الرئيسية / بايولوجي / تطور / لماذا لا أؤمن بنظرية داروين للتطور ؟

لماذا لا أؤمن بنظرية داروين للتطور ؟

ترجمة : حمزة رافع وسامر حميد
تدقيق علمي : سامر حميد
تدقيق لغوي : عمر أكرم المهدي

بقلم بول براترمان
التطور حقيقة وليست نظرية. بعد مرور 150 عامًا على منشورات داروين التي أحدثت تحوّلًا فاصلًا؛ بسبب الأدلة وليس بسبب الاعتقاد الإيماني. سألت استطلاعات هاريس الأميركيين مؤخّرًا (هل تؤمنون بنظرية داروين للتطور؟) وقد علّق أشخاص بارزون على تلك الأجوبة، وأنا هنا بدوري أرغب بالتعليق على هذا السؤال.
بالطبع لم يستخدم داروين كلمة أو مصطلح “التطور”، ولكن لندع هذا جانبًا، أما بخصوص ما تبقى من القصة. فمن الصعوبة وضع هذا الكم الكبير من الأخطاء في نطاق ضيق، فكانت هنالك الأخطاء المنطقية والتاريخية وكانت هنالك الأخطاء المتعلقة بالحقائق العلمية، والأهم من هذا هو وجود أخطاء شابت طريق العرض والتوضيح، وكل ذلك يعود بالفائدة على “خصومنا الخلقويين”.
دعونا نبدأ بتعليقي الأول على ما هو واضح، كلمة “النظرية”. في اللغة الدارجة تشير كلمة النظرية دومًا إلى التخمين. أما في الخطاب الأكاديمي فهي تعني مجموعة متماسكة ومحكمة من الأفكار التي تفسر الحقائق.
إن تسمية فكرة “نظرية” لا تعطي الحقيقة الكاملة عنها، فالنظرية قد تكون خاطئة “كنظرية فلوجيستون” التي حلت محلها نظرية أخرى (افترضت هذه النظرية أن عنصرًا مثل النار يُسمى فلوجيستون موجود ضمن الهيئات القابلة للاحتراق. – المترجم) أو قد تكون نظرية تقديرية “كنظرية الغاز المثالي” (التي فرضت عدم وجود تفاعل بين جزيئات الغاز وأن جزيئات الغاز نقطية. –
المترجم) أو قد تكون قريبة جدًّا للحقيقة “كنظرية نيوتن لحركة الكواكب”، وقد تكون دقيقة جدًّا “كنظرية الأرقام في الرياضيات”.
بالطبع يمكنك تفسير كل هذا، لكن ليس من الضروري أن تضع نفسك في هذا الموقف الضعيف في المقام الأول، إنه مضيعة للوقت في المناظرات أو في الصفوف الدراسية، هذا النوع من النقاشات يحول التركيز من المواضيع العلمية ليجعلنا أشبه بالفلاسفة والمحامين والمعارضين من الكتاب المقدس الذين يقاتلون نيابة عن الخلقيين.
وبهذا فهو يكون أشبه بصرفٍ للنظر عمّا يجب أن نتكلم عنه بالأساس أي الحقائق، فالتطور، سواء كنا نقصد التغيرات الجينية التي كونت المجتمعات الأحيائية عبر الزمن، أو السلف المشترك للكائنات الحية، هو حقيقة مدعومة بعدد لا يُحصى من الأدلة الثابتة منها السجل الأحفوري والعِرق الوراثي/الجزيئي (molecular phylogeny) (تشابه الأدلة الحالية لفحص الأبوية عن طريق الــ DNA)، الأحداث التاريخية المحبوسة في أعضاء الكائن الحي والتي من الممكن أن تكون قد تعطّلت أو تغيرت وظائفها عبر الزمن، التوزيع الجغرافي الزمكاني للكائنات وهنالك المزيد، ولا يمكن للخلقية أن تفسر هذه الحقائق إلّا من خلال اللجوء إلى رغبات الخالق.
