ترجمة : آمنة الصوفي
تدقيق : مصطفى شهباز
تصميم الصورة : مرتضى ضياء
تثار الكثير من المخاوف حول العالم ومن مختلف الفئات حول النظام الديمقراطي. في حين يضع العالم الغربي الكثير على عاتق الديمقراطية اليوم، لكن لم يكن هذا هو الحال دائما. فقد كان لبعض العقول الجبارة في تاريخ الحضارة الغربية انتقادات لاذعة تجاه الديمقراطية. انتقادات سيكون من الغباء تجاهلها. كتب أفلاطون في كتابه (الجمهورية) أن سقراط كان يجادل (أو بالاحرى، يحاضر)حول طبيعة الدولة المثالية. في مرحلة ما يسأل شريكه، أديمانتوس، من كان سيفضله لادارة مركبا عبر البحر, راكب عشوائي، أم قبطان مدرب تدريبا جيدا، متعلم وذو خبرة؟ وبعد اختيار القبطان كخيار واضح، ينقل سقراط هذه الاستعارة إلى مفهوم الدولة، يسأل لماذا نسمح لأي شخص أن يحاول إدارة سفينة الدولة. ثم يستطرق إلى اقتراح النظام الشمولي لأدارة الدولة المثالية، حيث يتم تعليم جميع الحكام على الحكم ولعقود قبل أن يأخذ السلطة المطلقة. اعتراضات سقراط على الحكم الديمقراطي يمكن ملاحظتها في أعمال أخرى. حيث أثنى على النظام الملكي الاسبارطي بوصف إداراتها بالجيدة، وتحدث في حوارات عديدة عن فيها العدد القليل جدا من الناس الذين يمتلكون تلك الفضائل المؤدية للحكم السليم، وكيف أن عددا أقل من الناس قادرون على فهم ذلك. ومما لا شك فيه لم يعتبر سقراط عامة السكان اذكياء بما فيه الكفاية لإدارة الأمور.
وهذا ليس الأنتقاد الوحيد لذكاء عامة الناس الذي شهدناه منذ مهد الديمقراطية. ففي أجزاء لاحقة من كتاب (الجمهورية) أشار أفلاطون بأن الديمقراطية هي واحدة من المراحل الاخيرة في انحطاط الدولة المثالية. مرحلة رديئة جدا لدرجة أن الشعب في نهاية المطاف سينتحب من أجل ديكتاتور لإنقاذهم من الديمقراطية. الديمقراطية بأعتقاد افلاطون ستجلب الطغاة.
أرسطو، من جانبه، أدرج الديمقراطية على أنها النسخة الفاشلة من حكم الجموع. التيموقراطية، الحكم من قبل الطبقة المالكة أو حتى أنها مجرد شكل أكثر دستورية من الحكومة الجمهورية وهو النوع المثالي من حكم الأغلبية، في اعتقاده. كان يرى ان أثينا مدينة متداعية، تبتعد عن دستورها التايموقراطي البديع كما وضعه سولون. الفكرة القائلة بأن الديمقراطية تحمل تصدع جوهري كانت منتشرة بشكل واسع وحضت بتأييد في وقت لاحق حتى من قبل المفكرين الليبراليين. أما فولتير الذي أيد جميع حريات التعبير عن الرأي والدين، قال لكاثارين حاكمة روسيا في حينها أنه “لم يحدث شيء عظيم في العالم إلا من خلال عبقرية وحزم رجل واحد يكافح تحيزات الجماهير” . فمفهوم الليبرالية لديه كان منفصلا تماما عن الديمقراطية.
فإذا كانت الديمقراطية سيئة جدا، فلماذا نمارسها الآن؟ لماذا نكرر الخطأ؟
من المهم أن نفهم أن الديمقراطية في أثينا كانت مغايرة جدا عن النوع الذي لدينا اليوم، فديمقراطية أثينا أقرب إلى الديمقراطية المباشرة لدرجة تمنع ايجاد الاستقرار في كنفها. وكانت أيضا مقيدة للغاية؛ فقط 20 في المائة من السكان قد منحوا الحق في التصويت، وجميعهم من الذكور الذين تجاوزوا سن الثامنة عشرة من آباء مواطنين أيضا. فبعض الحكومات لديها الحد الأدنى من متطلبات الثروة. فقد كان النصاب القانوني لمجلس الشورى هو 6000 مواطن، و لزيادة الحاشية فأن العبيد كانوا ينقلون الجماعات من ساحة اغورا محاطين بحبل مصبوغ بالاحمر، وتم فرض غرامة على أي شخص يقبض عليه ملطخ بالاحمر على ملابسهم اثناء محاولتهم الهرب.كما أن العديد من المناصب في الحكومة قد شغلت من قبل مواطنين مختارين بصورة عشوائية للعمل فيها.
