فسيولوجي شهير أحرج نفسه عندما أدعى بأن نظرية التطورالحديثة أصبحت في حالة يرثى لها
بقلم: جيري كوين – صاحب كتاب: لماذا التطور حقيقة
ترجمة : سامر حميد , زين عزيز
تدقيق : بهاء محمد
ها نحن نعيد الكّرة مجددًا: شخصٌ آخر يدعي أن داروين كان مخطئاً (حسناً، لقد كان مخطئاً في العديد من القضايا)، وكذلك المفكرين سَلَائلُ داروين كانوا على خطأ أيضاً. ولكن مايُميّز هذه المرة أنها لم تأتي من الخلقّيين بل جاءت من عضو بارز يحمل بطاقةْ بيولوجي.
لقد عكر ماثيو كوب (Matthew Cobb) صباحي عندما أرسل لي شريط فيديو مصور لعالم فسيولوجي شهير يدعى دينيس نوبل (مولود عام ١٩٣٦م، وأستاذ في جامعة أكسفورد حتى عام ٢٠٠٤م). والذي يلي أسمهُ مجموعة من ألقاب الشرف. فمساهماته للفيسيولوجيا (علم وظائف الاعضاء) واضحة جداً بتنوعاتها، رغم انني اعترف أني لا أعرف الكثير عن نوبل وما فعله تحديداً. ومع ذلك، عندما شاهدته في خَرَفهِ الشَيخوخِيّ يتحدث عن الأحياء التطورية الحديثة (“الداروينية الحديثة” أو ما يعرف بــ “التوليفة الحديثة”) واصفاً إياها بإنها خاطئة. وهذا في الواقع شيءٌ أعرف عنه الكثير. فنوبل مخطئ كما ستشاهدون في هذا الفيديو، وانا أستشهد بالقول الفيزيائي المأثور “هو ليس مخطئاً حتى” لوصف ما يقوله نوبل (ابتكره فولفغانغ باولي، الفيزيائي الحائز على جائزة نوبل لوصف حجة أو نظرية تّدَّعْي أنها علمية ولكنها تستند إلى منطق ضبابي غير محدد أو مقدمات تخمينية [تأملية] لا يمكن مناقشتها بالمعنى العلمي الدقيق. المترجم).
لقد كانت دوافع نوبل على ما يبدو بإنه يريد إن يعيد إلى الفسيولوجيا مكانتها بوضعها على نفس الرف مع التطور. تماماً كما كان يريد ستفين جاي گولد إن فعله مع علم الحفريات. حيث يدَّعْي نوبل بإن النموذج الحالي للأَحْياء التطورية لا يتيح مكانه كبيرة لعلم الفسيولوجيا، وهو مستاء جداً لهذا! فيحاول أن يبني قضية لا تقول فقط بإن “التوليفة الحديثة” خاطئة لأن كل مَبَادِئها قد تم دحضها، بل إيضاً بإن “توليفة نوبل” تتيح مكاناً مركزياً للفسيولوجيا. هل من وصية [احدى الوصايا العشر] مثلِها!
ان أراء نوبل في هذا الفيديو مكنته من نشر ورقة في مجلة علم الفسيولوجيا التجريبي هذا العام (يمكنك تحميل هذه الورقة من الروابط في نهاية المقال مجاناً)، لقد قرأت هذه الورقة وأردت ان اكتب حينها رداً مفصلاً عنها، ولكن حججها المضللة والجهل المتعمد أثاروا غَيْظي مما جعلني أحيل نفسي إلى أشياء أخرى. والآن، مع كون نوبل مُحدّقاً بوجهي في هذا الفيديو، مردداً هذه الحجج الغبية عن الداروينية الحديثة. يجب عليّ إن أرد عليه. وليس بوسعي إلا هذا.
ان كنت تفضل القراءة بدلاً من قضاء ٣٨ دقيقة في مشاهدة الفيديو، فاقرأ ورقهُ، أما لو كنت ممن يفضل الوسائل السمعية والبصرية، فشاهد هذا الفيديو الذي وصف على اليوتيوب بالوصف التالي:
ثورةٌ كُبرى تحدث في الأَحْياء التطورية، في هذا الفيديو يشرح رئيس الاتحاد الدولي لعلم الفسيولوجيا البروفيسور دينيس نوبل مُفسراً ما الذي يحدث، ولماذا سيغير هذا طبيعة البيولوجيا وأهمية الفسيولوجيا في هذا التغير. قُدِمت هذه المحاضرة أمام جمهور عام في مؤتمر دولي كبير عقد في مدينة سوجو الصينية.
