كتبه لصحيفة (ذا غارديان): روبن ماكي
منشور بتاريخ: 6/5/2018
ترجمة: أحمد طريف المدرس
مراجعة وتدقيق: آلاء عبد الأمير
تصميم: مينا خالد
يلخص (مارك أوكونيل) أهداف حركة التحول البشري في كتابه (أن تكون آلة) الفائز بجائزة ويلكوم للكتاب: ”بأننا نستطيع، بل يجب علينا القضاء على الشيخوخة وهزم الموت، وأن باستطاعتنا استخدام التكنولوجيا لزيادة قدرة أجسادنا وعقولنا، وبمقدورنا أن نندمج مع الآلات، ونعيد صنع أنفسنا في النهاية بهيئتنا المُثلى.“
إن فكرة تعزيز أجسامنا بالتكنولوجيا ليست جديدة، ففي الماضي صنعنا أجهزة مثل الأرجل الخشبية وأدوات للمساعدة السمعية والنظارات والأسنان الاصطناعية. وفي المستقبل، قد نستخدم غرسات لزيادة حواسنا حتى نتمكن من اكتشاف الأشعة تحت الحمراء أو الأشعة فوق البنفسجية مباشرة، أو تعزيز عملياتنا المعرفية من خلال ربط أنفسنا برقائق للذاكرة، سينتج العلم من خلال دمج الإنسان والآلة بشراً أقوى وأذكى بكثير الى درجة تجسيد آلالهة.
هل هذا هدف مرغوب؟ يؤمن مؤيدو التحول أن تجاوز الحواجز والقيود الطبيعية التي تحد الإنسان العادي قد يكون رائعاً. لكن ذلك قد يثير مجموعة من المشاكل والمعضلات الأخلاقية. وكما يشير كتاب أوكونيل، فإن طموحات ما بعد الإنسانية ترقى الآن إلى جدول أعمالنا الفكرية. وهذه البداية فحسب، فليس هناك شك في أن تعزيز البشر بالتكنولوجيا أصبح أكثر تطوراً، ويتوضح ذلك في معرض(المستقبل يبدأ هنا )الذي يُفتتح في متحف (فيكتوريا وألبرت) في لندن. ويشمل العرض ملابس تعمل بالطاقة تنتجها شركة (سايزمك) الأمريكية، تُلبس تحت الملابس العادية وتقوم بمحاكاة الميكانيكا الحيوية للجسم البشري وتعطي المستخدمين – خاصة كبار السن – قوة وتساعدهم عند القيام عن الكرسي أو صعود الدرج، أو الوقوف لفترات طويلة.
يتم عادة إجراء هذه التطويرات التكنولوجية والطبية لمساعدة الجرحى والمرضى وكبار السن ولكن يتم استخدامها من قبل الأصحاء أو الشباب لتعزيز أدائهم وتحسين أسلوب حياتهم. فمثلاً يزيد عقار (إرثروبويتين) من إنتاج خلايا الدم الحمراء في المرضى الذين يعانون من فقر الدم، ولكن يتم تناوله أيضا بشكل غير مشروع من قبل بعض الرياضيين لتحسين قدرة الدم لديهم على نقل الأكسجين إلى عضلاتهم.
يقول الخبراء أن هذه هي البداية فقط. وبحسب (بلاي ويتبي) خبير الذكاء الاصطناعي في جامعة (ساسكس): ”إننا نقترب من الوقت الذي سيتمكن فيه الرياضيون الذين يركضون على ألياف الكربون من التفوق على أولئك الذين يركضون على الأرجل الطبيعية في بعض السباقات مثل عدو ال 100 متر“.
