ترجمة: سهاد حسن عبد الجليل
تدقيق: ريام عيسى
تصميم الصورة: نورا محمود
في تشرين الاول عام ١٩٠٨،في حقل عاصف في فارنبورو، جنوب غرب لندن، كان قائد دراجة ذو شارب كثيف وهو رجل استعراضات براري الغرب سابقاً يدعى سامويل كودي، قد اكمل اول رحلة طيران رسمية خاضعة للسيطرة لطائرة تعمل بالطاقة الكهربائية في بريطانيا. ومنذ ذلك الحين، قامت العديد من الطائرات الرائدة الأخرى، بدءاً من الكونكورد إلى الايرباص العملاقة A٣٨٠، بالطيران في ما قد أصبح بعد ذلك استعراض فارنبورو الجوي الذي يقام كل سنتين. ويقوم مركز الطيران الذي ينظم العرض الآن بالتحضير لنوع اخر من الطائرات الثورية لتحلق في السماء.
وتم وصف هذه الطائرات الجديدة بسيارات الأجرة الطائرة ( التكسي الطائر)، وهي طائرات بدون طيار لنقل المسافرين، أو كما تطلق عليها الصناعة، عربات وسائل النقل المدني( و. ن. م ). وطبقاً لخبراء في مؤتمر قمة فارنبورو الاول للطيران المدني العالمي المنعقد في أوائل أيلول فإن هناك حوالي ٢٠٠ طائرة من هذا النوع تحت مراحل مختلفة من التطوير حول العالم. تقوم بعض النماذج الأولية فعلاً بتجارب طيران حيث يأمل المشغلون بالبدء بالخدمات التجارية خلال السنوات القادمة. ويهدف أوبر، الذي يوفر خدمة طلب سيارات الاجرة التي تعتمد على تطبيق في الموبايل، إلى نقل المسافرين جواً في دالاس بلوس انجلوس وملبورن بأستراليا بحلول عام ٢٠٢٣.
ومع ذلك يبقى هناك عدد من العوائق. “لا احد يعرف حقاً كيف سيتم ذلك بالضبط” هذا ما يعترف به فرانسوا سيلون، رئيس مركز أوبر للتقنيات المتطورة في باريس. ذلك لأن العوائق ليست تقنية بالتحديد، لكنها تنظيمية. وما يزال المنظمون يحاولون أن يثبتوا أن هذه الطائرات أمنة، وبالأخص لأن العديد منها ستطير بدون طيار حاملةً المسافرين بسرعة من مدينة إلى أخرى.
وعلى الرغم من أن تصاميم ( و. ن . م ) متعددة وكثيرة، إلا أنها تبدي وبتباهٍ بعض الصفات المشتركة. فالطائرات تعمل دائماً بالكهرباء، على الرغم من أن بعضها هجين ولديها محرك داعم يعمل بالاحتراق وهي تقلع وتهبط عادةً بشكل عمودي مثل المروحية العمودية. لكن على عكس المروحيات العمودية فإنها تستعمل مراوح صغيرة ومتعددة. إن النسخة ذات الراكبين والثلاثة ركاب يمكنها الطيران ما بين ٣٠ و١٦٠ كيلو متر بين شحنات تتراوح من١٠٠-٢٠٠ كيلو في الساعة. حيث يتم تحريك المراوح مباشرة بواسطة محركات كهربائية فردية، ويتم السيطرة على كل مروحة بأنظمة طيران تعمل بالكومبيوتر. مما يوفر مستوى عالٍ من الثبات، افتراضياً، وذلك بعمل طائرة كهذه تكون اسهل في التحليق وأسهل في التشغيل من المروحية. وما يطمئن اكثر، هو كون المروحيات المتعددة تعني أيضاً إن مثل هذه الطائرة يمكنها أن تعوِض وبسرعة واحدةً أو اكثر من محركاتها اذا ما تعطلت.
طموح الدوران
بعض الطائرات تذهب إلى ما هو ابعد من مرحلة التجارب. ( الفولوسيتي ) ذات الثمانية عشر مروحة تقوم بتطويرها شركة ( فولوكوبتر)، وهي شركة ألمانية تعتمد على نموذج أولي ( موضح سابقاً) والتي قامت بتجارب طيران عديدة. واحدة منها كان طيراناً مستقلاً في دبي. وكانت شركة جيلي، وهي شركة صينية لصناعة السيارات وتمتلك أيضاً شركة( فولفو )، قد قامت برهان كبير في( فولوكوبتر) وتقدمت بتمويل ضخم بمقدار٥٠ مليون يورو ( ١’٥٥ مليون دولار) للمساعدة بتقديم ( فولوسيتي) للأسواق. الطائرة بإمكانها أن تحمل شخصين ( احدهما قد يكون الطيار ) بالإضافة إلى الأمتعة لمسافة ٣٥ كيلو متر تقريباً.
