توالي الكشف عن الجسميات الجزئية، وبعد التحديث الجديد لمصادم الهادرونات الكبير، يصرّح العلماء: نحن مقبلون على إكتشاف المزيد.
جسيمانِ اثنان جديدان “باريونات” كلّ منهما مصنوعٌ من ثلاث كواركات، وكلّ منهما هو تطوّر غريبٌ لبروتونات ونيوترونات عادية.
اثنان من الجسيمات الجديدة المصنوعة من أنواع غريبة لكواركات ظهرت في مصادم الهادرونات الكبير (cern) في سويسرا. الجسيمات هي أنواعٌ لباريونات لم تُسبق مشاهدتها من قبل، (الباريونات هي صنف من الجسيمات التي تضم ايضاً البروتونات والنيوترونات الموجودة داخل الذرة). هذه الباريونات الجديدة كان وجودها متوقَّعاً من قبل، لكن خصائصها المحدَّدة مثل الكتلة، كانت مجهولةَ حتى اكتشافها. القياسات الحديثة ساعدتْ على تأكيد وصقل النظرية الموجودة القائلة بوجود جسيمات تحت الذرية وتساعد ايضا على تمهيد الطريق لنظرية أعمق، يمكن أنْ تتضمّنَ جسيمات غريبة أكثر.
العلماء في تجربة المصادم الكبير الخاص بالنوع “بيوتي كوارك” ذكروا اكتشاف الباريونات و التي أسمَوها (Xib’- و Xib*- ) وتُلفَظ (“زي-بي-برايم” و “زي-بي-ستار”)، في العاشر من شباط في مجلة ” Physical Review Letters” (هؤلاء العلماء نشروا مسودةً من ورقة بحثية لهم في شهر تشرين الثاني على الأرشيف العلمي الخاص بهم). “كانت هذه إثنين من الأشياء التي لابد لهما أن يكونا موجودين” هذا ما قاله ماثيو جارلز من الجامعة السادسة في باريس “بيره”، و”ماري كوري” و هو مؤلف مشارك في الدراسة والذي يقول بخصوص هذا الأمر: “بالتأكيد، ما زال علينا التفحص لأن في كل مرة سنحصل على مفاجأة”. الجسيمان يحتويان كوارك “جميل”، أو نوع بي، وكوارك “غريب” وكوارك “سفلي”. ما يميز هذه الجسيمات من بعضها البعض ومن تكتلات أخرى لنفس الكواركات الثلاثة التي قد تمّ التوصل اليها في مصادم الهادرونات الكبير، هو الترتيب الذي تدور به الكواركات.
الدوران الكمومي
الدوران هو أحد الخصائص الكمومية الأساسية والجوهرية لأي جسيم، وهو بدون وحدات ويحدث بكميات متقطعة. كل الكوارك يملك دوران بمقدار النصف. عندما يدور اثنان من الكواركات بنفس الإتجاه في داخل نفس الجسيم فإن مقدار دورانهما يُجمع، وعندما يدوران بإتجاهين متعاكسين فإنّ دوران إحداهما يلغي الأخر. خاصية الدورانية هي شبيهة بالخاصية المغناطيسية عندما تتنافر الأقطاب المتشابهة، لذلك فإن الكواركات تفضّل أن تدور بإتجاهات متعاكسة مع بعضها البعض. لكي نجعل اثنين من الكواركات تدور بنفس الاتجاه فإننا نحتاج إلى طاقة إضافية. التركيب ذو الطاقة الأقل لجسيم (Xib) هو لإثنين من أخفّ الكواركات (السفلي و الغريب) وهما متعاكسان.
الدوران الكلي لهذين الكواركين يساوي صفراً، إضافة إلى الكوارك الثقيل “بي” الذي يدور في أيّ من الإتجاهين، فيضيف نصف دورانٍ لقيمة الدوران الكلي الذي يساوي النصف. هذه هي الحالة الأساسية التي تسمى بـ (Xib*0) قد اكتشِفَت في مصادم الهادرونات الكبير عام 2012.
الباريونات المكتشفة حديثاً هي ذات تركيب عالي الطاقة. الاثنان يحتويان الكواركات الخفيفة التي تدور بنفس الإتجاه، حيث يجمع قيمة دورانها ليعطي قيمة دوران 1. الباريون نوع (Xib’-) يملك كوارك نوع “بي” يدور باتجاه معاكس للاثنين الأخرين، فيعطي محصلة دورانية بمقدار النصف (الناتج من 1 ناقص نصف). في الباريون نوع (Xib* ) دوران الكواركات الثلاثة هو في نفس الإتجاه،فيعطي قيمة دوران كلي بمقدار 1 ونصف. هذه التركيبة الثلاثية تتطلب أكبر كمية طاقة من أي التراكيب الأخرى، وهذا ما يجعل التركيب (Xib* ) الأثقل من بين الحالات الثلاث.
