كتبه لموقع “كوناتس نيوز”: سام سينا
منشور بتاريخ: 27/7/2018
ترجمة: إبراهيم العيسى
تدقيق: آلاء عبد الأمير
تصميم الصورة: أسماء عبد محمد
للغرب أن يتباهى ويفخر بدفاعه عن قيم الديمقراطية الليبرالية والتعددية وحرية التعبير إلاّ أنّ القيم المسيحية-اليهودية تناقض تلك القيم. ليس الجدل القائم على أنّ القيم الغربية مصدرها الأفكار المسيحية-اليهودية بجدل جديد، بل إنّه في الواقع صيغة حديثة للجدل القديم عن أنّ الدين منبع الأخلاق. يمكن أن نعزو انتشار هذا الرأي مؤخراً لخطب بعض الشخصيات المؤثرة مثل “بن شابيرو” والدكتور”جوردان بيترسون”. حتى أنّه يمكننا القول وبدون أيّ تحفظ أنّ الإسهامات التي قدمها بعض المسيحيين واليهود قد وضعت الأسس التي قام عليها الغرب. ولكن، أينبغي أن نُثني على دياناتهم لأجل ذلك؟
يمكن للغرب أن يتباهى (وهذا واقع الحال) بدفاعه عن الديمقراطية الليبرالية والتعددية وحرية التعبير. الديمقراطية الغربية العلمانية هي ذاتها التي تحاربها الأصولية الإسلامية، ولكن هل معنى ذلك أنّ الغرب مدين بثقافته للأعراف والتقاليد المسيحية-اليهودية؟
تسبق الفضيلة والأخلاق الإنسانية الدين من الناحية الزمنية. وطالما كان هذا الأمر مثار خلاف بين رجال الدين والعلماء. وبما أنّ كلّ الأفكار قابلة للنقاش وليس هناك فكرة مستثناة من ذلك، فإنّ فكرة استناد الحضارة الغربية إلى القيم المسيحية-اليهودية غير صحيحة تاريخياً، هذا إن لم نقل إنّها فكرة خرقاء تنافي العقل والمنطق. ولو كانت الثقافة الغربية ناتجة عن القيم المسيحية-اليهودية، لكان لدينا في الغرب سلطة دينية مقيتة، بل وعلى عكس ذلك، تعارض الديمقراطية العلمانية كلّ أشكال الأصولية الدينية والإقطاعية والعبودية. لذا حمداً لله على التنوير! لنرى لماذا..
أساس الديمقراطية
يعود أصل كلمة “الديمقراطية” إلى الكلمتين الإغريقيتين (ديموس وتعني الشعب) و (كراتوس وتعني القوة). فالديمقراطية إذاً ليست وليدة القيم المسيحية-اليهودية، بل إنّ أثينا القديمة وأسلافها كذلك مثل فايشالي (مقاطعة هندية قديمة ازدهرت في القرن السادس قبل الميلاد) كانت أمّاً لها. طبقت فايشالي نمط الحكومة المتساوية، بمعنى آخر؛ كانت المقاطعة تحت حكم اتحاد مجموعة من العشائر أو العائلات ممثلة بأفراد أقوياء. ورغم أنّ ديمقراطية مقاطعة فايشالي لم تكن مثالية، إذ تركزت السلطة في يد قلّة من العائلات الحاكمة، يمكن عد نظام الحكم فيها شكلاً من أشكال الحكم الرئاسي القديم وليس الملكي. هذا وقد شكّلت فايشالي التي لم تعارض كثيراً الآراء المستقلة ورفعت من شأن وقيمة أفرادها ما قد يكون شكلاً من أشكال الديمقراطية قبل ولادتها فعلياً.
لم تخلُ ديمقراطية أثينا من بعض العيوب، ورغم تساميها عن القيم السائدة في عصرها، لم تستوعب ديمقراطية أثينا المكوّن النسائي. إذ كانت النساء محرومة من التصويت في الإكليزيا (المجلس المدني) ولم يتمتعن كذلك بأي حق سياسي فعلياً، وكان العبيد كذلك محرومين من حق التصويت. ومع ذلك كان مفهوم الديمقراطية بحد ذاته إنجاز فريد وكانت ديمقراطية أثينا ،رغم ما شابها من عيوب، سابقة لعصرها.
