بقلم رئيس الوزراء البريطاني ديفد كاميرون
إن الذكرى الـ 400 لوفاة شكسبير ليست فرصة لإحياء ذكرى وفاة أعظم كاتب مسرحي فحسب، بل هي لحظة للاحتفاء بالتأثير منقطع النظير و الدائم إلى يومنا هذا لرجل يخطو بقدميه في عالمنا الضيق في مشية كمشية العملاق الضخم. فالإرث الأدبي الذي خلفه شكسبير ليس كمثله شيء، حيث تُرجمت أعماله إلى أكثر من مئة لغة، …وتُدرس أعماله لنصف طلاب العالم. وكأحد معاصري شكسبير قال بن جونسن مادحاً شكسبير ” إن أعمال شكسبير ليست لعصر واحد، بل هي لكل العصور”. وها هو يعيش اليوم في لغتنا، وفي ثقافتنا ومجتمعنا من خلال تأثيره الدائم على التعليم.
لشكسبير دور حاسم في تشكيل اللغة الإنكليزية الحديثة، وساعد في جعل اللغة الإنكليزية لغة العالم. كما نجد أن سامويل جونسن الذي أعد أول قاموس رائد قد استقى من شكسبير أكثر من أي كاتب أخر، حيث ظهرت ثلاثة الاف كلمة وعبارة لأول مرة في مسرحيات شكسبير.
أتذكر من طفولتي أن العديد من الكلمات ظهرت لأول مرة في مسرحية هنري الخامس مثل كلمات القنوط، و التجريد، الإدمان، و الجمود، ولعبة النطه، وعبارات مثل المحاولة مرة ثانية، وعصبة الاخوة، و القلبُ الطيب، كل هذه الكلمات والعبارات دخلت إلى لغتنا بدون الإشارة إلى السياق الذي وردت فيه. كما أن شكسبير يعد من الأوائل الذين استخدموا اشكال القواعد والبناء بما فيه الشعر الحر، ودرجة التفضيل، وربط الكلمات مع بعضها لإعطاء معنى جديد مثل ” ملطخ بالدم” كما أضفت مسرحياته البارزة الكثير من أجل توحيد اللفظ والقواعد.
إن تأثير شكسبير تعدى حدود لغتنا فكلماته وحبكاته رواياته وشخوصها لا تزال مصدر الهام لثقافتنا والمجتمع بأسره. وكان نلسون مانديلا في سجنه بجزيرة روبن يعتز بعبارة اقتبسها من مسرحية يوليس قيصر تقول ” الجبناء يموتون مراراً قبل موتهم أما الشجعان لا يذوقون طعم الموت إلا مرة واحدة “. أما قصيدة شكسبيري(my Shakespeare) للشاعرة كيت تيمبتست فأنها تختزل الوجود الازلي لشكسبير حينما كتبت قائلة ” أن شكسبير في قلب كل محب يجلس وحيداً تحت النافذة، وفي كل كلمة يهمس بها حاسد وفي كل شيطان لا يمل”.
ويبدو واضحاً للعيان تأثير شكسبير في كل مكان: من أعمال تشارلز دكنز وغوته حتى تشايكوفسكي وفيردي وبراهامز, ومن قصة الحي الغربي حتى رواية مصيدة الفئران التي ألفتها اجاثا كرستي وهي المسرحية الأطول عرضاً على المسرح الغربي في لندن اليوم؛ بينما ماتزال مسرحيات شكسبير تمتع الملاين، ومن طلاب المدارس في انحاء العالم وحتى طوابير المئات من الناس الذين اصطفوا ليلاً حتى اللحظات الأخيرة من أجل الحصول على تذكرة لمشاهدة مسرحية بيندكت كمبراش حين يؤدي دور هاملت العام المنصرم.
بيد أن قدرة شكسبير على التعليم والتثقيف من أكثر الإرث الذي خلفه اثارة كما نرى من الأعمال التطوعية التعليمية لشركة شكسبير الملكية و شكسبير غلوب وتأثير الجمعيات الخيرية البريطانية الرائدة مثل مهرجان مدارس شكسبير، فإن من شأن دراسة وتمثيل مسرحيات شكسبير أن تساعد على تعزيز ملكة القراءة والكتابة لدى الطلبة.
ولهذا تدعو بريطانيا الجميع في كل يوم من 2016 إلى المشاركة في الاحتفاء بحياة وتراث وليم شكسبير. وقد أطلقنا في 5 كانون الثاني برنامج ” شكسبير يعيش معنا” وهو برنامج عالمي مثير ومليء بالنشاطات والفعاليات لتسليط الضوء على تأثيره الدائم وتوسيع نطاق استخدام شكسبير كمصدر تعليميي لتعزيز ملكة القراءة والكتابة حول العالم.
وستقام أنشطة هذا البرنامج في أكثر من 70 دولة يشرف عليها المجلس البريطاني وحملة بريطانيا العظمى، ويمكنكم مشاركة ما تفضله من أعمال شكسبير من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، و مشاهدة عروض مسرحية وسينمائية لم تعرض من قبل، وزيارة معارض والمشاركة في ورشات عمل و حلقات نقاشات و الإطلاع على مصادر شكسبيرية تعليمية جديدة مصدر شكسبير التعليمي لتعزيز التمكن من اللغة الإنكليزية. كما ستقوم شركة شكسبير الملكية بجولة في الصين؛ وستقوم شكسبير غلوب بعروض مسرحية حول انحاء العالم كافة من العراق إلى الدنمارك وسيعيد الشباب تخيل عظمة أرث شكسبير في زمبابوي. كما أطلقت حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان #ألعب_دورك لدعوة الجيل القادم ذو المواهب الخلاقة إلى الإعراب رقمياً عن تكريمهم وتقديرهم للشاعر كما سنعمل بالاشتراك مع “مؤسسة الخدمات التطوعية في الخارج” الخيرية البريطانية لزيادة الوعي بالتحدي الكبير المتمثل في امية الأطفال بأنحاء العالم، مستعين بشكسبير لزيادة فرصة التعليم المتاحة لأطفال العالم.
إلى جانب موهبته اللغوية، وإحياءه لتاريخنا، وتأثيره الدائم على ثقافتنا, وقدرته على التعليم، فإن لشكسبير القدرة على الالهام؛ من أشهر قصة حب إلى أعظم رواية تراجيدية، من أقوى قصة خيالية إلى أبرع وأظرف عمل كوميدي؛ ومن خطبه المحفورة في الذاكرة إلى شخوص الأسطوريين العديدين، نجد في شكسبير رجلاً واحداً؛ رجل يتمتع بخيال واسع، وإبداع متواصل، واحساسه الغريزي بالإنسانية لتجربته الإنسانية التي لا تجتمع بكل رجل.
لذا، وبصرف النظر عن الدور الذي ستؤدونه في ” ألعب دورك” ندعوكم للانضمام خلال عام 2016 في هذه الفرصة المميزة للاحتفاء بالحياة والإرث الدائم لهذا الرجل لنضمن كما قال هو ” أن يكون العالم كله مسرح”. ومن خلال أرثه الذي خلفه، فأن شكسبير يعيش معنا.
المصدر: هنا