الرئيسية / إقتصاد / (بِتكوين) يُشعر البنوك بالتوتر

(بِتكوين) يُشعر البنوك بالتوتر

ترجمة: نذير العلي
تدقيق: نعمان البياتي
تصميم الصورة : مرتضى ضياء

إن مدونات التكنولوجيا وشبكات الأخبار المالية تضج بأخبار (تكنولوجيا الموثوقية الموزعة) المشفرة الموضوعة وفق سلسلة الكتل (block chain) *.
الابتكار الأساسي هو كيفية قيام ((بتكوين)) بتخفيض الحاجة إلى الهيئات باعتبارها طرف ثالث مركزي يقوم بدور سلطة مركزية ضامنة، مثل البنوك والمحاكم والشركات الكبرى وأسواق الأوراق المالية وحتى الحكومات.
إن الموثوقية الموزعة تمكّن الكيانات المتعاونة من الانتظام دون الحاجة إلى مركز (مركز للسلطة)، حيث يتم توزيع سلطة المؤسسات المركزية على أولئك الذين يتمتعون عادةً بسلطات أقل، إلا إن المؤسسات ذات النفوذ التي نتكلم عنها لا تتخلى عن نفوذها بسهولة.
إن النقاش الدائر حول كيفية تنظيم تكنولوجيا توزيع الموثوقية تفترض أن مؤيدي هذه التكنولوجيا سيسعون الى تقنين وضعها، وجعلها قابلة للتنفيذ، وبالتالي فإن الاختصاصيين يفترضون بأن مثل هذا التطور في الموثوقية يشكل تهديداً تنافسياً للعملة الورقية للدولة الوطنية.
الكثير من التركيز الحالي هو على تطبيقات الموثوقية الموزعة ومنها العملات المشفرة مثل ((بتكوين)).
((بتكوين)) في مواجهة البنوك:
إن الجهات المالية المنظمة تناضل من أجل التواؤم مع نقلة جوهرية في بنية السوق، فالبنوك المركزية الوطنية تتبع سياسات لإبقاء السيطرة على تكنولوجيا الموثوقية الموزعة وتنظيمها.
ومثالاً على ذلك، قيام الحكومة الصينية بحظر عدة أنواع من نشاطات الموثوقية الموزعة، وهي تعمل على إطلاق عملتها الرقمية المركزية الخاصة ذات الموثوقية الموزعة.
أما الحكومة اليابانية، فقد جعلت من ((بتكوين)) طريقة دفع قانونية، وتخطط البنوك اليابانية الرئيسية لإطلاق (J-Coin) العملة الرقمية اليابانية المرتبطة بالين الياباني، والتي ربما تُبنى اعتماداً على تقنية سلسلة الكتل (block chain).
روسيا في بداية الأمر اعتبرت التعامل بالعملات غير الحاصلة على موافقة حكومية عملاً غير قانوني، ولكنها الآن تعمل على تحديد كيفية تنظيم ذلك.

