بقلم: بول ثيغرد*
نشر في موقع سايكولوجي تودي بتاريخ 12\3\2018
ترجمة: محمد عبد الزهرة
مراجعة: مصطفى شهباز
تصميم: أحمد الوائلي
قبل وقت طويل من شهرة جوردن بيترسون ككاتب ونجم على اليوتيوب، ألف كتابًا بعنوان “خرائط المعنى”، الأفكار في هذا الكتاب هي الأساس الذي تستند إليه محاضراته الشعبية في الانترنت وكذلك كتابه الأخير (12 قاعدة للحياة )والذي قمت بنقده سابقا على الرابط .
نُشر كتاب “خرائط المعنى” عام 1999 وهو توليفة طويلة وطموحة من الأفكار عن الميثولوجيا والأخلاق والفضائع الاستبدادية. لكن هل يصمد أمام التقييم النقدي؟ يُظهر الفحص الدقيق لنا أن خرائط المعنى لبتيرسون معيبًا باعتباره عملًا للأنثروبولوجيا وعلم النفس والفلسفة والسياسة. وإن تركيزه على الأسطورة الدينية والأفراد الأبطال يوفر مخططًا ضعيفًا لفهم أصول الشمولية الثقافية، ودليل أضعف للتغلب على شرورها.
تتضمن معاني كلمة ” murky” في عنوان المقالة معنيين الأول هو “الظلام والكآبة”، والثاني هو أمر”لم يتم شرحه أو فهمه بالكامل”. لذلك تنطبق هذه الكلمة على كتاب بيترسون بالمعنى الأول، مع التركيز المتكرر على المعاناة وليس على متعة الحب والعمل واللعب، وبالمعنى الثاني هو كتاب غامض، على الرغم من أنه أقل التواءً وأكثر ترابطاً من محاضراته الفيديوية المسجلة.ومع ذلك، أعتقد أن هناك حُجج أساسية يمكن استخلاصها من الكتاب،وهي:
1- الاساطير هي ثقافة شاملة.
2- الأساطير هي الأصل النفسي للأخلاق.
3- الأساطير هي الأساس الفلسفي للأخلاق.
4- الأخلاق المبنية على الأساطير توفر الأرضية لتقييم الدول الشمولية سياسياً.
سأقدم اقتباسات من كتاب خرائط المعنى التي تبرر إسناد هذه الحجج إلى بيترسون ، متبوعة بالأدلة والحجج التي تفيد بأن كل حجة منها خاطئة.
علم الانسان
فيما يلي اقتباسات توضح أن بيترسون يتبع كارل يونغ في افتراض أن الأساطير التوراتية عالمية عبر الثقافات.
صفحة رقم 12 :- أننا نمتلك في الوقت الحاضر أشكالاً كاملة لا يمكن الوصول إليها من الحكمة التقليدية لجزء كبير من الجنس البشري- تحتوي الأساطير والطقوس على وصف دقيق للقيم الضمنية والصريحة لكل من عاش على مر التاريخ البشري تقريبًا.
ص xx :- يتكون العالم, كميدان للفعل، في الأساس ، من ثلاثة عناصر أساسية، والتي تميل إلى إظهار نفسها في الأنماط النموذجية للتمثيل المجازي. أولاً، الأرض غير المكتشفة (الأم العظيمة)، الطبيعة، المكان الخلاق والمدمر، والمصدر، والراحة النهائية لجميع الأشياء المحدودة. ثانيًا، استكشاف الأرض – الأب العظيم، الثقافة، الحماية والاستبداد، حكمة الأجداد التراكمية. ثالثًا، هي العملية التي تتوسط بين المناطق المكتشفة وغير المستكشفة -الابن الإلهي، الفرد (النموذجي) التوراتي، الكلمة الاستكشافية الإبداعية، والعداء الانتقامي.
