كَتَبَتهُ لـ (نيويورك تايمز): الدكتورة بيري كلاس
منشور بتاريخ: 16\4\2018
ترجمة: أحمد حازم سلطان
تدقيق: عقيل صكر
تصميم: مينا خالد
من البديهي في تنمية الطفل أنَّ الصغار يتعلّمون من خلال العلاقات والتفاعلات التبادلية، بما في ذلك التفاعلات التي تحدث عندما يقرأ الآباء لأطفالهم. تقدّم دراسة جديدة دليلاً على مدى استمرار تأثير القراءة واللعب مع الأطفال الصغار، ممّا سيشكّل تطورهم الاجتماعي والعاطفي بطرقٍ تتجاوز مساعدتهم على تعلّم اللغة ومهارات القراءة والكتابة المُبكرة. وقد وجدت دراسة جديدة أنَّ اللحظات التي يقضيها الوالد أو الوالدة في قراءة كتاباً لطفلهما الصغير، تُساعد في الحدِّ من المشاكل السلوكية، مثل العدوانية وفرط النشاط وصعوبة التركيز.
“نحن نفكّر في القراءة بطرقٍ مختلفةٍ، لكنني لا أعتقد بأنّنا نفكّر في القراءة بهذه الطريقة”، قال الدكتور “ألان مندلسون”، وهو أستاذٌ مُشاركٌ في طب الأطفال، في كلية الطب بجامعة نيويورك، وهو الباحث الرئيس في الدراسة، “القراءة بصوتٍ عالٍ، اللعب والتطوّر الاجتماعي العاطفي”، نُشِرَت في مجلة طب الأطفال.
وأظهر الباحثون، والعديد منهم من أصدقائي وزملائي، أنَّ التدخّل، القائم على الرعاية الأولية للأطفال، لتشجيع الآباء على القراءة بصوتٍ عالٍ لاطفالهم الصغار واللعب معهم يمكن أن يكون له تأثير مستمر على سلوك الأطفال. (أنا من بين أولئك الذين شكرهم المؤلفون في الدراسة المذكورة، وأودُّ أن أعترف في المقابل بأنّني لستُ مؤمناً متحمّساً لأهمية القراءة بصوتٍ عالٍ للأطفال الصغار فحسب، ولكنني أيضاً مدير المركز الطبي الوطني لـ “تناول الكتاب وابدأ
بالقراءة”، وهو تدخّل ذو صلة، والذي يعمل من خلال فحوصات الأطفال لتشجيع الوالدين للقراءة مع الأطفال الصغار.)
شملت هذه الدراسة (675) عائلة لديها أطفال تتراوح أعمارهم بين حديثي الولادة وحتّى سن الخامسة؛ كانت تجربة عشوائية حيث تلقّت (225) عائلة هذا التدخل، الذي أُطلِقَ عليه اسم (مشروع الفيديو التفاعلي)، وعملت العائلات الأخرى كمراقبين. تم تطوير نموذج مشروع الفيديو التفاعلي في الأصل في عام (1998)، وتمّت دراسته على نطاقٍ واسعٍ من قِبَل هذه المجموعة البحثية.
حصلت العائلات المُشاركة على كتبٍ وألعابٍ عند زيارتها لعيادة طب الأطفال. كما اجتمعوا لفترة وجيزة مع مدرب مختص بكيفية تربية الأبناء وعملوا مع البرنامج للتحدّث عن التقدّم الحاصل لأطفالهم، وما لاحظهُ الآباء، وما قد يتوقّعونهُ من الناحية التنموية، ومن ثم تم تصويرهم بالفيديو والقراءة مع أطفالهم لمدة خمسِ دقائق (أو لمدة أطول بعض الشيء في جزءٍ من الدراسة، والذي استمر لسنوات ما قبل المدرسة). وبعد ذلك مباشرة، قاموا بمشاهدة شريط الفيديو مع
مسؤول التدخّل في الدراسة، والذي ساعد في توضيح استجابات الأطفال.
وقالت “أدريانا وايزليدر” أحد مؤلفي هذه الدراسة، وهي أستاذة مساعدة في قسم علوم الإتصال والإضطرابات في جامعة نورث وسترن، “إنهم ينظرون إلى أنفسهم على شريط الفيديو، وقد يكون من الرائع جداً أن يتفاعل طفلهم معهم عند فعلهم لأشياء مختلفة”…. “نحاول إبراز الأمور الإيجابية في هذا التفاعل (قد يشعرون بقليل من السخرية) ثم نعرضهم على الشريط لرؤية مدى سعادة طفلهم عندما يفعلون هذه الأشياء، كم هو ممتع (يمكن أن يكون محفّزاً للغاية)”.
يقول الدكتور “بينارد درير” أستاذ طب الأطفال في كلية الطب بجامعة نيويورك، والرئيس الأسبق للأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، كما أنه كبير مؤلفي الدراسة: “إن أنشطة تربية الأبناء الإيجابية تُحدِثُ الفرق بالنسبة للأطفال”. وأشار إلى أنَّ الفترة الحرجة لنمو الطفل تبدأ عند الولادة، وهو أيضاً وقت يزداد فيه عدد زيارات طبيب الأطفال من قبل الأهل مع أطفالهم. “إنه وقت رائع لنا للوصول إلى الآباء ومساعدتهم على تحسين مهاراتهم في التربية، وهذا هو ما يريدون
القيام به”.
