عن الموقع الإلكتروني لصحيفة الإكونمست
المقال الأصلي منشور بتأريخ 14 كانون الأول 2017
ترجمة : ورد عرابي
مراجعة: حسن مازن
قراءة بكتابي:
الظلم الأعمى: مدعيٍ عام سابق يعرض الدوافع النفسية والسياسية وراء الإدانات الخاطئة، للكاتب مارك جودزي، والمنشور من قبل مطبعة جامعة كالفورنيا.
و
داخل السجون الخاصة: معضلة أمريكا في عصر الحجر الجماعي. للكاتبة لورين بروك إيسن، والمنشور من قبل مطبعة جامعة كالفورنيا.
—
لا يوجد دولة أكبر من الولايات المتحدة بنسبة عدد المساجين إلى السكان، ويصل معدل المساجين إلى 693 سجين من بين كل 100 ألف مواطن، هذه النسبة تعادل خمسة أضعاف مثيلتها في بريطانيا وستة أضعاف النسبة في كندا و15 ضعف تلك التي في اليابان. وهذه المعدلات تخفي الكثير من الفوارق: ففي كلٍ من العاصمة واشنطن ولويزيانا وجورجيا يُسجن أكثر من شخص من كل 100 مواطن. فما السبب وراء هذه المعدلات؟
يجيبنا على هذا السؤال الكاتب “مارك جودزي” الذي عمل سابقاً كمدعي عام فيدرالي في نيويورك، والذي ساهم في تأسيس مشروع اوهايو للبراءة الذي يعمل على اطلاق سراح السجناء المدانين عن طريق الخطا، ويجيب في كتابه “ظلمٌ أعمى” عن هذا السؤال المعقد من منظور مختلف. ويصف الكتاب الكيفية التي تغيرة بها مسيرة عمله وكيف ساهم هذا في تغيير آفاقه ونظرته، وذلك من خلال عرضه للمشاكل في النظام وفقاً لما قاله ”أن المشاكل التي في النظام والتي كان علي ملاحظتها بحكم كوني المدعي العام، كنت حينها منكراً ومتجاهلاً لها“
أنها لأمور متعلقة بالشرطة والمدعيين العامين داعمي هذه المنظومة. ويقول الكاتب ”أن الناس العاديين …هم الذين سيساعدون رجلً عجوزاً في قطع الطريق، أو يكنسون الثلوج مع أمام مدخل جارهم المريض، على عكس أولئك الذين يجلسون خلف مكاتبهم ويقومون بظلم الناس وتحطيم قلوبهم، فقط لأنهم يعملون تحت سقف من منظومة الإنكار البيرقراطي تلك“. وفي كل فصل من الفصول الست المركزية من الكتاب يركز السيد جودزي على عيوب نظامية مختلفة وهي: الإنكار والطمع والانحياز والذاكرة والبديهيات وضيق الرؤية.
ويقول: بالتأكيد الأشخاص وفي شتى المجالات، أرتكبوا هذه الأخطاء الشائعة عند البشر. فضيق الرؤية ونفاق التبعية ولدت من الحاجة الى أرضاء المدراء ومن هم أعلى رتبةً وليس إلى ازعاجهم وأغضابهم. وذلك من خلال البحث عن الأجابات المرضية ولو كانت خاطئة لأستمرارية المنظومة وليس من خلال الأجابات الصحيحة للمسائل التي قد تخلق نوع من الأضراب في المنظومة.
إن مثل هذا السلوك هو ليس حكراً على “منظومة العدالة الأجرامية الأمريكية” وإنما ايضاً لدى الشرطة والأدعاء العام، وقد يؤدي هذا السلوك إلى سلب حقوق وحياة الأشخاص. على السبيل المثال، ففي الشهر الفائت أطلق سراح “ويلبرت جونز” من سجن “باتون روج” في لويزيانا وذلك بعد ما يقارب 46 عام قضاها في السجن، بعد أن القى القاضي الحكم عليه في قضية أغتصاب، فقط لفشل الأدعاء في تسليم أدلة الدفاع عنه التي كانت ستساعده في قضيته. ودخل “ويلبرت جونز” السجن في سن 19 وهو الآن يبلغ من العمر 65 عاماً.