والسؤال المطروح الآن هل من الاخلاقي السماح لبعض الجرّاحين باستبدال أطراف أحد الرياضيين بألياف الكربون حتى يتمكن من الفوز بميداليات ذهبية؟ ويتبي متأكد من أن بعض الرياضيين سيسعون لإجراء العملية بالفعل، ويضيف: ”لو طُرحت هذه العملية على أيه لجنة أخلاقيات أنا عضو فيها لرفضت الفكرة. من المثير للاشمئزاز القيام بإزالة عضو سليم لغرض مكسب عابر“.
ولا يتفق الجميع مع وجهة النظر هذه. إذ لا يرى خبير علوم التكنولوجيا (كيفن وارويك) من جامعة (كوفنتري) مشكلة في الموافقة على إزالة الأطراف الطبيعية واستبدالها بالاصطناعية: ”ما الخطأ في استبدال الأجزاء غير المثالية من جسمك بأجزاء اصطناعية تسمح لك بأداء أفضل أو ما قد يسمح لك بالعيش لفترة أطول؟“.
وارويك تكنولوجيّ متحمس لديه عدة أجهزة إلكترونية مختلفة مزروعة في جسمه. يقول: ”سمح لي ذلك بتجربة مداخلة الموجات فوق الصوتية، كما تفعل الخفافيش. كما قمت أيضاً بتوصيل جهازي العصبي بحاسوبي الخاص حتى أتمكن من التحكم بيد روبوت والشعور بما تم لمسه، وقد فعلت ذلك في نيويورك بينما يد الروبوت كانت في مختبر في إنجلترا“.
يصر وارويك على أن مثل هذه التعديلات تعزز قدرة البشرية، وتقدم نوعاً من البشر سيكون أقوى في الأداء والحواس. قد يعتبر البعض أن هذا غير أخلاقي، لكن حتى المتشككين مثل ويتبي يعترفون بأن القضية معقدة، ويتسائل: ”هل من الأخلاقي أن نأخذ فتاتين تحت سن الخامسة وندربهما على لعب التنس في كل يوم من حياتهما حتى يصبح لديهما عضلات وهياكل عظمية تشابه تلك التي يمتلكها أبطال العالم؟“ من هذا المنظور، لا يبدو استخدام الغرسات الالكترونية أو العقاقير لتحقيق الهدف نفسه أمراً محزناً.
والأمر الأخير يمثل مشكلة بالنسبة لأولئك ممن تقلقهم حركة التحول البشري، فهم يعتقدون أن التكنولوجيا الحديثة ستوفر للبشر فرصة العيش للأبد، حيث سيتم استبدال الأعضاء المعطوبة بأخرى عالية التقنية طويلة الأمد، مثلما حلت ألياف الكربون محل اللحم والدم والعظام في الأطراف الطبيعية. وتصرح إحدى تلك الجماعات: “هكذا سنضع حداً لاعتمادنا على أجسامنا البشرية الرديئة التي هي بمثال الإصدار 1.0 وسنتحول الى النظير2,0 وهو أكثر قوة وقدرة على التحمل.
لكن لتحقيق هذه الأهداف الملهمة نحتاج لقفزات في الهندسة الوراثية وتكنولوجيا النانو والعديد من العلوم الأخرى، وقد نستغرق عدة عقود للوصول إلى هذه النتائج. لذلك يقوم العديد من المتحمسين مثل المخترع الأمريكي ورجل الأعمال (راي كورزويل)، ورائد التكنولوجيا النانوية ( إريك دريكسلير) ومؤسس باي بال ورأس المال الاستثماري (بيتر تيل) بدعم الحلم بتخزين أجسامهم في نيتروجين سائل والحفاظ عليها مبردة حتى وصول العلوم الطبية إلى مرحلة يمكن إعادة إحياء أجسادهم وزيادة قدرتها وتعزيزها.
حتى الآن تم تشييد أربعة من المرافق المبردة: ثلاثة منها في الولايات المتحدة وواحدة في روسيا. وأكبرها هو مؤسسة (ألكور لايف اكتنشنز) في ولاية أريزونا التي تخزن ثلاجاتها أكثر من 100 جثة -لكن الموظفين يستخدمون كلمة مرضى- على أمل ذوبانها لاحقا وبعثها الفيزيولوجي. يقول أوكونيل في كتابه: “إنه مكان بني لإيواء جثث المتفائلين”.