أمّا ما تذكره النصوص الدينية، فيختلف كليا عن أيّ مفهوم للديمقراطية. ونقدم هنا بعض نصوص الكتاب المقدس التي تضع السلطة المطلقة بيد الإله وليس الفرد:
“متى أتيت إلى الأرض التي يعطيك الرب إلهك و امتلكتها وسكنت فيها، فإن قلت اجعل عليّ ملكاً كجميع الأمم الذين حولي” سفر التثنية 17:14
“لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة لأنّه لا سلطة إلاّ من الله، والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله” الرسالة إلى رومية 13:1
“حتى إنّ من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله، والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة” الرسالة إلى رومية 13:2
حرية التعبير
يُقال إنّ حريّة التعبير هي الحريّة الأغلى بين الحريات. حتى في عصور الأنظمة الشمولية المستبدة، تُعد الحكايات التي تعبّر عما يخالج النفوس ملاذاً آمناً من بطش تلك الأنظمة. فهل تشجّع مجلدات التقاليد المسيحية-اليهودية ذات الشيء؟ سيقول الكثيرون نعم، ولكن الأدلة تقول خلاف ذلك:
«إِنْ سَمِعْتَ عَنْ إِحْدَى مُدُنِكَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ لِتَسْكُنَ فِيهَا قَوْلاً: قَدْ خَرَجَ أُنَاسٌ بَنُو لَئِيمٍ مِنْ وَسَطِكَ وَطَوَّحُوا سُكَّانَ مَدِينَتِهِمْ قَائِلِينَ: نَذْهَبُ وَنَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى لَمْ تَعْرِفُوهَا. وَفَحَصْتَ وَفَتَّشْتَ وَسَأَلْتَ جَيِّدًا وَإِذَا الأَمْرُ صَحِيحٌ وَأَكِيدٌ، قَدْ عُمِلَ ذلِكَ الرِّجْسُ فِي وَسَطِكَ، فَضَرْبًا تَضْرِبُ سُكَّانَ تِلْكَ الْمَدِينَةِ بِحَدِّ السَّيْفِ، وَتُحَرِّمُهَا بِكُلِّ مَا فِيهَا مَعَ بَهَائِمِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. تَجْمَعُ كُلَّ أَمْتِعَتِهَا إِلَى وَسَطِ سَاحَتِهَا، وَتُحْرِقُ بِالنَّارِ الْمَدِينَةَ وَكُلَّ أَمْتِعَتِهَا كَامِلَةً لِلرَّبِّ إِلهِكَ، فَتَكُونُ تَلاُ إِلَى الأَبَدِ لاَ تُبْنَى بَعْدُ.” سفر التثنية 13:12
تبدو الآيات آنفة الذكر متوافقة مع ما كان يُعرف بمحاكم التفتيش سيئة الصيت. هذا وتنصّ النصوص المقدسة على معاقبة كلّ من ينظر إلى الدين بعين الشك والريبة:
“ومن جدف على اسم الرب فإنه يقتل رجماً الغريب كالوطني عندما يجدف على الاسم يقتل.” سفر اللاويين 24:16
بالتاكيد لا يقتصر كبت الرأي المخالف على القيم المسيحية-اليهودية، بل هو أسلوب تتبعه كل الأديان والمجاميع الشمولية. تفوق ممارسات محاكم التفتيش المخزية من حرق المفكرين الأحرار الكثير من الفظائع التي حدثت على مرّ التاريخ. ومن سخرية القدر، أنّ أرسطو لاقى مصيراً مشابها لذلك في مجتمع أثينا من قبل فكان ذلك أشبه ما يكون نذير شؤم لسقوط الديمقراطية في غضون نصف قرن.
قد يكون مشروع قانون الحقوق البريطاني الذي تأسس عام 1689، أحدث أساس لحرية التعبير في العصر الحديث، مع إنّ مفهومه يعود إلى القرن السادس قبل الميلاد، أي أنّنا ومن جديد مدينون به لليونانيين. ربما ظهرت العقيدة الديمقراطية المنادية بحرية التعبير في القرن الخامس أو السادس قبل الميلاد في أثينا، إذ كان اليونانيون يستخدمون كلمتين مختلفتين -حتى من الناحية الفنية- للدفاع عن حرية التعبير هما parrhesia و isegoria . ولم تخلُ حرية التعبير في أثينا من بعض العواقب، حالها حال أي مجتمع بدأ تواً وضع أساساته لبناء جمهوريته الديمقراطية.