إن افتراض عبر العالمية الثقافية للأساطير أمر مهم بالنسبة إلى بيترسون لأنه يريد من الأساطير أن توفر الأساس النفسي والفلسفي والسياسي لفهم الاخلاق. لكن دليله على عمومية مثل هذه الأساطير يقتصر على التقليد الذي يمتد من بلاد ما بين النهرين من خلال اليهودية إلى المسيحية، مع الإشارة من حين لآخر إلى البوذية.توجد أمثلة مضادة لهذا الافتراض، مثل شعب بيراها في البرازيل الذين ليس لديهم أساطير أو إبداع في المعتقدات تتجاوز الخبرة الشخصية (Everett 2008). لدى شعب إيروكوا في أمريكا الشمالية أساطير حول الخلق وجوانب أخرى من العالم، لكنهم لا يتبعون نموذج الأب / الأم / الابن الذي يعتقد بيترسون أنه عالمي (سميث 1883). تتضمن الأساطير الصينية العديد من الآلهة، ولكن ليس هناك أي مؤشر على فرضية الابن البطولي الذي يعممها بيترسون من المسيحية.
من بين آلاف الثقافات في العالم، استغل بيترسون خطا فكريًا واحداً فقط ، لذلك فإن خرائطه للمعنى تعطي صورة منحرفة للفكر التقليدي. إنها تقدم دليلاً ضعيفًا على صدق النماذج الأصلية ليونغ.
علم النفس
حتى وإن كانت الأساطير التي وصفها بيترسون عالمية من الناحية الثقافية، فأنها تبقى قابلة للنقاش من حيث كونها الأساس النفسي والفلسفي للأخلاق كما يفترض بيترسون.ص 12: “هذه الأساطير مهتمة بصورة خاصة وصحيحة بطبيعة الوجود الإنساني الناجح. قد يسمح لنا التحليل المقارن الدقيق لهذه المجموعة الكبيرة من الفلسفة الدينية بتحديد مؤقت لدوافع الإنسان وأخلاقه الأساسية.- إذا كنا راغبين في الاعتراف بجهلنا وتقبلنا المخاطرة. قد تشتمل المواصفات الدقيقة للقواسم المشتركة الأسطورية الأساسية على المرحلة التطورية الأولى في التطور الواعي لنظام عالمي حقيقي للأخلاق”.
ص 13: “المعنى يعني ضمنا مخرجات السلوك؛ ومن ثم ، فمن المنطقي أن تقدم الأسطورة معلومات ذات صلة بأكثر المشكلات الأخلاقية جوهرية “.كملاحظة تاريخية وسيسيولوجية (اجتماعية) ، قد يكون صحيحًا أن معظم الناس قد انتقوا أخلاقهم من الدين، على سبيل المثال من الوصايا العشرة اليهودية والمسيحية. ولكن هناك العديد من الاستثناءات، بما في ذلك:
1- نظام الأخلاق الاجتماعية التي وضعها كونفوشيوس منذ أكثر من 2500 سنة، والتي لا تزال مؤثرة في الصين. إنه يؤكد على الوئام الأسري والاجتماعي وليس القيم الروحية .
2- الأنظمة الأخلاقية الشخصية لنحو مليار شخص ليس لديهم انتماء أو معتقدات دينية.
3- وجهات النظر الأخلاقية للعديد من الفلاسفة الملحدين، من ديفيد هيوم إلى دانييل دينت، الذين وجدوا قواعد علمانية للأخلاق.
تظهر هذه الاستثناءات أن علم النفس الأخلاقي يمكن أن يعمل من دون أساطير أو أديان.