إن كتاب السيد جودزي مميزٌ لكونه قادراًعلى أظهار كيف أن هذه العيوب في المنظومة كانت تعمل على ارض الواقع. فقد وضح في كتابه كيف أن النيابة العامة كانت ترفض طلبات أجراء فحوصات للحمض النووي للسجناء، بغض النظر أن كانت هذه الفحوصات قد تساهم في الأفراج عن بعض منهم. يرى النائب العام بنفسه الرجل الجيد بمواجهة أشخاص سيئين، ومن هنا تنشأ المعاملة اللانسانية مع المتهمين. ومثال على هذا ما جرى في شيكاغو في ما سمي مسابقة “الأثنان طن” بين المدعيين العامين ليتنافسوا على من سيكون الأول بين المدعيين في أصدار أحكام الأدانة بحق “أثنان طن من اللحم البشري” (بما معناه مجموع وزن عدد معين من المتهين الذي سيصل الى ال2 طن) وهذا ما قاد المدعيين العامين لأن يكونواقساة في تعاملهم مع قضايا المتهمين من أصحاب الوزن الزائد.
إن الكاتب ولسبب وجيه يتسم بالشدة في تعاملة مع القضاة المنتخبين، الذين يتعاملون بشدة مع الجرائم كأسلوب لكسب المزيد من الأصوات التي من الممكن أن يخسروها لو تعاملوا بنزاهة وإنصاف؛ وهو ما يشكل الدافع وراء ما يقرب من نصف الإدانات غير المشروعة، بحسب علم الجنائية (الذي يأتي مركزاً ثانياً بعد شهادات الزور) . وعلى الرغم من ذلك فقد أنهى الكاتب كتابه متفائلاً. وذلك لأن الولايات المتحدة بدأت على نطاق الدولة بأدخال بعض من التعديلات التي قد اوصى بها الكاتب، وذلك فيما يخص تسجيل جلسات الأستجواب وتوحيد أجرائات تحديد هوية الشهود، وتوسيع نطاق الوصول إلى اختبارات الحمض النووي بعد الأدانة، ولربما الأهم من هذا كله، هو فتح المجالس لفحص الادانات في مكاتب المدعين للتحقيق في ادعاءات البراءة بعد الادانة.
إذ يركز السيد جودزي على انعدام العدالة في السجون، فإن كتاب لورين بروك إيسن وهي محامية سابقة وتعمل حالياً في جامعة نيويورك، يقدم بحثاً معمقاً دقيقاً ومنصف عما يحدث بداخل السجون الخاصة، والتي تحتضن بداخلها 126 الف شخص في الولايات المتحدة، أو 7% من سجناء الولايات وما يقارب 18% من السجناء الفدراليين. هذه السجون تعد غامضة نوعا ما بعكس السجون العامة الأخرى، وبغض النظر عن عنوان الكتاب فأن السيدة إيسين بالكاد تمكنت من الدخول لهذه السجون.
وتوضح الكاتبة أيضا أن بعض الليبراليين يتحكمون ويسيطرون على السجون الخاصة لتساهم في تعاظم أعداد المساجين، ذلك لأن طبيعة أعمالهم ومصالحهم متمحورة حول هذه السجون، وكما أشارت إيسين إلى أنهم يمتلكون لوبيات سياسية ساعدتهم في هذا العمل. وقد يشعر البعض أنّ ألأستفادة واستغلال حبس الآخرين هو أمر غير اخلاقي بطبيعة الحال أو أنه ينتهك عهدة الدستور في الحماية من الأستعباد والعقوبات المجحفة والغير اعتيادية بحق المواطنين.
لكن السيدة “إيسين” تجادل وبشكلٍ مقنع بأن هؤلاء الليبراليون هم الأعراض الجانبية وليسوا المرض المستشري لدولة السجون والعقوبات غير العادية، الولايات المتحدة الأمريكية. فقد أنتشرت ظاهرة السجون الخاصة لأن الحكومات المتعاقبة لم تتمكن من تدارك الوتيرة المتسارعة في تزايد أعداد المحكومين الجدد وبناء سجون جديدة كافية لأستيعابهم، ومع مرور الوقت تنوعت شركات السجون الخاصة وبدأت تنشأ المراكز العلاجية وخدمات المراقبة الألكترونية، في ذات الوقت الذي يبحث فيه نظام العدالة الأمريكي عن بدائل للسجون التقليدية. وقد يجد البعض هذا الامر أنه من المحبط أن هذه الشركات تبحث ببساطة عن طريقة أخرى للربح من بؤساء المجتمع ، ولكنه في نفس الوقت يرينا أن هذه الشركات بدأت تستجيب للمطالب السياسية, وانه الطريقة المثلى للتعامل معها والتخلص من السجون الخاصة هو ببساطة ياتي بسجن عدد أقل من الناس.
المصدر هنا