كتبها للنيويورك تايمز: كاد ميتز
تاريخ نشرها في النيويورك تايمز: 28 تشرين الثاني 2017
تاريخ نشرها في النيويورك تايمز: 28 تشرين الثاني 2017
ترجمة: الاء صباح
تدقيق لغوي: ريام عيسى
تصميم الصورة: حسام زيدان
[spacer height=”20px”]
في عام 2012 غير جوفري هينتون الطريقة التي ترى بها الآلات العالم. بالتعاون مع اثنين من طلاب الدراسات العليا في جامعة تورنتو، قام السيد هينتون والذي يعمل كبروفسور في نفس الجامعة، قام ببناء نظام يمكنه تحليل ألاف الصور وتعليم نفسه تمييز أشياء شائعة كالأزهار والسيارات بدقة لم تكن ممكنة.
أنتقل بعدها بصحبة طلابه الى غوغل، أما التقنية الرياضية التي قاموا باستخدامها في تشغيل نظامهم فقد انتشرت في عالم التكنولوجيا واطلق عليها اسم (الشبكة العصبية). وهي نفس التقنية التي تستخدمها السيارات ذات التحكم الذاتي في تمييز اشارات الطريق والمارة.
لكن هذه الفكرة محدودة وهذا ما اشار له السيد هينتون بنفسه. فعلى سبيل المثال اذا تم تدريب الشبكة العصبية باستعمال صور جانبية لكوب قهوة، فإنه من غير المحتمل أن تتمكن من تمييزه اذا كان مقلوباً.
والآن يقوم السيد هينتون بالاشتراك مع الباحثة الشابة في غوغل سارا صابر باستكشاف تقنية رياضية بديلة اطلق عليها اسم (شبكة الكبسولة). تتمثل في بناء نظام له قدرة على الرؤية تماثل قدرة البشر. اذا كانت الشبكة العصبية ترى العالم ثنائي الابعاد فإن شبكة الكبسولة تراه بأبعاد ثلاثية.
افتتح السيد هينتون –وهو بريطاني مغترب يبلغ من العمر69 عاماً- مختبر غوغل للذكاء الاصطناعي في تورنتو العام الجاري. المختبر الجديد يمثل رمزاً لما يعتبره البعض مستقبل بحوث التكنولوجيا المتطورة: ومن المتوقع أن يتم الكثير من هذه البحوث خارج الولايات المتحدة في اوروبا والصين ومراكز بحوث الذكاء الاصطناعي العريقة كتورنتو، حيث يوجد ترحيب أكبر بالباحثين المهاجرين من دول اخرى.
الانسة صابر هي باحثة ايرانية انتهى بها المطاف في تورنتو بعد رفض الولايات المتحدة منحها تأشيرة دخول لدراسة علوم الكومبيوتر في جامعة واشنطن. تكمن مهمتها في تحويل الفكرة النظرية التي جاء بها السيد هينتون الى واقع رياضي، ويبدو أن المشروع يؤتي أكلهُ. اذ قاما مؤخراً بنشر ورقة بحثية توضح أن نظامهما أظهر دقة أكبر في التعرف على الاشياء عند رؤيته لها من زوايا غير مألوفة في بعض الاحيان.
[spacer height=”20px”]
تقول الانسة صابر: يمكنه أخذ صورة عامة بشكل أفضل بكثير من نظام الشبكات العصبية التقليدي والذي يستخدمه الجميع حالياً.
حين دخلت الى مكتبه هذا الشهر، قام السيد هينتون بإعطائي كتلتين كبيرتين ذوات لون ابيض تبدوان كما لو أنه وجدهما في صندوق العاب قديم. واضاف شارحاً أن هاتين القطعتين هما نصفي مجسم هرمي، ثم سألني إن كان بإمكاني جمعهما معاً لإرجاع المجسم إلى شكله الهرمي. لم يبدو ذلك صعباً، كانت القطعتين ذات شكل غريب ولكل منهما خمس وجوه. كل ما كان عليّ فعله هو ايجاد الوجهين المتماثلين وجمعهما معاً. لكنني لم اتمكن من ذلك.
اخبرني أن معظم الاشخاص فشلوا في ذلك ايضاً، من ضمنهم اثنين من الاساتذة المؤهلين في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. احدهما رفض المحاولة، والاخر كان مصراً أن هذا غير ممكن. إنه ليس مستحيلاً. شرح لي السيد هينتون أننا فشلنا لأن اللغز يتحدى رؤيتنا المعتادة لما نسميه شكلاً هرمياً. نحن لا نقوم بتمييز الاشياء بالنظر لجانب مفرد منها، ثم الجانب الاخر والاخر. لكننا نتخيل الشكل الكامل بأبعاده الثلاثية. ولأن الشكل الهرمي مقطوع الى نصفين فإن هذا يمنعنا من رؤيته بأبعاد ثلاثية كما قد نفعل في الحالات الطبيعية.