أنواع أخرى من التكسي الجوي تستخدم ( جناح مائل)، وهذا لديه عدة مراوح تعتلي الجناح، والتي تميل للأعلى للإقلاع العامودي والهبوط، لكنها تميل للأمام لتعمل كطائرة ذات جناح ثابت مزودة بمحركات دفع لتطير للأمام. حيث إن هذا يوفر الطاقة ويطيل عمر الطائرة.
ليليوم، وهي شركة المانية أخرى، تستخدم شكل مختلف للفكرة الرئيسة وذلك باستعمال ٣٦ مروحة نفاثة تعمل بالطاقة الكهربائية، والتي تبدو كنسخة مصغرة للمراوح التوربينية في طائرات المسافرين النفاثة، باستثناء أنها تستخدم محركات كهربائية. وتعلو هذه المراوح على الأجنحة الثابتة للطائرة وتنفث للخلف من اجل الطيران للأمام . وتستطيع طائرة الشركة هذه ذات المقاعد الخمسة ( الصورة في الأسفل ) أن تقطع مسافة ٣٠٠ كيلو متر في الساعة.
كيتي هوك، وهي شركة يدعمها لاري بيج، رئيس الشركة الأم لغوغل، قد شكلت فريقاً مع بوينغ، اكبر شركة طيران في العالم، لتطوير الطائرة ( كورا). إن هذه الطائرة – ذات المقعدين – تستخدم ١٢ مروحة رافعة على جناح ثابت ويتم دفع الطائرة بواسطة مروحة دافعة مرتفعة في المؤخرة. ويصل مداها إلى حوالي ١٠٠ كيلو متر وستستخدمها شركة طيران نيوزيلاندا لتقدم خدمات التكسي الطائر. إن أغلب مشغلي ( و. ن. م ) يدخلون مجال الطيران بتراخيص طيران تجريبي، والتي تحدد كيف يمكن أن يطير نموذجهم الأصلي، وعادةً ما يكون بوجود طيار فقط . بعض الطائرات قد بدأت بإجراءات كاملة للحصول عل الشهادة ، كما هو مفترض من جميع الطائرات التجارية قبل حمل المسافرين الذين يدفعون- المال. وماتزال سلطات السلامة الجوية تشرع المعايير التي يجب أن تفرض. ففي تموز قامت الوكالة الأوربية للسلامة الجوية بإطلاق( ظرف خاص) للمصادقة على الطائرات الهجينة والكهربائية والتي تقلع وتهبط عمودياً. حيث أن الفكرة هي أن القوانين ستطور أكثر بإستمرار محاولات الطيران. أما مع الطائرات التقليدية فإن المصادقة يمكن أن تأخذ سنوات عدة وتكلف ملايين الدولارات. وقام المنظمون بوضع ظروف تشغيل مشددة للأشخاص الذين يطيرون بطائرات صغيرة تعمل لاسلكياً وبدون طيار بغض النظر عما اذا كانوا يستخدمونها كهواية أو لأغراض تجارية، كتصوير الأفلام أو لأجراء المسح أو لتوصيل البيتزا. ويتضمن ذلك حفظها في مكان بعيد عن الناس والبنايات والمطارات والطائرات الأخرى . لكن بما أن التكسي الجوي مصمم لتوفير هكذا رحلات وفي مثل هذه الأماكن تحديداً، من المطار إلى مركز المدينة على سبيل المثال، فأن هذه الطائرات الجديدة يجب أن تدخل بنظام سيطرة المرور الجوي ، هذا ما يقوله جاي ميركل، المدير التنفيذي لمكتب منظومة الطائرات التي تعمل بدون طيار في الإدارة الامريكية للطيران الاتحادي (faa) .