وهنا قائمة بأهم ما جاء في ادعاءات نوبل، ولماذا تعتبر خاطئة:
- الطفرات ليست عشوائية. هذه ركيزة اساسية في الأَحْياء التطورية، والتي يدَّعْي نوبل بإنه قد دحضها، ولكنه لم يفعل. ويجادل بان هناك مناطق محددة طَفْرِيّة في الجينوم، وأن معدلات الطفرات يمكن أن تتغير استجابةً لظروف الكائن الحي أو بيئته.
هذا صحيح، ولكنها لا تقدم أيَّ تفسير يُذكر لِعشوائيةْ الطفرات، فما نعينه نحنُ بــ “العشوائية” هو أن الطفرات تحدث بغض النظر عمَّا إذا كانت ستكون جيدة للكائن الحي. وهذا يعني لا تزداد فرص حدوث طفرة تكيفية إذ ما تغيرت البيئة بطريقة من شأنها أن تفضل تلك الطفرة. فكلمة “عشوائية” لا تعني، للتطوريين، بأن بكل جين نفس احتمالية التطفر، ولا أن معدلات الطفرة لا يمكن أن تتأثر بأشياء أخرى. ما تعنيه هو أن الطفرات لا تتعدل بطريقة تجعل من الطفرات الجيدة تنشأ فجاءةً فقط عندما تكون مفيدة. صديقي بول سنيگوسكي وهو أستاذ في جامعة بنسيلفانيا يستخدم مصطلح “اللامبالية” بدلاً من “العشوائية”، واعتقد أن هذا هو أفضل وسيلة لوصف أراء الداروينية الحديثة المتعلقة بالطفرات. ولا يوجد هناك أيَّ تجارب-ولا حتى واحدة- تظهر أن الطفرات ليست لامبالية، والكثير من التجارب تظهر بإنها لامبالية. وبعبارة اخرى، يعتبر توصيف نوبل لخطأ الدارونية الحديثة وصفاً مضللاً.
- يمكن توريث الخصائص المكتسبة. دعماً لهذه الرؤية اللاماركية الجديدة، يُظهر نوبل قائِداً الحصان البالِ الواهن للوراثة اللاجينية (Epigenetics)، مُحاججاً أن التغيرات الناجمة عن اسباب بيئية في الحمض النووي يمكن أن تنتقل لعدة أجيال، افتراضياً من خلال مختلف عمليات مثْيَلّةْ الـحمض النووي DNA (إضافة مجموعة ميثيل CH3 إلى DNA). وهذا صحيح أيضاً.
ولكن ما هو غير الصحيح هو أن: (أ) هذه التغيرات متكررة الحدوث، و(ب) عندما تحدث التغيرات اللاجينية تكون ناجمة عن عوامل بيئية دائماً، و(ج) التغيرات اللاجينية الناتجة حصرياً عن عوامل بيئية هي أساس للتطور التكيفي. يوجد هناك أربع انواع من الادلة على هذه الادعاءات.
اولاً: عندما نضع خرائط للتكيفيات في الكائنات الحية، فأنها تظهر بثبات بأنها تغيرات في الحمض النووي (إما الهيئة التركيبية أو التنظيمية) فهي ليست تغيرات لاجينية بحتة، أيَّ أنها لا تستند على مثْيَلّةْ الـ DNA التي هي بذاتها غير مشفرة في الجينوم.
ثانياً: وكما قلت للتو، فان المثْيَلّةَ التكيفية كـ “طبعات الوالدين Parental imprinting”، والتي يشارك فيها الأب أو الأم بمثْيَلّةَ مختلفة للـ DNA لتفعل أشياء مختلفة في اللَّاقِحَةِ والذرية، تعتمد على تعليمات من الحمض النووي نفسه. وهذا يعني أن الـ DNA يحمل تعليمات تنص على شيء مثلَ: “إذا كنت ذكراً، فأضف مجموعة ميثيل في هذا الجزء من الــ DNA الخاص بحيواناتك المنوية”. فهذا ليس تغيراً بيئياً ولا لاماركياً للــ DNA. انه مبني ببساطة على تطور بسيط ومتنوع تنوع الحديقة من الجينات نفسها.