الفلسفة
يتعلّق علم النفس بالكيفية التي يفكر بها الناس ويتصرفون، لكن الفلسفة تركز على الكيفية التي ينبغي على الناس أن يفكروا ويتصرفوا بها، على أساس معياري بدلاً من الوصفي. من الواضح أن بيترسون يقدم أكثر من الادعاء الوصفي بأن أخلاق الناس ترتبط في الغالب بالأسطورة. بل يفترض بشكل معياري أن الأساطير الدينية هي المنهاج الصحيح للتعامل والتفكير الأخلاقي: -ص 14:
“تصور الأسطورة ما هو معروف، وتؤدي وظيفة ذات أهمية قصوى إذا كانت مقتصرة على ذلك. لكن الأسطورة تقدم أيضًا معلومات أكثر عمقًا – لا يمكن تجاهلها تقريبًا، مرة واحدة (سأفترض) مفهومة بشكل صحيح. نحن جميعًا ننتج نماذج لما هو كائن وما يجب أن يكون، ونتحول بينهما. نحن نغير سلوكنا عندما لا تكون عواقب ذلك السلوك هي ما نريده. لكن في بعض الأحيان، يكون مجرد التغيير في السلوك غير كافٍ. يجب علينا تغيير ليس فقط ما نفعله فحسب، وإنما ما نعتقد أنه مهم. وهذا يعني إعادة النظر في طبيعة الأهمية التحفيزية للحاضر، وإعادة النظر في الطبيعة المثالية للمستقبل “.
ص 390: “الحقيقة الأسطورية هي معلومات، مستمدة من تجربة سابقة، مستمدة بدورها من ملاحظة سابقة للسلوك – ذات صلة من منظور الدوافع والأثر الأساسيين”.هذه ادعاءات فلسفية بأن الأساطير هي أفضل دليل على الأهمية الأخلاقية.
الفيلسوف الوحيد الذي ذكره بيترسون في خرائط المعنى هو فريدريك نيتشه، وهو خيار غريب بالنظر إلى أن نيتشه كان ينتقد بشدة الأخلاق المسيحية. يتجاهل بيترسون العديد من الفلاسفة المهمين الذين اقترحوا أسس علمانية للأخلاق، بما في ذلك (بالإضافة إلى كونفوشيوس):-
1- ديفيد هيوم وآدم سميث حيث أساسا الأخلاق على التعاطف والمشاعر الأخلاقية، بصورة مستقلة عن الدين.
2- كان إيمانويل كانط متديناً، لكن نظريته الأخلاقية كانت مبنية على الحقوق والواجبات التي ظن أنها يمكن أن تنشأ من خلال العقل وحده.
3- ينظر النفعيون الأخلاقيون مثل جيريمي بينثام وجون ستيوارت ميل إلى الأحكام الأخلاقية على أساس تقييم عواقب الأفعال فيما يتعلق بتأثيرها العام على سعادة الإنسان.
4- العديد من المفكرين، من الاشتراكيين الأوائل إلى دافيد ويغينز وأنا (أي كاتب المقال)، قالوا إن أساس الأحكام الأخلاقية قائم على الاحتياجات الحيوية للإنسان، والتي تختلف عن الاحتياجات الأخرى التي تعتبر عوامل أساسية للحياة مثل الغذاء والعلاقات المطلوبة للحياة البشرية.كل هذه المقاربات الأربعة توفر طريقاً أكثر إتساقًا للأحكام الأخلاقية من الأساطير المسيحية لبيترسون.
يدعي بيترسون (ص 264) إن “الأخلاق والسلوك الغربيين، على سبيل المثال، يستندان إلى افتراض أن كل فرد مقدس.” هذا الارتباط القوي بين الأخلاق والدين أصبح مشكوكًا فيه بشكل متزايد منذ القرن الثامن عشر.بيترسون وبكل بساطة مخطئ (ص 480) بأن “جميع الأخلاقيات الغربية، بما فيها تلك التي تم إضفاء الطابع الرسمي عليها في القانون الغربي، تستند إلى نظرة أسطورية للعالم، والتي تعطي تحديدًا المكانة الإلهية للفرد”.لا أحد من الفلاسفة في قائمتي يرى الناس كأنهم شبيهين بالإله، فقط كانط يراهم كمتجاوزين للواقع المادي. أنشأ أفلاطون وأرسطو الأخلاق الغربية منذ 2500 سنة مع قطيعة صارخة بين الفلسفة والدين. لذلك لا تعتمد الأحكام المعيارية حول الصواب والخطأ على الأسطورة أو الدين على الإطلاق.