ترجمة للمخطط المرفق
كيف يعمل ((بتكوين))؟
الشكل 1: يخلق المنقبون ((بتكوين)) باستخدام الحواسيب لحل توابع رياضية.
الشكل 2: تتواجد ((بتكوين)) على الشبكة العالمية اللامركزية التي تعمل وفق مبدأ (نِد لنِد) (peer-to-peer).
الشكل 3: يتم تداول ((بتكوين)) مع العملات التقليدية من خلال أسواق ((بتكوين))، عارضة بذلك طريقة لدخول السوق لغير المنقبين وعارضة طريقة للدفع.
الشكل 4: يقوم المستخدمون بتحميل برنامج (محفظة البتكوين) الذي يعمل بشكل مشابه للبريد الالكتروني إلى حد ما، متيحةً طريقة لتخزين واستقبال العملة، ويمكن نقل العملات من محفظة إلى أخرى باستخدام متصفح الإنترنت أو تطبيقات الهاتف الخليوي.
الشكل 5: يُنشئ أصحاب الأعمال محفظة بنفس الطريقة التي يقوم بها الأفراد، عادة باستخدام زر في الموقع الإلكتروني لتفعيل الدفع بواسطة ((بتكوين)) للشركات المعتمدة، أيضاً يمكن استخدام (QR codes) أو ما يعرف بترميز الاستجابة السريعة لجعل الزبائن تدفع بسرعة وسهولة.
في الحقيقة إن المنظمات المركزية التقليدية كالبنوك والحكومات والهيئات المالية الناظمة وشركات التكنولوجيا العملاقة، تنفق المليارات لتحدد كيفية استخدام تكنولوجيات الموثوقية الموزعة وكيفية السيطرة عليها، لكن لتكنولوجيا الموثوقية الموزعة تطبيقات كثيرة بعيداً عن العملات المشفرة.
المجتمعات ذات القيادة التطوعية:
لدى النظرية التنظيمية الكثير من المقولات بخصوص الانتقال الى هذا النوع من المجتمعات.
تكنولوجيات الموثوقية الموزعة تنَظم بما يسمى مجتمع (الصيغة C) *.
إن (الصيغة C) ليست شيئاً جديداً، فقد تواجدت منذ القرن التاسع عشر عندما تم وضع قاموس أوكسفورد الإنجليزي من قبل جماعة من المتطوعين المتوزعين، وقد تسارع تطور (الصيغة C) بسبب الامكانية التي أتاحها التطور التكنولوجي من تحقيق التواصل المباشر (نِد لنِد) (peer-to-peer) بشكل غير مكلف.
وقد أصبحت (الصيغة C) في دائرة الضوء مع التحول التنظيمي الرئيسي الأخير إلى نموذج المنصات الموزعة لخلق المعلومات، والذي تحقق بسبب وجود الإنترنت.
ونتيجة لذلك الابتكار، فإننا نرى الكثير من صيغ إنتاج المعلومات قد تحولت إلى (الصيغة C). برمجيات المصادر المفتوحة (Open Source) مثل نظام التشغيل لينوكس (Linux) الذي يتنافس مع ويندوز من مايكروسوفت ونظام ماك (macOS) من إنتاج شركة أبل، تم إنتاجه ونشره من قبل أفراد ينتظمون في مجتمع من (الصيغة C) بدلاً من شركات البرمجيات المركزية، كذلك موسوعات الكترونية مثل ويكيبيديا وضعت من قبل أفراد يتواصلون من خلال (الصيغة C) بدلاً من دور النشر، أيضاً الأفلام ومقاطع الفيديو الموجودة على الموقع (Vimeo) تم إنتاجها ونشرها من قبل أفراد ينتظمون وفق (الصيغة C) بدلاً من الاستديو هات المركزية الكبرى، وبالمثل فإن تكنولوجيات الموثوقية الموزعة تنتقل من الرؤية التنظيمية من إنتاج الموثوقية من قبل مؤسسات مركزية إلى إنتاجها وإدارتها من قبل أفراد ينتظمون وفق (الصيغة C).
إن تطور تكنولوجيات الموثوقية الموزعة له تأثير مماثل بالفعالية على نمو (الصيغة C) ليجعلها تحل محل المؤسسات المركزية في أداء وظيفة الموثوقية.
بصورة أساسية هذه عملية تفكيك مركزية السلطة.
انتقال السلطة:
لقد تغيرت العديد من افتراضاتنا السابقة عن المنظمات الرسمية بالانتقال إلى صيغ الموثوقية الموزعة، إذ يستطيع أي فرد الآن الدخول في عملية تبادل (نِد لنِد) (peer-to-peer) مع أي شخص آخر، فالفرد لم يعد بحاجة لمؤسسة مركزية لضمان الطرف الاخر. إن شبكة الطاقة الصغرى في حي بروكلين في نيويورك، المنظمة وفق تكنولوجيا سلسلة الكتل (block chain) تسمح للأفراد ببيع الطاقة الشمسية الزائدة مباشرة للجيران بدون توسيط شركة خدمات عامة.
