الرئيسية / بايولوجي / تطور / كيف أصبح البشر أذكياء

كيف أصبح البشر أذكياء

تفسير الوعي
قراءة في كتاب “من البكتريا إلى باخ وبالعكس: تطور العقول” لمؤلفه: دانييل دينيت
مجلة (ذا إيكونوميست)
بتاريخ: 9/3/2017
ترجمة: أحمد حازم سلطان
تدقيق: نعمان البياتي
تصميم: حسام زيدان
ترتبط خلايا الإنسان العصبية، وعلى مستوى الماضي البعيد بصلة قربى مع الخلايا الخميرية الدقيقة، والتي بدورها تنحدر من جراثيم أكثر بساطة، كما أنها تنتظم في تراكيب بمقدورها إنتاج أعمال مذهلة في الإبداع؛ كيف تولّد العالم من البكتيريا وصولاً إلى “باخ”؟ ومن فطريات إلى مقطوعات مثل “فيوغ”؟ دانييل دينيت، وهو فيلسوف وعالم معرفي أمريكي، يروي الحكاية في كتابه الجديد، معيداً النظر ومتوسعاً في نصف قرن من العمل في هذا الموضوع.
القصة تخص إحدى قضايا الانتخاب الطبيعي الدارونية: التعقيد الناشئ تدريجياً والاحتفاظ بالطفرات النافعة والتخلص من الضارة منها. الكتاب يستلزم من القارئ القيام ببعض المعاكسات المنطقية الغريبة -والتغييرات الجريئة في منظور طبيعة التصميم والغاية والإدراك -للتخفيف من تأثير “الجذب الديكارتي”، أو الميل البشري للاعتقاد بأن العقل غامض وغير مادي.
واحدة من الشعارات المفتاحية للسيد دينيت هي “الكفاءة دون فهم”، فكما تستطيع الحواسيب القيام بالعمليات الحسابية المعقدة من غير فهم لعلم الحساب، كذلك باستطاعة الكائنات الحية إظهار سلوكيات مضبوطة بدقة من غير فهم سبب قيامها بذلك؛ إن المنطق وراء تلك السلوكيات (على سبيل المثال، الهروب من مفترس، أو إغراء من أجل التزاوج) “طافٍ حر”، فهو كامنٌ في تصميم الكائنات الحية، إلا إنه غير مصرّح به في داخل عقولهم. إن الكفاءة دون فهم هي الحالة الافتراضية في الطبيعة، كما يقترح السيد دينيت، حتى بين الحيوانات الأرقى.
كيف ارتقى العقل البشري إذن؟ لا يمتلك البشر ملكة خاصة للفهم، بل نما العقل البشري من خلال عملية التطور الثقافي والتي تعمل ب “الميمات”، والميمات تمثل سلوكاً قابلاً للتقليد أو النسخ، والكلمات خير مثال على ذلك.
في البداية، انتشرت الميمات في التجمعات البشرية، كالفيروسات، وتم اختيارها ببساطة لقدرتها على الإصابة بالعدوى، ومع ذلك فإن البعض منها كان نافعاً، فتكيف العقل البشري لتعزيزها: فكل من التطور الجيني والثقافي يعملان سوية، فالكلام ومظاهر التطور الثقافي الأخرى تمنح البشر مهارات كبيرة وجديدة للتواصل، والتعبير الواضح، والتفكير، والمسائلة والمراقبة الذاتية؛ بمعنى آخر وبلغة الحاسوب، فإن التطور الثقافي يزود الأنسان بـ “أدوات تفكير”، بما يشبه بعض الشيء تطبيقات الهواتف الذكية – والتي تحول الإنسان إلى كائن مصمم وذي عقل وإدراك، مسبباً انفجاراً في الحضارة والتكنولوجيا.
يرى السيد دينيت إدراك الإنسان، كذلك، نتاج كل من التطور الجيني والثقافي. الحاجة إلى التواصل أو حجب الأفكار تؤدي إلى “حصيلة معدلة” للعمليات المعرفية، والتي تعمل كـ “واجهة المستخدم” للدماغ ذاته. إن العناصر الذهنية والتي تملأ الوعي أشبه بالتخيلات منها للتمثيل الدقيق للواقع الداخلي.
ينتهي كتاب “من البكتريا إلى باخ وبالعكس” مع نظرة إلى الأمام؛ يتوقع السيد دينيت أن تزداد كفاءة الحواسيب إلا أنه يشك بقدرتها على تطوير فهم حقيقي في الوقت القريب، لأنها تفتقر إلى الاستقلالية والأنشطة الاجتماعية التي أنشأت الفهم لدى الإنسان، كما أنه يبدي قلقاً من أن البشرية قد تبالغ في تقدير ذكاء اكتشافاتها العلمية، وتصبح أكثر اعتماداً عليها، كما أن المؤسسات والممارسات التي يعتمد فهم الإنسان عليها قد تتآكل نتيجة لذلك.
هذه كانت لمحات فقط عن مدى غنى هذا الكتاب. يقدم السيد دينيت تفسيرات مضيئة للأفكار التي يوظفها، كما يستشهد بأعمال تجريبية رائعة؛ العديد من مزاعمه مثيرة للجدل، وبعض القرّاء سيكونون أكثر اقتناعاً من آخرين، ومع ذلك، فإن لدى السيد دينيت سجلاً حافلاً بالتكهنات الخاصة بالتطورات في مجال العلوم المعرفية، وسيكون من الصعب أن نراهن بأنه بعيد عن المسار؛ مقتنعين أو لا، سيجد القرّاء بأن عقولهم قد أثريت بالعديد من أدوات التفكير الفعالة.
المقال باللغة الانكليزية: هنا

عن

شاهد أيضاً

النشاط الحضريّ للإنسان يجعل الحيوانات تُطوّر أدمغة أكبر

كتبه لموقع “بوب ساينس: شاوناسي فيرو منشور بتاريخ: 22/8/2018 ترجمة: أحمد لاوي تدقيق: رعد طالب …

دراسة تكشف: كسل “الهومو إركتوس” أدّى إلى اِنقراضهم

كتبه لموقع”فيز دوت اروغ”: آرون ووكر منشور بتاريخ: 2018/8/10 ترجمة: أحمد طريف المُدرّس تدقيق لغوي: …