لا يقتنع الجميع بجدوى مثل هذه التكنولوجيا أو مدى صوابها، يقول الفلكي الملكي( مارتن ريس): “لقد قابلت مجموعة من المتحمسين للتجميد العميق في كاليفورنيا تُسمى (مجتمع إلغاء الموت اللاإرادي) قلت لهم أنني أفضل أن تنتهي حياتي في مقبرة كنيسة إنجليزية على أن ينتهي بي الأمر في ثلاجة كاليفورنيا. وقد سخروا مني كمشجع للموت من الطراز القديم.”
من جانبه، يعتقد ريس أن أولئك الذين يختارون تجميد أنفسهم على أمل أن تتم إذابتهم لاحقاً، سيثقلون كاهل أفراد الأجيال المقبلة الذين يُتوقع منهم العناية بالأفراد الذين تمت إذابتهم، ويضيف: “ليس من الواضح كمية الاهتمام الذي يستحقوه”
يتوقع أتباع التحول البشري مجيء اليوم الذي يتحرر فيه البشر أنفسهم من جميع القيود المادية. يعتقد كورزويل وأتباعه أن نقطة التحول هذه ستكون في عام 2030، عندما تمكننا التكنولوجيا الحيوية من إقامة اتحاد بين البشر وأجهزة الكمبيوتر الذكية وأنظمة الذكاء الاصطناعي. سوف يصبح العقل البشري الآلي الناتج حراً ليتجول في كون من صنعه، وسنصبح آلهة، أو “أطفال نجوم” كالذي رأيناه في نهاية فلم ملحمة الفضاء للمخرج (ستانلي كوبريك).
وبالنسبة للكثير من الناس هذه مجرد أهداف خيالية جداً. وحقيقة أن الكثير من الزخم لإنشاء مثل هذه الأشكال المتطرفة من تكنولوجيا التحول البشري يأتي من كاليفورنيا ووادي السيليكون تشكل موضعا للنقد. ويعتقد (إيلون ماسك) مؤسس (تيسلا) و(سبايس اكس) ورجل الأعمال الذي يرغب بإرسال الجنس البشري إلى المريخ، أنه لتجنب خطر مواجهة تطور الذكاء الاصطناعي، يجب أن يندمج البشر مع الآلات لتعزيز ذكائنا.
في هذه المنطقة من العالم يتبع الأفراد ثقافة الشباب بشدة وتعصب، ويخشون التقدم في العمر بشكل أكبر من أي مكان آخر على الكوكب، هكذا تتضح الرغبة الشديدة في محاولة استخدام التكنولوجيا للتغلب على آثاره.
كما أنها واحدة من أغنى المناطق في العالم، ويحذر العديد من أولئك الذين يشككون في قيم حركة التحول البشري من أنها تخلق تقنيات ستؤدي إلى خلق فجوات عميقة في مجتمع منقسم أصلاً، حيث لن يتمكن سوى بعض الناس من تحمل تكاليف هذه التقنيات ليصبحوا مُحسّنين.
يختصر ويتبي الأمر بقوله: “عبر التاريخ تنتشر قصص عن التبعات المؤسفة التي تلي اعتقاد مجموعات من البشر بتفوقهم على مجموعات أخرى، ولسوء الحظ في حالة البشر المُعززين بالتكنولوجيا سيكون بعض البشر متفوق فعلاً. لذلك نحن بحاجة إلى التفكير في النتائج قبل أن يفوت الأوان.”