ثالثاً: أنا لا أعرف تكيفاً واحداً في الكائنات الحية يعتمد على مثل هذه التغيرات الناجمة عن عوامل بيئية وعوامل لاجينية. فعلماء الوراثية الجينية على معرفة بالاساس الجيني لعشرات الصفات التكيفية التي تختلف بين المجتمعات الأحيائية وبين الأنواع. وجميعها مشفرة في الحمض النووي الــ DNA. فإذا كان التغير التكيفي اللاجيني شائعاً فكنا قد وجدناهُ حتماً.
واخيراً: سيكون من الغريب إعتبار التغيرات اللاجينية النقية هي أساس التكيفات، وذلك لان تكيفات مثل هذه غير مورثة بشكل ثابت. ولكي يصبح التكيف ثابتاً في المجتمع الأحيائي أو في الأنواع يجب أن يكون موروثاً بدقة تكاد تكون مثالية. وهذا ليس واقع الحال بالنسبة لجميع التعديلات الناجمة على عوامل بيئية للحمض النووي. فإنها تختفي في نهاية المطاف.
وبسبب افتراص الاكتساب البيئي للصفات المورثة فإن نوبل يدَّعْي في حديثهِ أن العقيدة المركزية لعلم الوراثة (الجينات تنتج الحمض النووي والتي تنتج بدورها الكائنات الحية) هي خاطئة تماماً. ولكنه فشل في إظهار حالة مقنعة من التطور على المدى الطويل ناجم عن التعديل البيئي للمواد الوراثية. لقد كتبت بشكل مكثف عن المشاكل مع النموذج التطوري “المدفوع باللاجينية”، ويمكنك البحث في مدونتي ببساطة عن طريق البحث عن كلمة “لاجينة Epigenetic”.
- وجهة النظر التطورية التي تركز على الجينات خاطئة. لدى نوبل شكوى واضحة حول زميله ريتشارد داوكينز، وقضى الكثير من الوقت في حديثه يجادل ضد كل من مفهوم “الجينات الأنانية” وفكرة أن الجين هو الوحدة البحتة للانتقاء، بدلاً من الخلية مثلاً.
نوبل هنا مشوشاً للغاية، فهو ينتقد النظرة المبنية على الجين للتطور ويدعي قائلاً “حسناً، الخلايا تتضاعف أيضاً، والخلية تحمل الحمض النووي، وبالتالي فأن الحمض النووي لا يمكن أن يكون نفسه هو وحدة التكاثر”، هذا غباء محض! فالخلايا موقتة (ليست دائمية) أما الحمض النووي فلا. فالخلايا لايتم تمريرها من جيل واحد من الافراد إلى الجيل القادم، ولكن جزئية الحمض النووي، التي تمثل في بعض الوجوه نموذجاً خالداً، يتم تمريرها. وهذه هي نقطة واضحة جداً في الجين الاناني لدوكينز.
يدَّعْي نوبل أيضاً أن جميع علماء البيولوجيا يدركون حالياً أن الانتقاء “متعدد المستويات” ولا ينحصر فقط على مستوى الجين فقط. ولكنه لا يشرح ما يتحدث عنه. ومن الواضح، أن الانتقاء المتعدد المستويات ممكن منطقياً، ولكننا لا نعرف الكثير من هذه الحالات. ما عدا حالة الشكل الأكثر شهرة للانتقاء ذا “المستوى العالي” – انتقاء الجماعة – لا أستطيع التفكير بحالة واحدة مقنعة في الطبيعة تطورت من خلال هذه العملية.
وما يزعجني أكثر هو أن هذا النوع من الثرثرة الكلامية تبدو مقنعة بشكل سطحي جداً لأولئك الذي لا يعرفون الكثير عن التطور، والتي قد تشمل علماء البيولوجيا في جمهور نوبل.
- 4. التطور ليس عملية تدريجية جين بعد جين ولكنه عبارة عن طفرات كبرى. يستشهد نوبل هنا بأمثلة من كُتَل كاملة من الجينات قد تم نقلها أو تم اكتسابها من من أنواع أخرى بقفزة واحدة. هذا حسب قوله يُبطل الرؤية الداروينية الحديثة للتغيرات التدريجية في الجينات.
وهو محقاً في أن هذه الأنواع من التغيرات الكبيرة تحدثُ احياناً. ونحن نعلم حالياً على سبيل المثال إن بعض التكيفات يمكن أن تنشأ عن طريق جزء كبير من الجين “يقفز” في الكائن الحي ليدمج مع جين آخر مُنتجاً جين هيجن له آثار مفيدة للفرد. ويحدث شي مماثل عندما تمتص بعض الكائنات الحية كالبكتيريا جينات من أنواع مختلفة. ويمكن أن تحدث هذه التغيرات أيضاً في حقيقيات النوى، مثل الدَوَّارَات، التي يمكن أن تأخذ الحمض النووي من الفطريات، على سبيل المثال، ويمكن لهذه الجينات الممتصة أن تكون مفيدة.