إن الافتراضات الميتافيزيقية لبيترسون مشكوك فيها مثلها مثل أخلاقياته. حيث يعتقد أن الأسطورة لديها نوع خاص من الحقيقة:
ص. 472-3: “التسليم الأسطوري للتاريخ، مثله مثل الكتاب المقدس، هو” صحيح” تمامًا مثل “المعيار التجريبي الغربي” القياسي، تمامًا كما هو صحيح حرفياً، ولكن كيف تختلف هذه الصحة بين الأمرين، يصف المؤرخون الغربيون (أو يظنون أنهم يصفون) ما حدث. بينما تصف الأساطير والدين أهمية ما حدث.
“يتبنى بيترسون النظرة البراغماتية إلى أن الحقيقة هي ما تنجح، حتى إذا كانت الأسطورة تعمل على تزويد الناس بإحساس المعنى، فهذا صحيح. المشكلة في النظرة البراغماتية للحقيقة هي أنها لا تستطيع أن تشرح لماذا تعمل بعض المعتقدات أكثر من غيرها، على سبيل المثال لماذا تكون المضادات الحيوية أفضل بكثير في علاج العدوى من الصلوات. يعمل العلم مع النظرية المطابقة للحقيقة: الاعتقاد صحيح إذا كان يصف العالم بدقة.تتوافق الحياة الهادفة القائمة على الحب والعمل واللعب مع النظريات العلمية حول كيفية عمل العقول البشرية والأدمغة والمجتمعات البشرية الموجودة في العالم.
سياسياً
في كتابه ومحاضراته، يدفع بيترسون تحقيقاته في خرائط المعنى كمحاولة لفهم الفظائع المروعة للأنظمة الشمولية في القرن العشرين. لماذا قتل هتلر وستالين وماو وطغاة آخرون عشرات الملايين من الناس؟ كيف يمكن منع الفظائع المستقبلية؟ هذه أسئلة ملحة يعتقد بيترسون أنه يمكن الإجابة عليها باستخدام وجهة نظره المستندة إلى الأساطير حول الأخلاق، ولكن تتوفر إجابات أفضل.
فيما يلي بعض الاقتباسات التي تُظهر آراء بيترسون حول علاقة الأساطير والدين بالسياسة:
ص 316: “الشيطان هو الروح الذي يكمن وراء تطور الشمولية. الروح التي يتميز بها الإيمان الأيديولوجي المتزمت (عن طريق “هيمنة العقل العقلاني”) ، بالاعتماد على الكذبة كنموذج للتكيف (بالرفض للاعتراف بوجود الخطأ، أو لتقدير ضرورة الخروج عن المألوف) وبالتطور الحتمي للكراهية من أجل الذات والعالم”.
ص 321: “إن افتراض المعرفة المطلقة، التي هي الخطيئة الأساسية للروح العقلانية، هو بالتالي ، مكافئ ظاهريًا لرفض البطل، رفض المسيح ، رفض لكلمة الله، رفض للعملية “الإلهية” التي تتوسط بين النظام والفوضى. إن غطرسة الموقف الشمولي تعارض بشكل لا يرحم “تواضع” الاستكشاف الإبداعي”.