وقد حصل سقراط على منصب بهذه الطريقة، وشهد غضب الغوغاء الذين تسببوا في حتف الجنرالات على نحو غير قانوني اثناء فترة حكمه. ثم، بالتأكيد، قررت لجنة المحلفين و بأغلبية هزيلة انهاء حياته بسبب تهمة واهية. يخبرنا أفلاطون أن مجرد 30 صوتا، من بين 500 فرد من لجنة التحكيم تسببوا بقتله.
ولكن، لماذا لا تزال هذه الانتقادات مهمة إذا لم يكن لدينا مفهوم الديمقراطية الأثينية؟
حسنا، حقيقة أن لدينا حكومة مختلفة عن أثينا لا يعني أننا لا نتشارك في مشاكل مشابهة. سقراط كان قلقا بشأن المشاكل التي يطرحها السكان غير المتعلمين والمنقادين بسهولة في حال حصلوا على السلطة في كنف الدولة. وهي مشكلة لا تزال تؤرق المفكرين أمثال ريتشارد دوكينز.
ففي الولايات المتحدة يمكن أن نقول بأن الناخبين أقل دراية حول ما يصوتون له. فنصف البالغين الأميركيين لا يعرفون أن كل ولاية تحصل على عضوين في مجلس الشيوخ، الثلث لا يعرفون ما تفعله ادارة الاغذية والعقاقير. مقدم البرامج الساخر جيمي كيمل يظهر لنا كيف ان الناس لا يعرفون الكثير عن قانون الرعاية الصحية الأمريكي «أوباما كير» Obamacare ونتائج قلة معرفة الناخبين للمعلومات الكافية سيكون سلبيا بشكل واضح بالنسبة لهم. هذه الحقائق، جنبا إلى جنب مع القوة المكتسبة في مناصب الدولة وتحت أيدي الجمهور المصوت، من شأنه أن يجعل سقراط يرحب بالموت .
يقول سقراط معادي الديمقراطية “هناك شئ واحد صالح وهو المعرفة، وشر واحد، وهو الجهل”. فالتعليم هو أفضل أمل للديمقراطية. فالشعب الذي يفهم السمات المطلوبة في زعيم ما، يمييز الفرق بين كونه ممثل مخادع أو زعيما مشروعا، ويعرف المسار الذي يجب أن يتخذه وهو الفرق بين الديمقراطية الفعالة وكابوس سقراط. بينما في ديمقراطيتنا فالناخب النموذجي لا يحتاج أن يقلق فيما لو كان في موضع السلطة عن طريق الحظ، بل يحتاج إلى فهم ما يكفي لتحديد الشخص المناسب ليكون في السلطة ممثلا عنهم.
بالنسبة لليونانيين كان هذا التعليم يشمل قواعد اللغة والمنطق، والخطابة، والحساب، والهندسة، والموسيقى، وعلم الفلك. وكل شيء ينظر إليه على أنه حيوي للمشاركة في الحياة العامة و عيش حياة المواطن الحر، وأصبح هذا في وقت لاحق أساسا لتعليم الفنون الليبرالية الحديثة. في حين أن الفكرة القائمة على مفهوم “أفضل حجة ضد الديمقراطية هي محادثة خمس دقائق مع ناخب متوسط التعليم” قد لا تزال حقيقية، لكن تحسين تعليم هذا الناخب قد يضعف هذه الحجة. يقول ونستون تشرشل، بطل المثل العليا للديمقراطية: “إن الديمقراطية هي أسوأ أشكال الحكم اذا استثنينا كل الاشكال الأخرى”. فالحكومة ماهي الا انعكاس لخير حكامها. في الديمقراطية، هذا يعني أن عامة السكان يجب أن يحصلوا على تعليم سليم لحكم أنفسهم. فهل سيتم الاعتراف بانتقادات الديمقراطية من موطنها الاصلي أو سوف ننتهي مثل أثينا؟ الديمقراطية في الاسم، ولكن في الواقع يحكمها رعاع قذرين.
المصدر هنا