كتبه لموقع “كوارتز”: جيني أندرسون
منشور بتاريخ: 11/ 5/ 2017
ترجمة: فاطمة القريشي
مراجعة وتدقيق: آلاء عبد الأمير
تصميم الصورة: أحمد الوائليّ
الطفل الوحيد ذكي جداً وقليل الاختلاط هو تصور شائع، فالآباء غير مقيدين بحل النزاعات الأخوية المستمرة، ويخصصون له المزيد من الوقت والمال، كما يوفرون له مجموعة متنوعة من الأنشطة الراقية (هناك مصطلح يطلق على إنفاق المال والوقت على أكثر من طفل يدعى: إهدار الموارد). والعكس صحيح، فطالما لايشارك الطفل الوحيد ألعابه وغرفة نومه ولا اهتمام آبائه غيره من الأطفال، فإنهم سيفوتون مهارة حياتية ألا وهي متعة المشاركة.
ولكن هل أدمغة هؤلاء الأطفال مختلفة؟
وللإجابة على هذا السؤال ترأس “جيانغ كيو”، أستاذ الصحة النفسية في جامعة “تشوكنغ” جنوب غرب الصين ومدير مختبر الإدراك والشخصية في وزارة التعليم، فريقاً من الباحثين الصينيين، كانت عينتهم مؤلفة من أكثر من 250 طالباً جامعياً صينياً. استخدم الفريق اختبارات معيارية لقياس معدل الذكاء والإبداع والقبول، كما درسوا أدمغة الطلبة للكشف عما إذا كانت تركيبة أدمغتهم كونهم أطفالاً وحيدين لعائلاتهم مختلفة أم لا، فاتضح أنها مختلفة.
تبين في الاختبار السلوكي أن الطفل الوحيد لايختلف في معدل ذكائه عن الطفل غير الوحيد، ولكن لديه مستوى عال من المرونة (وهي إحدى معايير قياس الإبداع) ومستوى أقل من القبول.
كما أكد المسح الضوئي لأدمغة الطلاب هذه النتائج، فتبين وجود فروق دلالية بين الطفل الوحيد وبين الطفل غير الوحيد في مناطق الدماغ المرتبطة بالمرونة والخيال والتخطيط (التلفيف فوق الهامشي) والتوافق والأستقرار العاطفي (قشرة الفص الجبهي الأنسي)، كما كشف المسح عن وجود أختلافات في التلفيف المجاور للحصين والتي تساعد في الضبط العاطفي والتحكم في المزاج.
فكان ملخص هذه الدراسة بأن حجم العائلة الذي تختاره أو تنتهي به لايؤثر فقط على البيئة التي ينشأ فيها الأطفال وحسب، بل على تركيب أدمغتهم أيضاً. البحث منشور في مجلة “براين ايماجينيغ اند بيهافيور”.
بدأت فكرة الطفل الوحيد بالتلاشي، والتي أطلقها قبل 125 سنة “كرانفيل ستانلي هال” قائد حركة دراسة الطفل. تقول “لورين ساندلر” مؤلفة كتاب (واحد فقط: حرية إنجاب طفل وحيد، و متعة الحياة مع كونك وحيداً): “فقد صنف هال في دراسة “الأطفال المميزون والاستثنائيون” عام 1896 الطفل الوحيد على أنه “غريب الأطوار” و”غير سوي دائماً”، فظلت هذه الأوصاف عالقة على مر السنين وبإصرار معتمد، كما ادعى أيضاً بأن “كونك طفلاً وحيداً فإن هذا مرض قائم بحد ذاته”.
تشير عدة أدلة على أن الصورة النمطية للطفل الوحيد خاطئة. أجرى “توني فالبو”، أستاذ علم النفس التربوي بجامعة تكساس في اوستن وأخصائي منهج بحث في دينس بوليت، دراسة وصفية عن ذكاء وشخصية الطفل الوحيد. فوجد أن الطفل الوحيد والابن البكر والشخص الذي يملك أخاً واحداً فقط يحصلون على علامات ذكاء مرتفعة وتحصيل دراسي مرتفع، لكنهم لايختلفون كثيراً في الشخصية (خلاصة الموضوع: قد لايكون الطفل الوحيد سعيداً ومرغوباً في أسرته كما لو كان في أسرة فقيرة ويمتلك خمسة أخوة).
فترض “جيانغ” ومساعديه عدة أسباب لماتوصلوا إليه، إذ فيتأثر الإبداع، والذي يُعرف على أنه امتلاك أفكار عريقة ذات قيمة، بأي شيء ابتداءاً بالتركيب الأُسَري وآراء الآباء وانتهاءاً بالتواصل والتوقعات. (كشفت دراسة سابقة بأن الأطفال كانوا أكثر ميلاً إلى التفوق إذا كانت قدراتهم توافق توقعات أمهاتهم). يتفاعل آباء الطفل الوحيد أكثر مع أطفالهم كما يبحثون عن مزيد من الفرص لتوسيع نطاق ابداع أطفالهم. فربما كانت توقعات هؤلاء الآباء عالية لأطفالهم الوحيدين، أو ممن يعطون أطفالهم استقلالية كبيرة، حيث أفادت بعض الدراسات بأن الأستقلالية تعزز الأبداع.
أشاد بهذا البحث “مارك رونكو”، رئيس تحرير جريدة البحث الأبداعي وباحث مميز وزميل المعهد الأمريكي لأبحاث السلوك والتكنولوجيا، لكنه أشار إلى بعض الملاحظات. فقد لاحظ تأكيد الباحثين على المرونة والتي تعد إحدى المعايير الثلاثة لقياس الإبداع التي تم قياسها بأختبار “تورانس” الشفهي. أما المعيارين الأخرين فأحدهما الأصالة (عدد الأفكار الفريدة أو الأصلية التي يمتلكها الفرد)، والمعيار الأخر فهو الطلاقة (مدى سهولة انتقال الشخص بين المعيارين السابقين). ويقول “مارك”: “المرونة مهمة ولكنها ليست بأهمية الأبداع والأصالة”. فلم يكن هناك اختلافات ملحوظة في درجات معيار الأصالة. كما أشار أيضاً إلى أن اختبارات مستوى الذكاء كالاختبارات الإبداعية ليست اختبارات دقيقة للقياس. ويقول أيضاً: “في الواقع أنت تبحث عن الأداء، وليس عن مؤشر مثالي لما فعله أو سيفعله الشخص”. ينطوي الأبداع على العفوية والحافز الجوهري، وهذه أمور يصعب تقييمها في الأختبار إلى حد ما.
المقال باللغة الأنجليزية: هنا