بعد قيام ثورة 1917 في روسيا بفترة وجيزة، اتهمت “روزا لوكسمبورغ” فصيل لينين بتكميم أفواه المعارضين ووصفت ذلك الأمر بأنّه “ذهنية الثكنات”. وكذلك قام الديماغوجيون الدينيون بكل شيء في اقتفائهم آثار الشيوعيين. ومما يثير السخرية أنّ حرية التعبير تبقى لعنة في نظر قسم كبير من اليمين الديني، إذ تستفيض قوانين التجديف في كل أرجاء العالم في حديثها عنها. أمّا من يُدعون بالمعتدلين فيقدمون عادة أعذاراً تغلفها العاطفة عن قوانيين التجديف تلك.
أظهرت دراسة تحليلية أجراها (مركز بيو للأبحاث) عام 2014 أنّ 16% من الدول الأوروبية فيها قوانين تجديف بشكل أو بآخر. بالطبع هذه القوانين ليست من نتاج العصر الحديث، بل إنّ أصولها موجودة في آيات الكتب المقدسة المذكورة آنفاً.
“ولكن من جدف على الروح القدس، فلا مغفرة له إلى الأبد، بل هو مذنب بخطيئة أبدية” إنجيل مرقس 29:3
إلغاء العبودية
عندما كان صاحب العبيد والمعمّد الأمريكي “ريتشارد فرمان” (1755 – 1825) يشغل رئاسة مجمع تعميد الولاية، كتب إلى محافظ الولاية مايلي: “تذكر النصوص المقدسة بوضوح، وعلى مبدأ الإرشاد والتمثيل، أنّ من حقنا استعباد العبيد.” ولكن هل تحظى العبودية بدعم نصوص الكتاب المقدس؟
“إذا اشتريت عبداً عبرانياً فستّ سنين يخدم واعتقه في السابعة مجاناً. إن دخل وحده فوحده يخرج وإن كان بعل امرأة فلتخرج معه امرأته، وإن كان سيده زوّجه امرأة وولدت له بنين وبنات فالمرأة وأولادها لسيده وليخرج هو وحده. ولكن إن قال العبد أني أحب سيدي وامرأتي و أولادي ولا أريد أن أعتق. يقدمه سيده إلى الله و يقربه إلى الباب وإلى الأسكفة وليثقب أذنه بالمثقب وليتخذه عبداً يخدم أبد الدهر” سفر الخروج 21:2
مع إنّ الفكرة الرئيسة لتلك الآيات هي العبودية إلاّ أنّها لا تحمل أيّ إدانة لها، بل على العكس إنّها تُملي قوانينها. أليس هذا إعفاء غير مباشر من تبعاتها؟ يستشهد المدافعون عادة بالآية رقم 16 من ذات الفصل لإثبات أنّ العهد القديم لا يستحسن العبودية:
“ومن سرق إنساناً و باعه أو وجد في يده يقتل قتلاً” سفر الخروج 21 – 16
“إذا وجد رجل قد سرق نفساً من إخوته بني إسرائيل و استرقه و باعه يموت ذلك السارق فتنزع الشر من وسطك.” سفر التثنية 24:7
تنطبق هذه الآيات على اليهود وحدهم، وخاصة في حال اختطاف أحدهم. إذ إنّ العبيد وكما يذكر سفر اللاويين يكونون من الشعوب التي من حولهم.
