ولكن لماذا يستمر سعر النفط في الانخفاض؟
يُحدَّد سعرُ النفط جزئيًا من خلال العرض والطلب الحقيقي، وجزئيا من خلال التوقُّعات. يرتبط الطلب على الطاقة ارتباطًا وثيقًا بالحركة الاقتصادية، ويرتفع الطلب أيضا في فصل الشتاء في الجزء الشمالي من الكرة الأرضية، وفي الصيف بالنسبة للبلدان التي تستعمل مكيفات الهواء. يمكن أن يتأثر العرضُ بالطقسٍ – قد يمنع شحن ناقلات النفط – ويتأثر أيضا بالاضطرابات الجيوسياسية. وإذا اعتقد مُنتجو النفط أن الأسعار ستبقى مرتفعة؛ فسيستثمرون أكثر مما يؤدي إلى زيادة العرض. وبنفس الطريقة؛ تقود الأسعار المنخفضة إلى قلةٍ في الاستثمار. وقراراتُ مجموعة الأوبِك هي التي تُشكِّل التوقعاتِ: فإذا خُفّشض الإنتاج بشكلٍ حاد؛ يؤدي هذا إلى رتفاع الأسعار. وتنتج المملكة العربية السعودية ما يقرب من عشرة ملايين برميلٍ في اليوم، أي ثُلْث إنتاج مجموعة الأوبِك.
لدينا الآن أربعة عوامل مؤثرة. أولًا؛ قلة الطلب بسبب ضعف الحركة الاقتصادية والكفاءة المتزايدة في الإنتاج وزيادة استخدامِ مواردِ الوقودِ الأخرى بعيدًا عن النفط. ثانيًا؛ الفوضى الأمنية في العراق وليبيا التي لم تؤثر على معدلات الإنتاج في كلٍّ منهما، والذان يُعتبَران منتِجان كبيران للنفط بما يقرب من أربعة ملايين برميلٍ يوميٍا لكلاهما، حيث يكون السوق أكثر حساسية بالنسبة للأزمات الجيوسياسية. ثالثًا؛ أصبحت الولايات المتحدة أكبر ثالثِ منتِجٍ للنفط في العالم؛ فعلى الرغم من عدم تصديرها للنفط؛ إلا أنها تستورد أقل بقليلٍ الآن، مكونةً بذلك كمياتٍ احتياطيةٍ أكبر. وأخيرًا؛ قرار المملكة العربية السعودية وحلفائها في الخليج بعدم المخاطرة بحصتهم في السوق من أجل إعادة الأسعار إلى نصابها؛ فقد كان باستطاعتهم أن يحدِّدوا مقدارَ العرضِ بصورةٍ أقوى لكي ترجع الأسعار إلى ماكانت عليه، ولكن الفائدة الرئيسية ستعود هنا على مَن هم على خلاف معهم كإيران وروسيا. في حين يمكن للمملكة العربية السعودية أن تتحمل نزول الأسعار بسهولة بالغة، فلديها احتياطي يُقدَّر بـ900 مليار دولار، كما أن كلفة استخراج النفط فيها قليلة جدًا – حوالي 5-6 دولارٍ للبرميل الواحد -.
يكون التأثير الرئيسي لهذا الأمر مُنصبًّاعلى أكثر الجوانب خطورةً وضعفًا في صناعة النفط والغاز، ومن ضمنها شركات التصديع الهيدرولي (Hydrofracking) – تقنية حقن سوائلٍ بضغوطٍ عاليةٍ في طبقات النفط قليلة النفاذية، من أجل فتح مساراتٍ لإنتاج الهيدروكاربونات منها [المُترجِم] -، حيث اعتمدت هذه الشركات على الصعود المتزايد والمستمر في أسعار النفط. وتضرَّرت أيضًا الشركات الغربية التي بدأت مشاريعًا عاليةَ الكلفة؛ من ضمنها مشاريع حفرٍ مائيٍّ عميقٍ في القطب الشمالي، أو مشاريع التعامل مع الحقول الناضجة عالية الكلفة كما في بحرِ الشمال. ولكن يقع الضررُ الأكبرُ هنا على الدول التي تعتمد أنظمتُها على أسعار النفط العالية؛ لتدفع كلفة مبادراتها الخارجية المُكلّفة وبرامجها الاجتماعية باهظة الثمن، ومن ضمن هذه الدول: روسيا (التي وقع عليها الحظر الغربي إبان أحتلالها لأوكرانيا) وإيران (التي تدفع ثمن دعمها لنظام الأسد في سوريا). يعتقد المتفائلون أن الضرر الاقتصادي قد يجعل هذه الدول أكثر انقياداً للضغطِ الدولي العالمي، أما المتشائمون فهم متخوفون من تهوُّر هذه الدول إذا ما تزايد الضغط عليها.
المصدر: هنا