كتبه لـ(ذي واشنطن بوست): ماكس بوت
منشور بتاريخ: 27/4/2018
ترجمة: أسامة العبادي
مراجعة وتدقيق: نعمان البياتي
تصميم: مينا خالد
لقد عُد الاجتماع الذي دار بين زعيمي الكوريتين الشمالية والجنوبية اجتماعاً “تاريخياً”؛ تعانق الزعيمان، “تبادلا ابتسامات عريضة، وصافح أحدهما الآخر بحرارة، ورفعا نخباً من الشمبانيا لبعضهما البعض”؛ لاحظ المراسلون أن “المراسيم الافتتاحية بدت مرتخية بشكل مفاجئ، متجاوزة توقعات الكثيرين، بمن فيهم على الأغلب مواطني الزعماء أنفسهم”، قال الزعيم الكوري الجنوبي إنه يجب علينا “المضي مع بعضنا البعض في طريق المصالحة والتعاون”، ورد الزعيم الكوري الشمالي قائلاً “لن تكون مخذولاً”.
هل يبدو ذلك مألوفاً؟ يجب أن يكون كذلك، ذلك أن التغطية الإخبارية للقاء عام 2000 بين الزعيم الكوري الجنوبي (كيم داي-جونغ) والزعيم الكوري الشمالي (كيم جونغ إيل) في مدينة بيونغ يانغ مشابهة لنشوة اجتماع يوم الجمعة في مدينة (بانمونجوم) بين (مون جاي-إن) و (كيم جونغ أون)، ابن (كيم جونغ إيل)، على العكس، فإن اجتماع عام 2000 خرج بنتائج ملموسة أكثر: لم تكن مجرد تصريحات حول إنهاء الحرب الكورية وتوحيد الدولتين، ولكنها أيضاً شملت خطوات فعلية ترمي لإنشاء منطقة صناعية كورية شمالية وجنوبية مشتركة في مدينة (كايسونغ)، كذلك السماح لسائحي كوريا الجنوبية بزيارة الشمال، بالإضافة إلى لم شمل العوائل التي تفرقت لفترات طويلة بسبب المنطقة منزوعة السلاح؛ ما بين عامي 1998 و 2008، قدمت كوريا الجنوبية ما يقارب ثمانية مليارات دولار أمريكي على شكل مساعدات اقتصادية لكوريا الشمالية على أمل أن يساهم كل هذا الدعم في تشكيل قيادة أكثر طيبة واعتدالاً، كانت تلك الجهود كفيلة بحصول (كيم داي-جونغ) على جائزة نوبل للسلام في عام 2000.
ومع ذلك، فإن السياسة المشرقة، والتي استبشر بها الكثيرون في ذلك الحين، يُحكم عليها حالياً بالفشل من الكثيرين. على الرغم من وعود كوريا الشمالية، فإنها لم تفعل الكثير مما من شأنه التخفيف من القمع الواقع على مواطنيها أو إيقاف برامجها النووية والصاروخية، كما تبين لاحقاً بأن (كيم داي-جونغ) تمكن من عقد القمة “التاريخية” في عام 2000 بعد أن أعطى (كيم جونغ إيل) رشوة قدرها 500 مليون دولار أمريكي؛ عقدت قمة أخرى في عام 2007، قام بتنسيقها (مون جاي-إن)، حين كان يشغل منصب مساعد للرئيس (رو موو-هيون)، والتي قوبلت أيضاً بنشوة عارمة، ولكن في السنة اللاحقة، تولت زمام السلطة في (سيول) حكومة محافظة أنهت سياسة الإشراق تلك.
من الجدير الإبقاء على هذا التاريخ المنير في الذهن قبل أن ننجرف بعيداً في تحليل قمة الكوريتين الأخيرة، نعم، إنه أمر جيد أن يلتقي الزعيمان الكوريان وأن يتباحثا، إنه بالتأكيد أفضل من سياسية التلويح بالسلاح التي شهدناها العام الماضي، بعد أن قامت كوريا الشمالية باختبار أسلحة وصواريخ نووية، وقيام الرئيس الأمريكي (ترامب) بالرد بالتهديد بإمطار السماء “ناراً وغضباً”.