“وأمّا عبيدك وإماؤك الذين يكونون لك فمن الشعوب الذين حولكم منهم تقتنون عبيداً وإماء وأيضاً من أبناء النازلين عندكم، منهم تقتنون و من عشائرهم الذين عندكم الذين يلدونهم في أرضكم فيكونون ملكاً لكم وتستملكونهم لأبنائكم من بعدكم ميراث ملك تستعبدونهم أبد الدهر وأمّا إخوانكم من بني اسرائيل فلا يتسلّط إنسان على أخيه بعنف” سفر اللاويين 25:44
تتسق آيات سفر اللاويين السابقة مع آيات سفر التثنية هذه:
“وإذا تقدمت إلى مدينة لتحاربها، فأبلغها شروط السلم. فإن أجابتك بالسلم وفتحت لك أبوابها، فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويخدمك. ولكن إن لم تسالمك بل حاربتك فحاصرتها يسلمها يهوه إلهك إلى يدك فتضرب جميع ذكورها بحد السيف. وأمّا النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة، كل غنيمتها، فتنهبها لنفسك وتأكل غنيمة أعدائك التي يعطيك يهوه إلهك إياها. هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جداً التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا.” سفر التثنية 20:10
لم يكن لظهور المسيحية أيّ أثر حسن تجاه تعاليم العبودية البالية تلك. بل على النقيض من ذلك فإنّه وقبل ظهور المسيحية بقرون عديدة، قام “سولون”ظن وهو مصلح قوانين في أثينا القديمة، بإصلاح القوانين ليتمّ إطلاق سراح العبيد من سكان أثينا. وهذا ما يؤكد عليه دستور أثينا الذي تأسس عام 330 قبل الميلاد. كما سطعت الكثير من الأفكار التقدمية المشابهة من اليونان القديمة. ومن ناحية أخرى، سنحت الفرصة للمسيحية لإدانة العبودية، إلاّ أ نّه ليس هناك أيّ دليل واضح يشير إلى أنّها قامت بذلك. بل إنّ المدافعين عنها لديهم كمّ وافر من التبريرات التي يقدمونها لتبرير موقف يسوع من العبودية. لكن من بين تلك التبريرات هناك تبرير تاريخي زائف يجب التوقف عنده وتحليله. إذ إنّه وبنظرهم فقد وُ لد يسوع في وقت لم تكن العبودية فيه أمراً شائناً كما هي اليوم، بل كانت أمراً مألوفاً وعادياً. هذا جدل غير منطقي أبداً وإلا لما وجد معاصرو يسوع في الصين القديمة أنّ العبودية أمر يستحق الإدانة بينما لم تكن كذلك بنظر يسوع. ففي عام 17 بعد الميلاد، ألغى “وانغ مانغ” –أحد حكّام الصين القديمة- العبودية. كان مقصده تقييد سلطة مالكي الأراضي وبالفعل ثارت ثائرتهم من تلك الخطوة ودبروا انقلاباً منظماً عليه. قُتل “وانغ” عام 23 بعد الميلاد وبعد وفاته عادت العبودية من جديد. بالتأكيد إنّ ما قام به “وانغ” من محاولة إلغاء العبودية يميّزه عن معاصريه في كلّ أرجاء العالم ومنهم يسوع.
“أيها العبيد أطيعوا ساداتكم حسب الجسد، بخوف ورعدة، وقلب مخلص، كما للمسيح” الرسالة إلى أفسس 6:5
وفي الإمبراطورية البريطانية ومستعمراتها، فقد تم إقرار قانون إلغاء العبودية عام 1833 أي بعد 18 قرنا من ظهور المسيحية. أمّا الولايات المتحدة فلم تلغ قانون العبودية إلا بحلول العام 1965 . إذاً لو كان إلغاء العبودية مبنيا على أسس القيم المسيحية-اليهودية لكان إلغاؤها تم قبل ذلك بكثير، بل إنّ إلغاء العبودية الذي حدث في الولايات المتحدة –أحدث مثال عن دولة ديمقراطية- قد تم دون أن تكون للقيم المسيحية-اليهودية أيّ صلة به ولو تمّ هذا الأمر نتيجة لما يدعى القيم المسيحية-اليهودية لرأينا شيئا مختلفا.ً ويجدر الذكر هنا أنّ الإنساني العلماني ريتشارد راندولف بدأ تحرير عبيده عام 1791 . والآن هل ستصفق للقيم المسيحية-اليهودية أم للإنسانية العلمانية؟
قيم جوهرية أخرى
بعيداً عن أمر العبودية، قد يتساءل المرء إن كانت القيم المسيحية-اليهودية تتوافق مع مفهومنا الحديث للقيم الديمقراطية. هل تعامل النصوص الدينية المسيحية-اليهودية البشر -على اختلاف أجناسهم- على أ نّهم سواسية؟ ربما لا.