بدأ مشروع الفيديو التفاعلي كبرنامج للأطفال الرضع، مع عائلات منخفضة الدخل في مدينة نيويورك خلال زيارات العيادة منذ الولادة حتى سن (3) سنوات. أظهرت بيانات منشورة سابقاً عن تجربة عشوائية تم تمويلها من قبل المعهد الوطني لصحة الطفل والتنمية البشرية أنَّ الأطفال الذين تبلغ أعمارهم (3) سنوات والذين تلقّوا التدخّل قد تحسّن سلوكهم – أي أنهم كانوا أقل عرضة للعدوانية أو النشاط المفرط من الأطفال في سن 3 سنوات في المجموعة غير الخاضعة
للتجربة.
قامت الدراسة الجديدة بفحص هؤلاء الأطفال بعد عام ونصف من ذلك – وهم على أبواب دخول المدرسة – ووجدت أنَّ التأثيرات على السلوك ما زالت قائمة. ما يزال الأطفال الذين شاركت عائلاتهم في التدخّل عندما كانوا أصغر سنّاً، أقل عرضة للمشاكل السلوكية هذه – كالعدوانية، وفرط الحركة، وصعوبة التركيز – والتي يمكن أن تجعل من الصعب على الأطفال التعلّم أو النجاح عند ذهابهم الى المدرسة.
تم تسجيل بعض الأطفال في المرحلة الثانية من المشروع، واستمرت الكتب والألعاب وأشرطة الفيديو أثناء زيارتهم للعيادة من سن (3) إلى (5) سنوات؛ وأظهروا نتائج “الاستجابة للجرعة” الإضافية؛ وتعني زيادة التعرض لـ “كيفية تربية الأطفال الإيجابية” أدّت إلى زيادة التأثير الإيجابي على سلوك الأطفال.
“إن انخفاض النشاط الزائد هو انخفاض في تلبية المستويات السريرية من فرط النشاط”، قال الدكتور مندلسون. “إننا قد نساعد بعض الأطفال حتى لا يشعروا بالحاجة إلى أنواع معينة من التقييمات”. الأطفال الذين يكبرون في الفقر معرضون لخطر المشاكل السلوكية في المدرسة بشكلٍ كبير، لذا فإن الحدّ من مخاطر تلك المشاكل السلوكية وقلّة التركيز يمثّل استراتيجية مهمة للحدِّ من الفوارق التعليمية – كما هو الحال في تحسين مهارات الأطفال اللغوية – وهي مصدر آخر لمشاكل المدارس بالنسبة للأطفال الفقراء. لكن يجب على جميع الآباء أن يقدّروا الطرق التي يمكن أن تؤثّر بها القراءة واللعب على التطوّر المعرفي والاجتماعي والعاطفي، وقوّة الاهتمام الأبوي لمساعدة الأطفال على النجاح. قال الدكتور وايزليدر إنه في القراءة واللعب، يمكن للأطفال أن يواجهوا مواقف أكثر تحدياً، ممّا يواجهونه عادةً في الحياة اليومية، ويُمكن للبالغين مساعدتهم على التفكير في كيفية إدارة تلك المواقف.
وقالت: “ربما يؤدي الانخراط في المزيد من القراءة واللعب إلى الحدِّ من مشكلات سلوك الأطفال بشكلِ مباشر، لأنهم أكثر سعادة كما يجعل الآباء أكثر إستمتاعاً بأطفالهم ومشاهدة تلك العلاقة بشكل أكثر إيجابية”.
وقال الدكتور مندلسون إن القراءة بصوتٍ عالٍ ولعب ألعاب خيالية قد توفّر فرصاً اجتماعية وعاطفية خاصة. وقال: “نعتقد أنه عندما يقرأ الآباء مع أطفالهم أكثر، عندما يلعبون مع أطفالهم أكثر، يكون لدى الأطفال فرصة للتفكير في الشخصيات، والتفكير في مشاعر تلك الشخصيات”. “إنهم يتعلمون كيفية استخدام الكلمات لوصف المشاعر التي يصعب وصفها، وهذا يُتيح لهم التحكّم بشكلٍ أفضل في سلوكهم عندما يكون لديهم مشاعر خطرة مثل الغضب أو الحزن”.
“إن الرسالة الأساسية بالنسبة لي هي أنَّهُ عندما يقرأ ويلعب الآباء مع أطفالهم وهُم بأعمارٍ صغيرة للغاية – فنحن نتحدّث عن الولادة إلى (3) سنوات – فإن له تأثير كبير على سلوك أطفالهم”. قال مندلسون. وهذا لا يتعلّق فقط بالعائلات المعرّضة للخطر. “جميع العائلات بحاجة إلى معرفة أنهم حينما يقرؤون، عندما يلعبون مع أطفالهم، فهم يساعدونهم على تعلم التحكّم في سلوكهم الخاص” ، على حدِ تعبيره، حتى يدخلوا المدرسة وهم قادرين على ضبط تركيزهم
وتعلمهم.
رابط المقال باللغة الإنجليزية: هنا