رأينا وسنرى
أن الجهود العديدة جارية لتشغيل نظام سيطرة المرور الجوي لتمكين التكسي الجوي، بطيار أو ذاتي الطيران ، من الاندماج بالرحلات التي تقوم بها الخطوط الجوية أو الطائرات الصغيرة. ومن الأمور الأساسية لذلك سيكون وضع أجهزة رادارية في جميع الطائرات، مماثلة لتلك المستخدمة في الطائرات الكبيرة. ومن المفترض لهذه الرادارات أن تقوم ببث واستقبال خطط الطيران للطائرات الأخرى في المنطقة المجاورة بشكل آلي لكي يتمكن الطيار، أو في حالة الطائرة المستقلة ستتمكن حواسيب الطيران ، من رؤية وتجنب الطائرات الأخرى . وفي السنة القادمة ستبدأ وكالة الفضاء الأمريكية ناسا بتجارب ميدانية للأنظمة التي تتمكن من السيطرة على مثل هذه العمليات في محيط مدني كجزء من التحدي الكبير للصناعة لإيجاد حلول عملية . ورغم ذلك، فإن بعض الدول تتقدم بسرعة اكبر من الدول الأخرى. وقد بدأ المشغلين بالشكوى من أنه يمكنهم استخدام طائرة موجهة لاسلكياً لإيصال الدم إلى رواندا لكن ليس إلى اميركا، هذا ما يقوله السيد ميركل مدير الإدارة الأمريكية للطيران الاتحادي (faa ).
إن العمل مع شركات ( و. ن.م )على تجارب الطيران ومشاركة المعلومات هي الطريقة الأفضل للوصول الى المعايير الدولية، وفقاً لما يعتقده تيم جونسون مدير عقود التأمين لسلطات الطيران المدني في بريطانيا. وتمتلك الوكالة اكثر من ٢٠ مجموعة تخطط لتجارب طيران التكسي الجوي في بريطانيا. وقال ايتوتا كانوري من مكتب النقل الجوي التابع لوزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة في اليابان، إن بلاده تهدف إلى اجراء مثل هذه الرحلات في المناطق الريفية، حيث الأجواء اقل ازدحاماً، قبل ادخال التكسي الجوي إلى المناطق المدنية .وتحاول أوبر في هذه الأثناء أن تتعلم كيفية إدارة خدمات التكسي الجوي. وكانت، عند هذا الحد، قد بدأت بتشغيل هليكوبتر، قديمة الطراز نوعاً ما، بين منخفض – مانهاتن ومطار ( j f k ) في نيويورك. وقال السيد سيليون من شركة أوبر: أن مشغلي ( و. ن. م ) سينتبهون لا محالة إلى مشاريع الملكية والبنى التحتية.
هذا يعني انشاء ( مطارات عمودية ) وهي وسادات للهبوط مجهزة بمرافق للمسافرين ومواقف للتكسي الجوي ونقاط إعادة شحن لبطارياتها. وتقوم ( سكاي بورتس ) وهي منشأة مقرها لندن، ببناء نموذج أولي لمطار عمودي من المقرر أن يفتتح في تشرين الاول في سنغافورة. وستقوم ( فولوكوبتر ) باستخدامه لتجارب الطيران.
يقوم المُصنع الصيني (أي هانغ) لطائرات الدرون باستخدام نسخة معدلة حاملة للركاب – تم اختبارها لتطوير تجارة التكسي الجوي في ( غوانغزو)، وهي مدينة في جنوب الصين. حيث يعمل مع الحكومة البلدية لتجهيز مركز قيادة لعمليات الطيران وسلسلة من المطارات العمودية . لكن خلف كل هذه الخطط تتوارى مشكلة أخرى، اذ أن إعداد الرخصة لوسادات هبوط الهليكوبتر يصعب الحصول عليه في بعض المدن ، خصوصاً بسبب معارضة الضوضاء. وبما أن التكسي الطائر يزود بالطاقة الكهربائية، فأنه من المفترض أن يكون اهدأ بكثير من الهليكوبترات ولكن مازال هناك احتمال سماع صوت طنين بعيداً في الأعلى ، تماماً كما هو حال طائرات الدرون . إن قادة بعض المدن مثل دبي وغوانغزو وسنغافورة قد يكونوا مستعدين لقبول ذلك على أنه صوت التقدم. لكن الآخرين قد لا يكونوا كذلك. ويجب تذكر أن الضوضاء يمكن أن تكبح طموح الطيار. فعلى الرغم من اغراء التنقل فوق السمعي، فأن الكونكورد قد قص جناحيها بسبب الضوضاء التي احدثتها باختراقها لحاجز الصوت .
المصدر: هنا