إن هذا تحولٌ جذريٌ لكثير من الافتراضات الضمنية حول كيفية تنظيم السوق والمجتمع، مثل الافتراض القائل: مع مركزية السلطة تظهر الفرص. العديد من قصص النجاح في وادي السيليكون هي ببساطة منطلِقة من منصات مركزية، فهي تستغل فرصة تمتعها بالسلطة وبالشرعية لتقوم بتمكين التفاعلات الموثوقة للأخرين.
المركزية تخلق فرص جديدة:
تماماً كما ينسق برنامج (Uber)* بين السائقين والركاب، وينسق فيسبوك بين المستهلكين والمروجين، فإن مركزية السلطة هذه قد خلقت فرصة للموثوقية الموزعة.
إن المنصات المركزية الرئيسية تخسر السلطة لصالح تمكين الموثوقية الموزعة، فلن يكون هناك حاجة لمثل هذه المنظمات السلطوية بعد الآن.
لكن أولئك المتمتعون بالسلطة سيسعون للتمسك بسلطتهم.
واجهت مايكروسوفت تحدياً لسلطتها المركزية على السوق، بسبب نمو برمجيات المصادر المفتوحة (Open Source) المنتجة بواسطة (الصيغة C)، وإن (وثائق هالوين) كانت عبارة عن مراسلات داخلية في مايكروسوفت حول الاستجابة للتهديد الاستراتيجي لبرمجيات المصادر المفتوحة، وإحدى هذه التكتيكات التفصيلية المقترحة كان (FUD)* الذي يقوم بخلق الخوف وعدم التأكد والشك بالتقنيات الجديدة غير المرغوب بها من قبل الهيئات المركزية الكبرى.
وبإمكاننا الآن رؤية استجابة مماثلة على تكنولوجيات الموثوقية الموزعة.
الرئيس التنفيذي لبنك جي.بي.مورجان تشيس وشركاؤه (JPMorgan Chase & CO) ((جايمي ديمون)) وصف ((بتكوين)) بأنه احتيال، ودعا الحكومات إلى إغلاق الاشياء المشفرة، وعلى إثر ذلك فقد اتُهم بإساءة استخدام السوق في السويد من قبل شركة اسمها ((بلوكس ووتر)) التي ادعت بأن جايمي ديمون قد قام عمداً بنشر معلومات كاذبة ومضللة.
بمعنى آخر فإن ديمون متهم بأنه خلق (FUD).
مستقبل الموثوقية الموزعة:
لقد اعتدنا على أن نسلم بأن المنظمات المركزية تمتلك السلطة والشرعية، لكن ذلك بدأ يتغير، ومع تطور تكنولوجيا الموثوقية الموزعة سنشهد باستمرار على انتقال السلطة.
ينبغي علينا أن نشكك في دور المنظمات المركزية في عصر الموثوقية الموزعة، والمفتاح اليوم هو ضمان استخدامنا لرؤى من النظرية التنظيمية ومن علم الاجتماع لنشكل مستقبلنا المجتمعي في عالم الموثوقية الموزعة.
إن دور مؤسسات السلطة المركزية سيتضاءل بشكل كبير في عالمنا، وبأفكار ثاقبة كهذه سنقدر على بناء مستقبل أكثر مساواة للجميع.
شروح إضافية ضرورية لفهم المقالة:
(Block Chain) سلسلة الكتل: تقنية تعتمد اللامركزية في تخزين البيانات والمعلومات وتوزيعها على جميع المستخدمين، بحيث تصبح المعلومة محفوظة لدى جميع المستخدمين، وهذا ما يحميها من التلاعب والتحريف في البيانات والمعلومات.
(C Form): هو صيغة جديدة للتنظيم المجتمعي تقوم على أربعة مبادئ رئيسية:
1- عدم وجود حدود صارمة ومغلقة للعضوية في هذا المجتمع.
2- ادماج كبير للعمل التطوعي.
3- عملية الانتاج قائمة على انتاج المعلومات.
4- تشاركية مفتوحة وبشكل واسع للمعارف والمعلومات.
(Uber): هو برنامج بإمكان أي شخص يملك سيارة أن يدرج اسمه ضمنه كسائق، ليظهر لدى مستخدمي البرنامج الراغبين باستئجار تكسي كخيار محتمل لتلبية الخدمة

المصدر هنا

عن

شاهد أيضاً

الاقتصاد الأوروبي ينمو بينما الانبعاثات تنخفض

ترجمة : سهاد حسن عبد الجليل تدقيق: ريام عيسى  تصميم الصورة: أسماء عبد محمد إن …

الجريمة والاقتصاد في حقبة مارغريت تاتشر  

نشر في: موقع “ذي أوبزيرفر” بتاريخ: 27 أبريل 2019 الكاتب: جيمي دوارد ترجمة: مازن سفّان …