ولكن هذا لا يظهر خطأ التوليفة التطورية الحديثة، فتلك القفزات الكبرى أو التغيرات التي تنتقل أفقياً في الحمض النووي يجب أن تظل مقيدة بقواعد علم الوراثة السكانية (دارسة المجتمعات الأحيائية). وهي بشكل ما مرادفة للطفرات، ولكنها مجرد طفرات كبرى. وقد توسعت التوليفة الحديثة قليلاً لتأخذ في الاعتبار هذه النتائج الجينية الجديدة، والتي أصبحت في الآونة الأخيرة ممكنة. ولكن اكتشافهم يكاد لا يبطل التوليفة الحديثة.
يدَّعْي نوبل في هذه المحاضرة أن هذه الأنواع من التغييرات تقلب وجهة النظر للتطور باعتباره “تفرعات تشعبية” لأن الجينات يمكن لها أن تقفز بين الأغصان البعيدة. هو مخطئ. هذه الأنواع من التغييرات نادرة في البكتيريا فقط. وإن كانت شائعة، فأن إعادة بناء الشجرة التطورية من خلال النظاميات الحيوية سيكون مستحيلاً. فالجينات المختلفة تُظهر أنماطاً مختلفة، ولن نتمكن أبداً من استخدام التحليل متعدد-الجين لإعادة بناء أصل مجموعة من الكائنات الحية. فنحن لن نتمكن من معرفة أن أقرب أقربائنا على قيد الحياة حالياً هو الشمبانزي مثلاً. ولكن حقيقةْ أن الجينات المتعددة تظهر تَطَوُّرُ سُلاَلاَت مُمَاثل، وخاصة بين الأنواع غير القريبة جداً من إن يكونوا أقرباء، هي دليل على أن نوبل كان مخطاً.
- 5. لم يتمكن العلماء من إنشاء نوع جديد في المختبر أو في البيوت الزجاجية، ونحن لم نر أيَّ انْتِواع في الطبيعة.
هذا يشيط غيضي دافعاً إياي حد الجنون، لأن نوبل هنا على خطأُ صريح. فدراسة الانْتِواع هي تخصصي. ولست متأكداً حتى من الدافع الذي يجعل نوبل يأتي بهذه الحجة، التي تشبه حجة الخُلُقي. لم نرى أنواع جديدة تنشأ أمام أعيننا! إذن الله هو الذي خلقها.
فإذا كانت الأنواع تنشأ عن طريق التطور، كما هو متوقع — وبالتأكيد نوبل يعترف بذلك- إذن يجب إن نكون قادرين على رؤيتها تتشكّل في الطبيعة، على الرغم من تشكّيلها عادةً ما يستغرق وقتاً طويلاً: آلاف أو ملايين السنين. وهذا يعني أنه ينبغي أن نكون قادرين على رؤية الحالات الأولية للانْتِواع: مجتمعات أحيائية تتطور خلال جميع مراحل الحواجز التكاثرية ضد مجتمعات إحيائية أخرى. وبالفعل أننا نرى ذلك: فقد تم توثيق ذلك منذ زمن أرنست ماير وثيودوسيوس دوبزانسكي في ١٩٣٠ات و١٩٤٠ات. وعلاوة على ذلك، كنا قادرين على إنتاج نوع جديد في المختبر من خلال آلية الانْتِواع الهامة في النباتات: تعدد الصيغ الصبغية “Polyploidy” (وهي ظهور نوع جديد إما عن طريق تضاعف جينات الأنواع نقية من تلقاء نفسها أو بعد التهجين مع نوع مختلف). فتعدد الصيغ الصبغية هو المسؤول عن حوالي ٥-١٠٪ من أنواع النباتات الجديدة، ويمكننا أن نصنع نوع جديد ذا تعدد صيغ صبغية في المختبر. لقد عرفنا ذلك لأكثر من نصف قرن، وعلى نوبل أن يعرف ذلك أيضاً. أنها معرفة تطورية ذات تنوع حدائقي. ولكن نوبل لا يبدو أنه تعلمها بعد.
