كتبه لموقع (Big Think): روبي بيرمان Robby Berman
منشور بتاريخ: 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2017
ترجمة: عبد الرحمن الكنامة
تدقيق: نعمان البياتي
تصميم : رفل مناضل
في مطلع القرن التاسع عشر استعان (باولو ماسكاغني) بـ (كلمنتي سوسيني) ليساعده في صنع مجسم شمعي للجهاز اللمفاوي عند الإنسان بما فيه الدماغ، وهو ما جعله عرضةً للسخرية لسنين طويلة؛ وفي عام 2003 فسرت مجلة (لانسيت) خطأه ذاك: “لابد أنّ (ماسكاغني) كان مبهوراً بالجهاز اللمفاوي عند الإنسان لدرجة أنّه أصبح يرى الأوعية اللمفاوية حتى في الأماكن غير الموجودة فيها أصلاً كالدماغ مثلاً.” ولكن بعد قرون تم التأكد من وجود الأوعية الدموية في الطبقة الأم الجافية -الغشاء الذي يغلف الدماغ-لدى الفئران من قبل فريق طبي في جامعة فيرجينيا عام 2015، وأشار الباحثون إلى أنّ اكتشاف الجهاز اللمفاوي الخاص بالجهاز العصبي المركزي يستدعي إعادة تقييم للمعطيات الأساسية في علم الأعصاب المناعي. يا لها من تبرئة بعد 300 عام!!
إنّ فكرة الجهاز اللمفاوي تقوم على نقل اللمف، واللمف عبارة عن سائل تسبح فيه خلايانا، ويحمل الفضلات، والسموم، وغير ذلك من الحطام الخلوي، بالإضافة إلى أنّه عنصر مهم في الجهاز المناعي، حيث يحتوي على الكريات البيض التي تقاوم العدوى، ثم يقوم الجهاز اللمفاوي بنقلها إلى العقد اللمفاوية المنتشرة في الجسم والبالغ عددها 600-700 عقدة.
وكانت قد اكتُشفت الأوعية اللمفاوية في دماغ الإنسان لأول مرة من قبل فريق المعهد الوطني لعلوم الأعصاب والأشعة بقيادة (دانييل ريتش) المتخصص بمرض التصلب المتعدد، ولما كان الجهاز المناعي عند المرضى له علاقة بشكل ما بأمراض الدماغ الالتهابية، وكون خلايا الجهاز العصبي المركزي تنتج فضلات لابد من التخلص منها مثلها مثل باقي الخلايا في الجسم، فقد ذلك طرح تساؤلاً لدى الفريق عن سبب عدم امتلاك الدماغ لجهاز لمفاوي يقوم بكلا الوظيفتين؟
في عام 2015 نشر فريق (ريتش) دراسة أشارت إلى اكتشاف آلية للتخلص من الفضلات المجهرية، والتي تستخدم نظاماً فريداً من نوعه؛ عبارة عن قنوات حول الأوعية، مكونة من الخلايا الدبقية النجمية تعمل بشكل فعال على التخلص من البروتينات القابلة للذوبان، والنواتج الأيضية للجهاز العصبي المركزي، وهو على ما يبدو بداية الحل لهذه المشكلة؛ بالإضافة إلى ذلك تم اكتشاف قدرة النظام على نقل الشحوم، والغلوكوز، والناقلات العصبية، والأحماض الأمينية، وقد سمي هذا النظام بالنظام الغليمفاوي Glymphatic System.
وعلى الرغم من ذلك، وبسبب فقدان الجهاز العصبي المركزي للبنية التقليدية للأوعية اللمفاوية، فلا تزال آلية عمل الجهاز اللمفاوي الخاص بالجهاز العصبي محاطة بالغموض.
واعتماداً على ما تم التوصل إليه من حقيقة وجود الأوعية اللمفاوية في الطبقة الأم الجافية عند الفئران، قام فريق (ريتش) بتطوير طريقة تعتمد على تصوير أدمغة البشر، والقرود باستخدام الرنين المغناطيسي، والتي يمكنها أن توضح الأوعية اللمفاوية وتميز بينها وبين الأوعية الدموية المشابهة لها والموجودة أيضاَ في الطبقة الأم الجافية. (كان لدى الفريق قناعة أنّ ما توصلوا إليه يمكن إثباته أيضاً بالتشريح النسيجي.)
واستكمالاً لما توصلوا إليه قام الفريق بحقن بعض القرود، وبعض المتطوعين من البشر بمادة الغادولينيوم وهي عبارة عن مادة سائلة ملونة يميزها أنّ الأوعية الدموية لا يمكنها أن تبقيها بداخلها، عكس الأوعية اللمفاوية تماماً، فلا تلبث هذه المادة أنّ تصل إلى طبقة الأم الجافية حتى تنتشر من الأوعية الدموية إلى اللمفاوية ويصبح من السهل حينها التمييز بينهما، حيث تظهر الأوعية اللمفاوية بوضوح بصورة الرنين المغناطيسي كمناطق بيضاء لامعة بسبب محتواها من الغادولينيوم. وللتأكد من ذلك قام الفريق بحقن مادة ملونة أخرى شبيهة بالغادولينيوم، ولكن تمتاز عنه أنّ الأوعية الدموية تبقيها بداخلها، فوجدوا أنّ الأوعية اللمفاوية لم تظهر في الصورة لأن المادة لم تصل إليها أساساً.
بعد أن توصلنا إلى حقيقة وجود الأوعية اللمفاوية بالدماغ البشري، فإننا وبحسب رأي فريق (ريتش) أصبحنا قادرين على دراسة آلية إزالة الفضلات من الدماغ، وحركة الكريات البيض فيه بالإضافة إلى التحقق فيما إذا كانت هذه العملية قابلة للتراجع مع التقدم بالسن، أو المرض. إنَّ التوصل إلى هذا الاكتشاف بعد كل هذا الوقت يحمل في طياته أملاً بفهم أعمق لفيزيولوجيا التصريف اللمفاوي الخاص بالجهاز العصبي المركزي، وعلاقته المحتملة بالأمراض العصبية.
المصدر هنا