ص 353: “المذابح الرواندية ، حقول القتل في كمبوديا، عشرات الملايين من القتلى نتيجة للقمع الداخلي في الاتحاد السوفيتي، الجحافل التي لا توصف التي ذبحت خلال الثورة الثقافية الصينية [القفزة الكبرى إلى الأمام” !) ، نكتة سوداء أخرى ، يرافقها في بعض الأحيان ، على وجه الخصوص ، من خلال افتراس الضحية] ، والإذلال المخطط له والاغتصاب لمئات من النساء المسلمات في يوغوسلافيا، ومحرقة النازيين، والمذبحة التي ارتكبها اليابانيون في الصين – مثل هذه الأحداث لا تُعزى إلى القرابة البشرية مع الحيوان، أو الحيوان البريء، أو حتى بالرغبة في حماية الأرض، أو العلاقات بين الأشخاص، أو داخل النفس، ولكن بسبب مرض روحي عميق الجذور.
يعتقد بيترسون أن الحل للأهوال الاستبدادية والمرض الروحي هو الفرد البطل:
ص 313: “البطل يرفض الهوية مع المجموعة مثل فكرة الحياة، مفضلاً اتباع إملاءات ضميره وقلبه. تعريفه بالمعنى -ورفضه التضحية بالمعنى من أجل الأمن- يجعل الوجود مقبولاً، على الرغم من مأساته.
“ص 483: “إن المجتمع القائم على الإيمان بالألوهية العليا للفرد يسمح للاهتمام الشخصي بالازدهار والعمل كقوة تعارض استبداد الثقافة ورعب الطبيعة”.
يقوم بيترسون بعمل اثنين من المحاور المركزية التي تتطلب التقييم. الأول هو أن الشمولية هي مشكلة روحية، نتيجة لإهمال التقاليد الأخلاقية المتجذرة في المسيحية. والثاني هو أن أفضل طريقة لحل هذه المشكلة هي الروحانية على أساس “ألوهية” الفرد. بالنسبة إلى بيترسون، فإن الحل للشمولية هو مزيج من الدين والفردية.لا يقدم بيترسون خرائط مفصلة لإيديولوجيات النازية والستالينية التي أرتكبت أعظم الفظائع في القرن العشرين. في المقابل، تظهر النظريات النفسية الحالية للفكر والعاطفة كيفية رسم إيديولوجيات باستخدام “الخرائط المعرفية – الإدراكية” ( هوميروس-ديكسون وآخرون، 2013 ، ثاغارد 2015). توفر هذه الخرائط طريقة لتقدير بنية وجاذبية الأيديولوجيات مثل الفاشية والشيوعية، مما يولد تفسيراً نفسياً أعمق بكثير للشمولية من “المرض الروحي”.
جانب آخر حاسم من الأنظمة الاستبدادية في وجود زعماء سيكوباثيون مثل هتلر وستالين الذين ليس لديهم أي تعاطف مع ضحاياهم. يمكن تفسير هذا الشر من الناحية النفسية، دون التذرع بالشيطان أو غيره من الفئات الدينية، كما وصفت في مدونتي “لماذا يوجد شر؟”. إن تفسير أنظمة القيم في الأيديولوجيات وجذور المرض العقلي ليست سوى أجزاء من فهم الشمولية، لكنها تشير إلى التفسير العلماني للموضوع أكثر من الفهم الأسطوري للفظائع.
هناك طرق أفضل لمواجهة الشمولية من الفردية الدينية. كان أحد الردود على أهوال الحرب العالمية الثانية إعلان الأمم المتحدة العالمي لحقوق الإنسان. ويحدد القانون الحقوق والحريات التي تنطبق على الأشخاص “دون تمييز حسب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الملكية أو المولد أو أي وضع آخر”. وتشمل هذه الحقوق الحياة والحرية والأمن الشخصي والمساواة أمام القانون وحرية الفكر والوجدان والدين.
على الرغم من أن الإعلان العالمي يضمن حرية الدين، إلا أنه ليس أقلها ديناً ولا يعتمد على الأساطير من أي نوع. كما أنه ليس فرديًا بشكل فردي، لأنه يعترف بأبعاد اجتماعية مهمة مثل الحق في أجر متساوٍ مقابل العمل المتساوي والحق في تكوين النقابات والانضمام إليها.تختلف الأفكار الواردة في الإعلان العالمي عن الأفكار الفردية الضيقة التي طرحها بيترسون في كتاباته ومقاطع الفيديو. يصف نفسه بأنه “ليبرالي كلاسيكي” وهي أيديولوجية تؤكد الحرية الشخصية على المساواة والرفاهية الاجتماعية، تمشيا مع افتراضه لألوهية الأفراد.