“ولكن أريد أن تعلموا أنّ رأس كل رجل هو المسيح، ورأس المرأة هو الرجل، ورأس المسيح هو الله” الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس 11:3
توجد مفاهيم كره النساء وسلطة الرجال في غالبية النصوص الدينية والإنجيل ليس استثناءاً منها. إذ إنّه وعلى سبيل المثال يوصي بقتل الزوجات اللواتي يكذبن بأمر عذريتهن. لا يمكن لأحد أن ينكر البلادة الجافة للإستبداد الديني (الثيوقراطي) الذي تغذيه وتشجعه الكتب المقدسة:
“وإن ثبت أنّ ذلك صحيح (لم تكن علامات العذرية موجودة لدى الفتاة). عليهم عندئذ جلبها إلى باب بيت أبيها وعلى رجال مدينتها رجمها بالحجارة حتى الموت. لأنها جلبت الخزي في إسرائيل عندما مارست الدعارة في بيت أبيها. لذا عليكم استخراج الشر من بينكم” سفر التثنية 13:20
يحاول عادة المدافعون عن الكتب المقدسة ومن يعتبرون أنفسهم حراسها تبرير موقف الكتاب المقدس من كره النساء عبر طرح السياق الثقافي للأمر. إذ إنّه وبحسب رأيهم تستند أحكام الكتاب المقدس على المعايير الثقافية لعصره، أي أّنّهم يقرّون أنّ الكتاب المقدس قد تأثر بمعايير تلك الحقبة وليس العكس. ينطبق ذات الأمر على الوصايا العشر، ثلاثة منها فقط (بل أربعة إن تخلينا عن تحفظاتنا() يمكن أن تتقبلها المجتمعات الحديثة. لم يكن الرّبّ في العهد القديم أول من منع القتل والسرقة. فالمجتمعات السابقة في الهلال الخصيب قد أصدرت تشريعات ضد هذه الممارسات ولو بطريقة أكثر فظاظة.
أما أقدم قانون معروف فهو مكتوب باللغة السومرية، حوالي 2050 قبل الميلاد، ويعرف بقانون (أورنامو) وينص على عقوبات قاسية بحق جرائم القتل والسرقة. وبعد 300 عام، في عهد الملك “حمورابي”، كُتب قانون آخر ولكن باللغة البابلية المسمارية هذه المرّة. اعتبر كلا القانونين القتل والسرقة مخالفات جوهرية.
كان “كريستوفر هتشنز” يطلق على رب الديانة الإبراهيمية “كوريا الشمالية السماوية”. في الحقيقة يبدو أنّ الكتاب المقدس يناصر تنظيم الفكر بطريقة مخيفة تشابه المفهوم الأوريالي للجريمة الفكرية:
” قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل و من قتل يكون مستوجب الحكم. وأمّا أنا فأقول لكم إنّ كلّ من يغضب على أخيه باطلاً يكون مستوجب الحكم ومن قال لأخيه رقا يكون مستوجب المجمع ومن قال يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم.” إنجيل متى 5:21
“قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تزن. وأمّا أنا فأقول لكم إنّ كل من ينظر إلى إمرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه. فإن كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها والقها عنك لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقى جسدك كلّه في النار” إنجيل متى 5:27
لا فائدة مطلقاً من تمجيد تلك العادات القديمة الخسيسة المرعبة. إذ لا نسمع أعذاراً عن قانون حمورابي من قبيل أنّ الثقافة التي كانت سائدة و أدت إلى وجوده قد اندثرت منذ أمد بعيد. وبالتالي فإن حرف النقاش بتقديم أعذار سخيفة واهية للقيم المسيحية-اليهودية لا فائدة مرجوة منه. بل من الأجدر بنا، من جهة ثانية، أن نشير إلى التعارض الكبير بين الكثير من القيم المسيحية-اليهودية والفكر الليبرالي الحديث.
من المستحيل أن يحصل توافق بين مجتمع من المجتمعات الحديثة ومن ينشرون الأفكار الدينية من قبيل تلك. فالآيات النبيلة في الكتب المقدسة ليست إلاّ شيء تافه بالمقارنة مع كثرة الآيات الرجعية. ولو لم يكن هناك “سولون” ورفاقه اليونانيون، لما رأينا الغرب الذي نراه اليوم. لذا ألا يستحق منا ذلك بعض الإمتنان والإقرار بالفضل؟
المقال باللغة الإنجليزية: هنا