وأكثر من ذلك، نحن نستطيع إن ننشأ “نوع هجين ثنائية الصيغة الصبغية” في المختبر عن طريق تهجين نوعين أثنين ونسمح لحامضهم النووي المخلوط وغير المتوافق أن يفرز نفسه لعدة أجيال. ما يمكن أن تحصل عليه هو نوع هجين غير متعدد الصبغة معزول تكاثُرياً عن كِلا الأبوين- أيًّ نوع جديد المولود في المختبر. وقد فعلت لورين ريزيبرغ هذا لِعباد الشمس، وبدأنا في العثور على مثل هذه الحالات تحدث في الطبيعة.
بعد ذلك، يتحدث نوبل بموضوع أتى به من مخيلتهِ قائلاً بأننا لم نتمكن من إنتاج أنواع جديدة. ولكن حتى لو لم نفعل ذلك، فإن ذلك لا يعني أننا لا نستطيع أن نرى حدوث الأنواع في الطبيعة. وكما قلت، انها بالعادة عملية تدريجية، وإذا كان بإمكاننا أن نرى جميع الخطوات الممكنة في الطبيعة، واظهار المجتمعات الأحيائية ذات صلة القرابة البعيدة عن بعضها البعض التي تظهر مزيداً من العزلة التكاثرية (كما فعلت أنا ود. ألين أور في ورقتين بحثيتين)، فسيكون لدينا دليلاً قوياً على أن العزلة التكاثرية تزداد تدريجياً في الطبيعة كما تصبح المجتمعات الأحيائية معزولة جغرافياً لفترات أطول وأطول. هذه هي الطريقة نفسها التي اكتشفنا بها كيف تطورت النجوم. فنحن نادراً ما نرى نجم واحد يتغير، ولكن يمكننا تتبع عملية التطور النجمي من خلال رؤية جميع المراحل التي تحدث في نجوم مختلفة في مجرتنا.
***************************
لقد كتبت هذا المقال وأنا غاضب إلى حدٍ ما، لأن هجمات نوبل على التوليفة الحديثة على حد سواء غير مدروسة وبدوافع واضحة لجعل علم الفسيولوجيا جزءاً أساسياً من الأحياء التطورية. وعلى الرغم من أنه عضو في الجمعية الملكية ومشهور، فأنه يريد المزيد: يريد لحقلهِ أن يكون محور للتطور. ولكن هذا النوع من الغطرسة المضللة ليست الطريقة التي يعمل بها العلم. فعلم الفسيولوجيا هو سلفاً مهم في الأحياء التطورية. وهو السبب في أننا ننظر إلى تأثيرات عملية الاستبدال الجيني، على سبيل المثال، ليس كمشكلة جين واحد ينتج سمة واحدة، ولكن تأثير جيني عام على الناتج التكاثري من خلال آثاره التي تتشعب خلال التعقيدات النمائية. يقول نوبل يقع على عاتق التطوريين خطأ “جين واحد، سمة واحدة”، لكنه مخطئ فحسب: أنا لا أعرف شخص واحد في مجال عملي عنده مثل هذا الرأي السطحي.
ليس هناك من الحجج التي يأتي بها نوبل جديدة: إنها عبارات افتراضية يأتي بها هؤلاء الأشخاص، كجيمس شابيرو ولين مارغليس، الذين شّنوا في نهاية حياتهم المهنية، حملة صليبية مضللة لإسقاط نظرية التطور الحديثة.
ومع ذلك قد يكون نوبل شهير في علم الفسيولوجيا، ولكنه مبتدأ متخبط عندما يتعلق الأمر بالأحياء التطورية. فهو قد يحاول مناقشة أفكاره مع تطوريين آخرين ويستمع إلى ردودهم. ومن الواضح أنه لم يفعل ذلك، ومع ذلك فهو يعتمد على خبرته في الفيسولوجيا لإظهار أن صرح الأحياء التطورية الحديثة تالف. ويكتب أوراقاً لهذا الغرض، بما في ذلك ورقتهِ المروعة المذكورة أدناه.
ولكن ما هو تالف حقاً هو معرفة نوبل في المجال التطوري وادعاؤه أن كل افتراض تطوري دارويني جديد، هو خطأ. وفي الواقع، حججه نتنة بقدر نتانة السمك الفاسد.
هم ليسوا مخطئين حتى.
المصدر:- أضغط هنــــــــا
محاضرة نوبل على اليوتيوب: أضغط هنــــــــا
رابط تحميل ورقة نوبل:-
Noble, D. 2013. Physiology is rocking the foundations of evolutionary biology. Exper. Physiol. 98:1235-1243.