ولكن دعونا لا نتخيل أن (مون جاي-إن) و(كيم جونغ أون) يقومان بإنجازات “تاريخية” بإعلانهما في القمة المشتركة، فهي مليئة بالوعود الفارغة والرنانة “بأن لا حرب في شبه الجزيرة الكورية”؛ اتفق الزعيمان على تحويل المنطقة منزوعة السلاح -والتي هي في الواقع المنطقة الأكثر تجييشاً في العالم- إلى “منطقة آمنة”، والإنهاء على الحرب الكورية من خلال “نظام سلام متين”، حتى أنهما تعهدا بـ “شبه جزيرة كورية منزوعة السلاح النووي”.
كلام في كلام؛ من خلال تفحص أقرب للواقع، فإنه ليس هناك الكثير من الفحوى هنا -وبالتأكيد لا شيء يبرر تغريدة (ترامب) المغالية: “الحرب الكورية ستنتهي! الولايات المتحدة، وكل مواطنيها الرائعين، يجب أن يكونوا فخورين بما يحدث حالياً في كوريا!”.
لا تمتلك الكوريتان القدرة على إتمام اتفاقية سلام، ذلك لأن كوريا الجنوبية لم تكن طرفاً في هدنة عام 1953، والتي جرت بين الولايات المتحدة (ممثلةً لقيادة الأمم المتحدة) والصين وكوريا الشمالية، وإن كانت ستتم أية اتفاقية سلام اليوم، فإنها يجب أن تضم تلك القوى، وليس كوريا الجنوبية وحدها.
(كيم) سيرحب باتفاقية سلام تضمن التعجيل بخروج القوات الأمريكية، ولكنه سيحاول أن يعقد صفقة مع الولايات المتحدة بشكل مباشر، لن يرغب بالاعتراف بكوريا الجنوبية كدولة مستقلة، ذلك لأن قيامه بذلك سيجبره على إنكار سبعين عاماً من الدعاية التي بثها نظامه بأن عائلة (كيم) مقدرٌ لها أن تحكم شبه الجزيرة الكورية بشكل كامل بالنيابة عن “العمال” الكوريين؛ وكما أشار (نيكولاس إيبرستادت) في جريدة النيويورك تايمز: “سيبعث القرار على التساؤل تحديداً عن سبب احتفاظ كوريا الشمالية بأي شكل من أشكال السلطة، إنها ستكون مخلّة بالنظام -وهي غلطة بعيار سلسلة الأخطاء الفادحة للرئيس (ميكاييل س. غورباتشوف) والتي أطاحت بالاتحاد السوفييتي”؛ وعلى المثل، ولكل الثرثرة الفارغة عن “نزع السلاح النووي”، فإن (كيم جونغ أون) لا ينوي التخلي عن الترسانة النووية والتي يرى فيها الضمانة لديمومة نظامه الحاكم -وله شخصياً بالتأكيد-.
لا يوجد هناك سبب يدعو للتفكير بأن (كيم) (غورباتشوف) آخر، مصلح ليبرالي حقيقي والذي صادف أن يرقى لقمة نظام حكم دكتاتوري؛ انتهاكات حقوق الإنسان في كوريا الشمالية ما تزال مفجعة -حقيقة برزت بشكل واضح بعد وفاة الطالب الأمريكي (أوتو وارمبير) بعد فترة وجيزة من إطلاق سراحه من قبضة كوريا الشمالية-، والبرامج النووية والصاروخية الكورية الشمالية هي في أوج تقدمها؛ لم يولد (كيم) من جديد فجأة كداعية سلام ليبرالي، إنه يتبع سياسات عائلته القديمة في مزج الاستفزازات، كالاختبارات الصاروخية والهجمات السلمية، والمصممة لإقناع الغرب بتخفيف العقوبات ومد طوق النجاة لنظام حكمه البغيض، يجب علينا أن نكون واعين وأن لا نقع في فخ هذه المناورة مجدداً.
المقال باللغة الإنجليزية: هنا