التعليق التالي هو عن “داروين “. فهو بالفعل كان يمتلك نظرية حقيقية؛ كذلك كان ألفريد والاس يمتلك واحدة بشكل مستقل. نصت على أن الأنواع المختلفة قد نشأت تدريجيًا عن طريق الانتقاء الطبيعي الذي يعمل على الاختلافات الوراثية. وأيّد كلامه هذا بعملية الرصد والملاحظة الدقيقة، على الرغم من أن مجموعة الأدلة المتاحة في عصره كانت أقل بكثير مما لدينا اليوم. وأعرب عن أسفة لفقر السجل الأحفوري المعروف آنذاك، والجدير بالذكر أن الخلقيين يرددون هذا الكلام اليوم وكأن شيئًا لم يتغير. فداروين لم يكن يعرف شيئًا عن الطفرات الوراثية أو حتى وجود جين معين، لم يكن يملك أدنى فكرة عن الاختلافات الوراثية الجديدة التي يمكن حدوثها وكذلك كيفية انتشارها، تخمينه للتدريجية (Gradualism) كان على النقيض للأفكار التي جاءت بعده مثل نظرية “التوازن النقطي” – (Punctuated Equilibrium) ونحن نعلم الآن إن لم نكن متأكدين أن أغلب الاختلافات حدثت بفعل الانجراف المحايد (Neutral Drift)، ولهذا نحن نعلم الآن الكثير من الحقائق عن التطور كان داروين لا يحلم بها، ونظرياتنا الحالية أيضًا فهي تتضمن العديد من الأفكار الإضافية.
والأسوء من كل ذلك هو تعليقي الأخير على “نحن نؤمن بــ “. إن الإيمان بالشيء دائمًا ما يحمل فيه الشعور بأن عدم الإيمان هو خيار أيضًا، بعض أعضاء هيئة المحلّفين في المحاكم تصدق الشاهد وبعضهم لا يصدقون، بعض الناس في الولايات المتحدة يؤمنون أن “هيلاري كلينتون” هي الرئيسة القادمة لأميركا ولكن لا أحد يقول أنني “أؤمن” أن الرئيس الحالي هو “باراك أوباما” لأنه لا يوجد شخص عاقل يشكك بذلك، أنا “لا أؤمن” بالذرات ولا الجاذبية ولا ميكانيكا الكم لأنني أعتبرها قد نشأت من خلافات، بالرغم من أن مفاهيمنا عنها ستستمر بالتغير كلما تعلمنا أكثر، وهذا الكلام ينطبق بالضبط على التطور.
هل الأمر يشكل أهمية؟ نعم وبشكل كبير، الخلقيّون غالباً ما يعتبرون التطور والخلقية بمثابة معتقدات، ولكن الأمور مختلفة تمامًا ليس بالحقائق المرصودة بل طريقة تفسير هذه الحقائق. إنهم يتوجّسون قلقًا حول داروين ويشيرون للتطور بـمعتقد “الداروينية”، وللمؤيدين لهذه الحقيقة بــ “الداروينيين”، والهدف هنا هو تجاوز 150 سنة من الاكتشافات التجريبية والفكرية، والرجوع إلى أواخر القرن الــ 19 وتجريد داروين من صفة كونه عالمًا (تابع كتاب شك داروين)، وأبعاد التطور بالاستعانة بالحقائق والقوانين العلمية من خلال وصفه بأنه مجرد “نظرية فقط “، وأن هناك أصوات ونظريات أخرى تستحق الاستماع لها.
إن أغلب الناس لم يخوضوا بعمق في مجال التطور، على الأقل في الولايات المتحدة أغلب الناس قد تعرفوا على هذا الموضوع من خلال النزاعات الدينية للأطراف المتصارعة، كلا الطرفين سواء كان الطرف “المتديّن” الذي يعتبر الطرف الآخر حركة ظلامية يجب محاربتها، أو الطرف الثاني وهم “الأكاديميون المنفتحون” الذين يلقّنون الأطفال أكاذيب مموّهة على أنها انفتاح ذهني، كلا الطرفين يستخدمان الكلمات المنمّقة لإرساء الدعائم الزائفة على الأرضية الأخلاقية ونحن أيضًا يتوجّب علينا ألّا نستخدم الكلمات التي تساعدهم في ذلك.

المصدر هنا

عن

شاهد أيضاً

النشاط الحضريّ للإنسان يجعل الحيوانات تُطوّر أدمغة أكبر

كتبه لموقع “بوب ساينس: شاوناسي فيرو منشور بتاريخ: 22/8/2018 ترجمة: أحمد لاوي تدقيق: رعد طالب …

دراسة تكشف: كسل “الهومو إركتوس” أدّى إلى اِنقراضهم

كتبه لموقع”فيز دوت اروغ”: آرون ووكر منشور بتاريخ: 2018/8/10 ترجمة: أحمد طريف المُدرّس تدقيق لغوي: …