بمساعدة شبكة الكبسولة يسعى السيد هينتون إلى اعطاء الآلات قدرة البشر على التمييز ثلاثي الابعاد للأشياء، مما يتيح لهذه الآلات تمييز كوب القهوة من أي زاوية بعد رؤيتها له من زاوية واحدة. وهذا أمر ليس بقدور الشبكة العصبية فعله.
يقول السيد هينتون أن هذه حقيقة يتم تجاهلها في مجال علوم الكومبيوتر وأن هذا يعد خطأ كبيراً.
تم تصميم الشبكات العصبية على غرار شبكات الخلايا العصبية في دماغ الانسان، فهي خوارزميات يمكنها تعلم مهام منفصلة عن طريق تحديد الانماط في كميات كبيرة من البيانات. على سبيل المثال يمكن للشبكة العصبية تعلم تمييز سيارة عن طريق تحليل الاف الصور للسيارات.
هذه الفكرة الرياضية تعود إلى خمسينات القرن الماضي، لكن المبدأ وجد تطبيقاً عملياً في السنوات الاخيرة فحسب، يعود الفضل في ذلك إلى تحسن قدرة المعالجة وكمية البيانات التي اصبح يوفرها الانترنت. على مدى السنوات الخمس الاخيرة قامت الشبكات العصبية بتسريع تطور كل شيء ابتداء بالمساعد الرقمي في الهواتف الذكية إلى خدمات الترجمة وحتى الروبوتات ذات التحكم الذاتي.
لكن هذه التقنيات مازالت بعيدة تماماً عن انتاج الات ذات ذكاء حقيقي، ومازلنا بحاجة للمزيد من البحوث لإنتاج هذا النوع من الآلات ذاتية التشغيل التي تعدنا بها العديد من شركات التكنولوجيا، من ضمنها حواسيب التخاطب والسيارات التي تعمل بدون سائق.
[spacer height=”20px”]
السيد هينتون والذي يعد بشكل ما هو الاب الروحي لمجتمع الذكاء الاصطناعي، هو جزء من مجموعة صغيرة من المختصين الذين يعملون على دفع الصناعة باتجاه هذه البحوث البديلة. كما اعرب اورين اتزيونى الرئيس التنفيذي لمعهد الين للذكاء الصناعي في سياتل عن أسفه لما وصفه قصر النظر في هذه الصناعة. وقال أن التركيز الحالي على الشبكات العصبية سيضر بتقدم الذكاء الاصطناعي على المدى البعيد.
ويقول اريك هورفيتز، الذي يشرف على الكثير من أعمال الذكاء الصناعي في مايكروسوفت، أن الشبكات العصبية والتقنيات ذات الصلة كانت تقدماً صغيراً مقارنة بالتقنيات التي ستصل في السنوات القادمة.
اذ صرح قائلاً أن ما نفعله الآن ليس علماً، بل هو نوع من الخيمياء.
يقر السيد هينتون بأن مشروعه في تورونتو لم يظهر حتى الآن سوى نتائج أولية. ويعتقد آخرون، مثل السيد إتزيوني والسيد هورفيتز، أن هناك حاجة إلى تقنيات مختلفة جداً لتحقيق آلات ذكية حقاً. وقال السيد إتزيوني أنه على الرغم من أن أساليب تعليم الآلات ستبقى محور اعمال الذكاء الاصطناعي، إلا أنه يجب أن تكون معززة بتقنيات أخرى. فهي محدودة أساساً لأنها تتعلم من البيانات. والبيانات الصحيحة غير متوفرة دائماً.
ولكن يعتقد السيد هينتون أن شبكات كبسولة يمكنها التوسع في نهاية المطاف إلى مجموعة اوسع من الحالات، وتسريع التقدم في علوم الكمبيوتر وأشياء مثل حوسبة التخاطب. شبكات كبسولة هي محاولة لمحاكاة شبكة الدماغ من الخلايا العصبية بطريقة أكثر تعقيداً وتنظيماً، وأوضح أن هذا التركيب الاضافي يمكن أن يساعد أشكال أخرى من الذكاء الاصطناعي كذلك.
هو يفهم بصورة مؤكدة أن الكثيرين سيكونون متشككين في تقنيته. ولكن السيد هينتون أشار أيضاً إلى أنه قبل خمس سنوات، كان الكثيرون متشككين في الشبكات العصبية.
وقال: “أن التاريخ سيكرر نفسه،على ما أعتقد.”
المصدر هنا