من جانبهم يرى أنصار التحول البشري أن تكاليف هذه التكنولوجيا ستنخفض حتماً كما حصل مع الهاتف المحمول الذي كان في يوم من الأيام مكلفاً جداً وحكراً على الأغنياء وأصبح اليوم أداة عالمية يمتلكها كل عضو في المجتمع. وسوف يصبح هذا الانتشار في كل مكان سمة من سمات تقنيات تعديل البشر.
قد تبدو العديد من هذه القضايا سابقة لوقتها، لكن الخبراء يحذرون من أن الآثار المترتبة لهذا التحول يجب أن تناقش كمسألة ملحة. مثال على ذلك اليد الاصطناعية التي تطورها جامعة نيوكاسل. إن الأطراف الاصطناعية الحالية محدودة القدرات بسبب درجة سرعة الاستجابة، لكن قائد المشروع( كيانوش نزاربور) يعتقد أنه سيكون من الممكن قريباً إنشاء أيادي الكترونية يمكنها أن تقوم بتقييم الجسم وتحديد نوع الانقباض الذي يتطلبه بشكل فوري. ويضيف: “سيكون الأمر ذا فائدة هائلة, لكن استخدامه سيثير العديد القضايا. من سيمتلك هذه الأطراف: مرتديها أم هيئة الرعاية الطبية؟ وإذا تم استخدامها لارتكاب جريمة، فمن سيتحمل المسؤولية ؟ نحن لا نفكر في هذه الأمور وهذا مثير للقلق”
يلخص أستاذ علم الأخلاق الحيوية ( آندي ميا) من جامعة (سالفورد) الموقف قائلاً: “يعتبر التحول البشري قضية مثيرة للاهتمام بشكل فلسفي لأنها تجعلنا نفكر بشكل مختلف حول مجموعة من الأشياء التي قد يستطيع البشر القيام بها، و لأنها تجعلنا نفكر بشكل نقدي حول بعض تلك القيود التي نعتقد بوجودها ولكن يمكننا في الواقع التغلب عليها، فنحن نتحدث عن مستقبل جنسنا البشري في نهاية الأمر.”
الأطراف
تعتبر الأطراف الاصطناعية التي تظهر في الأفلام ضرب من ضروب الخيال، في الواقع تعاني الأطراف الإلكترونية من مشاكل متعددة فمثلاً قد تتوقف عن العمل أثناء تنفيذها لمهمتها. لكن الأجيال الجديدة من أجهزة الاستشعار تتيح الآن للساقين والأذرع الاصطناعية التصرف بطرق أكثر تعقيداً وشبيهة بالإنسان.
الحواس
لا يستطيع الإنسان رؤية الأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية. لذا يعمل الباحثون على زيادة طول الموجات الإشعاعية التي يمكننا رصدها، مما يسمح لنا برؤية المزيد من العالم في ضوء مختلف. مثل هذه الأفكار تحظى بشعبية خاصة لدى الباحثين العسكريين الذين يحاولون إنشاء جنوداً آليين.
القوة
البدلات أو الهياكل الخارجية هي عبارة عن آلات متنقلة يمكن ارتداؤها تسمح للأشخاص بتحريك أطرافهم بقوة أكبر وبقدرة أكبر على التحمل. يقوم الجيش الأمريكي بتطوير العديد من الإصدارات، في حين يعمل الباحثون الطبيون على إصدارات سهلة الارتداء يمكن أن تساعد الأشخاص الذين يعانون من حالات طبية قاسية أو الذين فقدوا أطرافهم على التحرك بشكل طبيعي.
الدماغ
يمتلك أتباع حركة التحول البشري رؤية عن اليوم الذي يمكن فيه دمج شرائح الذاكرة والمسارات العصبية في أدمغة البشر، وبالتالي تجاوز الحاجة إلى استخدام الأجهزة الخارجية مثل الحواسيب من أجل الوصول إلى البيانات وإجراء حسابات معقدة. وهكذا يصبح الخط الفاصل بين البشر والآلات غير واضح بشكل متزايد.
المقال باللغة الانجليزية: هنا