في المقابل، يعبر الإعلان العالمي عن نظام القيمة البديلة (الديمقراطية الاجتماعية)، التي تصر على أن الدولة لها دور مهم في تمكين جميع الأفراد بغض النظر عن الثروة من الازدهار كبشر. الديمقراطية الاجتماعية ليست هي نفس الاشتراكية، لأنها تقدر الحريات والنمو الاقتصادي الذي تسمح به الاقتصادات الرأسمالية.
إن نظام القيم هذا وراء الجهود المبذولة في دول مثل السويد والدنمارك وكندا لضمان قدرة الناس عمومًا على تلبية احتياجاتهم الأساسية. يتم تصنيف هذه البلدان بانتظام حسب المصادر (من دليل التنمية البشرية للأمم المتحدة إلى مجلة يو إس نيوز آند وورلد ريبورت) من بين أفضل البلدان في العالم.وعلى النقيض من ذلك، فإن السياسة القائمة على الفردية الدينية تميل إلى أن تكون محافظة، مما يضمن أن الأغنياء يمكنهم الحفاظ على الحريات بينما يعاني الآخرون. كتب بيترسون كما لو أن الفردية الدينية هي أفضل بديل للشمولية، لكن الديمقراطية الاجتماعية توفر طريقة متفوقة أخلاقياً لتحدي القمع. يستخدم بيترسون أفكارًا حول “التسلسلات الهرمية للهيمنة” لخفض مستوى المساواة كهدف اجتماعي، ويهاجم توسيع الحقوق ليشمل الهوية والتعبير عن الجنس، كما هو مطلوب من قبل Bill C-16 (قانون حقوق الانسان الكندي الجنائي الذي يحمي هوية الافراد الجندرية) الأخير في كندا.
يدعي بيترسون أن هجومه ضد (Bill C-16) بأن هناك مخاوف حول الهوية الجنسية تحركها ما بعد الحداثيين والماركسيين الجدد. مرر مجلس الشيوخ الكندي ومجلس العموم هذا القانون بأغلبية كبيرة. لا تملك أي من هاتين المؤسستين بين أعضائها أي ما بعد حداثيين أو ماركسيين وبدلاً من ذلك، أقر المسؤولون العموميون بأن حقوق الإنسان يجب ألا تكون محدودة بالهوية الجنسانية، أكثر من الجنس والعرق وغير ذلك من الأنواع المعترف بها في إعلان الأمم المتحدة. ويتماشى هذا الاعتراف مع القيم الديمقراطية الاجتماعية التي منحت كندا الرعاية الصحية الشاملة منذ عام 1984، والزواج القانوني بين المثليين جنسياً منذ عام 2005، والقيود على السلاح التي قللت معدل القتل بنسبة 30% عن الولايات المتحدة الأمريكية.
تدرك قيم الديمقراطية الاجتماعية أهمية الحريات الفردية، لكنها تقدر أن هذه الحريات يجب أن تكون مقيدة بتدابير مثل الضرائب ومراقبة الأسلحة وحظر الدعاية التي تحرض على الكراهية.استنتاجأفكار بيترسون هي مزيج من المساعدة الذاتية المبتذلة (التنمية البشرية)، وفلسفة الهواة، والأساطير المسيحية غير الضرورية، وعلم النفس اليوناني الخالي من الأدلة، والسياسات الفردية السامة. اسعى –أيها القارئ- الى التنوير في مكان آخر. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بول ثيغرد هو عالم وعي وفيلسوف كندي
المقال باللغة الانكليزية: هنا