كتبه لـ(ذي اتلانتك): سارا زان
منشور بتاريخ: 14/4/2018
ترجمة: علي ابراهيم
تدقيق: آلاء عبد الأمير
تصميم: مينا خالد
عندما شرع العلماء في فرنسا بتحديد تسلسل 1000 جينوم خميرة، نظروا إلى سلالات من جميع الأماكن التي قد تتوقعها كالبيرة والخبز والنبيذ، وأيضاً مياه الصرف الصحي، والنمل الأبيض، ولحاء الشجر، وإصبعٌ ملتهب لفتاة أسترالية عمرها 4 سنوات، والأسفلت الملوث بالنفط، ووجبة بلوط مُتخمرة في كوريا الشمالية، وروث الخيل، وذباب الفاكهة، ودم الإنسان، ومياه البحر، والموز المتعفن. لمدة خمس سنوات، طلب اثنان من علماء الوراثة هما (جياني ليتي)من جامعة (كوت دازور) و(جوزيف شاشيرر) من جامعة (ستراسبورغ) عينات من خميرة ساكرومايسس Saccharomyces cerevisiae تقريباً من كل شخصٍ قابلوه، سواء كان الأطباء في غينيا الفرنسية يجمعون برازاً بشرياً أو صناع التكيلا المكسيكيين.
يقول شاشير: “من السهل الحصول على ألف سلالة من النبيذ، لكن لم نرغب بإكمال العمل بهذا الشكل”. لقد كانوا يريدون سلالات خميرة غير معروفة تعيش في جميع أنحاء العالم في مجموعة كبيرة ومتنوعة من البيئات. وأرادوا هذه العينات لمعرفة ما إذا كان بإمكانهم تأكيد شكوكهم حول الأصل التاريخي للخميرة. تشير نتائج تحليلهم الذي نشر في مجلة (نايتشور) إلى أن الخميرة جاءت من الصين.
الفكرة الأكثر دلالة هي أن الخميرة في الصين وما حولها لديها تنوع جيني أكثر من أي مكان في العالم. كان ليتي يشك بالفعل في ذلك، بعد أن عمل مع باحثين صينيين جمعوا الخميرة من غابات بدائية نائية، لكن التسلسل الهائل أكد على مدى كون الخميرة مميزة في شرق آسيا. هناك المزيد من الاختلافات بين سلالات الخميرة من تايوان وهاينان (الجزر الاستوائية على السواحل الصينية ) وبين السلالات في الولايات المتحدة وأوروبا، التي يفصل بينها المحيط الأطلسي بأكمله.
لايختلف أصل الفرضية الصينية للخمائر عن أصل الفرضية الإفريقية للبشر، فيما يخص هذا فلدى الأفارقة التنوع الجيني الأكبر على مدى العالم وينحدر جميع البشر في أماكن أخرى من السكان الخارجين من أفريقيا، كذلك الأمر بالنسبة للخميرة، فكل الخميرة في مكان آخر تنحدر من سلالات خرجت من شرق آسيا، وما إن حصل هذا فمن المحتمل أن البشر قاموا بتدجينها عدة مرات لصنع الأطعمة التي نعرفها كالبيرة والخبز والنبيذ.
ومن المفاجئ أيضاً كيف أن سلالات الخميرة تختلف عن بعضها البعض. الطريقة القياسية لقياس الفرق هي أخذ نفس الجين في سلالتين من الخميرة المنفصلة ومقارنة عدد الحروف التي تغيرت، هذا الأمر يشبه الأخطاء المطبعية التي تراكمت مع مرور الوقت. لكن ليتي وشاشيرر وجدا أن عدد المرات التي يتكرر فيها جين معين في الجينوم – وهي ظاهرة تعرف باسم الاختلاف في عدد النسخ – يفسر في الواقع المزيد من الاختلافات بين السلالات المستخدمة لتصنيع الجعة اللذيذة والسلالات التي تعيش على الحشرات في البرية على سبيل المثال. بمعنى آخر، ليس مجرد تسلسل الجين هو المهم، بل عدد النسخ التي تحتويها الخميرة.
يقول (إد لويس) عالم وراثة الخمائر في جامعة (ليستر): ”هذا يمكن أن يكون صحيحاً في الأنواع الأخرى أيضاً وربما حتى في البشر“. لكن دراسة الاختلاف في عدد النسخ عند البشر أصعب من الدرسة المطبقة على الخمائر، حيث إن جينوماتهم أكثر من 200 ضعف حجم الخمائر. لذا فإن الدراسات التي تبحث عن جينات تساهم في أمراض القلب على سبيل المثال، عادة ما تتحقق من الجينوم الخاص بالتغيرات في الحرف الواحد. تشير نتائج الخميرة إلى أنه ربما ينبغي على علماء الوراثة عند البشر إلقاء نظرة فاحصة على الاختلاف في عدد النسخ أيضاً.
أن تطبيق الأفكار من الخميرة الصغيرة ذات الخلية المفردة، إلى الإنسان الكبير متعدد الخلايا ليس بعيد المنال. نحن نتشارك الكثير من نفس الجهاز الخلوي، ففي كثير من الحالات يمكنك استبدال جين الخميرة بنسخته من الجين البشري وسيكون باستطاعة الخميرة أن تستمر في العمل على ما يرام. ولأن سلالات الخميرة تتكاثر بسرعة وتنمو بسهولة في المختبر، فقد استخدمها العلماء طويلاً لدراسة علم الوراثة.
يصف (ليونيد كروغلياك) عالم الوراثة في جامعة (كاليفورنيا) هذه الدراسة الجديدة بأنها “كنز دفين من المعلومات”. وهو يخطط بالفعل لاجراء التجارب استناداً إلى بعض بياناتها. كما يقول (كيفن فيرستريبن)عالم الوراثة في جامعة (كوالالمبور) في لوفين والذي قام بوضع تسلسل للعديد من سلالات الخميرة المدجنة المستخدمة في البيرة: “إن الجميع في مجتمع الخميرة متحمسين تماماً”.
وإذا كنت تتساءل عما إذا كان يمكن استخدام الخميرة البرية بالفعل في تحضير البيرة، فإن الإجابة هي نعم، لأن كل أنواع الخميرة تحول السكريات إلى كحول، لكن لا تتوقع نتائج رائعة، يقول فيرستريبن: “لقد صنعنا عدداً قليلاً منها ودعنا نقول أن البيرة كانت غير تقليدية.”
المقال باللغة الإنجليزية: هنا