قبل اكتشاف هذه الجسيمات، الفيزيائيون قد خمّنوا كتلة هذه الجسيمات بناءً على نظرية تدعى (الصبغة الحركية الكمومية أو quantum chromodynamics (QC)، والتي تصف القوة القوية – واحدة من القوى الأساسية الأربعة في الطبيعة – والتي هي المسؤولة عن ربط الكواركات ببعضها. القوة القوية تعمل عن طريق جسيم يسمى “غلوونس” (بمعنى الغراء)، لذلك في داخل أي جسيم مرتبط ببعضه بواسطة القوة القوية يوجد هناك أيضاً “غلونس”. بالإضافة إلى الكواركات الأساسية وغلوونس، فإن أزواجاً “إفتراضية” من الكواركات والكواركات المضادة (المادة المضادة للكواركات) تظهر للوجود وتختفي بإستمرار. هذه الفوضى المليئة بالجسيمات تجعل الحسابات المستندة إلى نظرية (QCD) صعبةً للغاية، لدرجة أنَّ تخمين الكتلة يمكن أن يتم فقط بأستخدام حاسبات قوية وعملاقة تشغل برامج محاكاة معقدة تهدف إلى الأخذ بعين الإعتبار جميع هذه المكونات في الجسيم. من المفترض أنّنا نملك نظرية تشرح لنا كيف من المفترض أن تتصرف هذه الجسيمات، ومن حيث المبدأ يجب أن تفتح لنا أبواباً جديدة، لكن في التطبيق الواقعي، فإن قدرتنا على الحساب محدودةً جداً. يقول فرانك ويلكزك؛ وهو فيزيائي نظري من معهد المساتشوستس للتكنولوجيا والذي فاز بجائزة نوبل لمساعدته على صياغة نظرية (QCD).
القرائات الجديدة من مصادم الهادرونات الكبير تتوافق مع أفضل التنبؤات من نظرية (QCD) لكتل (Xib). “هذا تأكيد على أن هذا النهج النظري هو الصحيح وأن الحسابات هي تحت سيطرتنا” يقول الباحث في الجانب النظري ريتشارد لوشين من مختبر فيزياء الجسيمات الكندية “TRIUMF”، والذي نشر مقالة بعنوان (توقعٌ لكتل Xib ) في عام 2009. القرائات ستخدمنا كنقطة بيانات جديدة لترسيخ النظرية. “نحتاج الى أمثلة أكثر لإختبار الطرق الحسابية ونكتشف ما سنتعلمه من الطرق الجديدة”، يقول ويلكزك. “هذا النظام سيساعدنا على صقل تلك التقنيات”.
اختبار النموذج القياسي
حتى الآن، الباريونات المُكتشفة حديثاً تتصرّف حسب نظرية (QCD) و حسب “النموذج القياسي” الأكبر في الفيزياء، والذي يصف جميع الجسيمات المعروفة في الكون، لكن العلماء يعلمون أن النموذج القياسي ليس آخر الكلام، لأنه لا يأخذ في الحسبان المادة المظلمة (وهي المادة التي تبدو أنها تجذب المادة العادية الى بعضها في الكون). بأخذ قياسات دقيقة جداً لجميع تنبؤات النموذج القياسي، فإن الباحثين يأملون في النهاية إلى إيجاد الشقوق التي تقود الطريق إلى نظرية أكبر لتحلّ محلّها. “هذان الجسيمان في الواقع يخضعان تماماً الى النموذج القياسي و متوقعان” يقول تشارلز: “لكننا نأمل أن نتمكن من البناء عليهما في المستقبل للمضي قدماً أبعد من النموذج القياسي”.
الجسيم (Xib)، مثل جميع الأنواع الجديدة المكتشفة في مصادم الهادرونات الكبير (بما في ذلك الجسيم “بوزون هيجز” المشهور)، نشأ أعقاب تصادمات بين بروتونات مسرعة داخل مسارع حلقي تحت الأرض بطول 27 كيلومتر. عندما تتفتت البروتونات، فإن كتلتها وطاقتها تتحول إلى جسيمات جديدة. كلما كانت طاقة الاصطدام كبيرة، كلما كانت كتلة الجسيمات الجديدة المتكونة أكبر. في الربيع القادم فإن مصادم الهادرونات الكبير سيزداد سرعتها من جديد وبمستوى طاقة أعلى حتى الأن، بعد إنقطاع دام سنتين بسبب التعديلات. ينبغي لهذه الطاقات العالية أن تسمح بتكون جسيمات أكثر وأثقل مما تم رؤيته في أشواط سابقة، حيث من المحتمل الكشف عن الجسيمات الغريبة التي في النهاية ستوسّع حدود النموذج القياسي.
المصدر: هنا