعمال غير الناجحة تستمر في الوجود بسبب التحيّز عند الشركات إلى عدم غلق الأمور التي تستنفد الموارد.

من غير المجدي أحيانًا أن تتخلص من الحديقة داخل الشركة، بل من الأسهل والأكثر شعبية للشركات أن تنمو في أعمالها وعدم تعطيل الأمور وغلق المنتجات عند عدم ربحيتها.

 

ذا كوارترلي: بالإضافة إلى عدم إزالة الأعشاب الضارة من الحديقة، هل هناك مشاكل مهمة أخرى ترى أن كبار المسؤولين التنفيذيين فشلوا في التعامل معها؟

ريتشارد روميلت: في الشركات المتنوعة، تتمثل مهمة الرئيس التنفيذي في الحفاظ على صحة الأعمال الفردية. فنحن نعلم أن عصب النجاح للشركات هو وحدة الأعمال للشركة.

إذًا؛ ما الذي يجعل وحدة العمل صحية؟ الجواب هو أن تعمل بكفاءة بوجود استراتيجية جيدة، الاستراتيجية الجيدة هي تلك التي تستجيب للتغيير وتتبنّى الموارد التي تحقق ميزة تنافسية وتبني عليها.

 

 

ذا كوارترلي: أتقوم وجهة نظرك على الموارد؟

ريتشارد روميلت: نعم؛ وجهة النظر القائمة على الموارد، والتي قد تبدو واضحة على مستوى واحد رئيسي: هذا المستوى يقول أنه يجب أن يكون لديك موارد جيدة حتى تحصل على نتائج جيدة. لكنها في الحقيقة نظرية حول ما هو موضع النجاح. من أين يأتي؟ إنه يأتي من وجود موارد يصعب تكرارها وغير ملموسة داخل الشركة. الأشياء التي تولد وتحافظ على النجاح التنافسي – أشياء مثل السمعة ومجموعة عملاء جيدة وشبكات خارجية وأشخاص ذوي خبرة وكفاءة يقومون بعملياتك.

 

 

ذا كوارترلي: كيف يمكنك تحقيق ذلك في عالم يتغير بسرعة كبيرة؟ هل لفكرة وجود مورد خاص أو ميزة هيكلية نفس المعنى الذي أُعتيد عليه؟

ريتشارد رومليت: لا ليس كذلك؛ على الشركات خلق كفاءاتها والرهان عليها، كما تراهن على مواردها.

علينا أن نفهم أن الكفاءات تنشأ عن النشاط. إذا كنت تستوعب ما يكفي من هذه الأنشطة، فستحصل عليها جيدًا، وتمنحك ميزة مستدامة لفترة زمنية معينة.

 

المصدر: هنا

عن

شاهد أيضاً

الاقتصاد الأوروبي ينمو بينما الانبعاثات تنخفض

ترجمة : سهاد حسن عبد الجليل تدقيق: ريام عيسى  تصميم الصورة: أسماء عبد محمد إن …

الجريمة والاقتصاد في حقبة مارغريت تاتشر  

نشر في: موقع “ذي أوبزيرفر” بتاريخ: 27 أبريل 2019 الكاتب: جيمي دوارد ترجمة: مازن سفّان …