بقلم: زانى مينتون بيدويس
كتبته لـ: مجلة ذي إيكونوميست
تأريخ نشره: 18 آب/ أغسطس 2020
ترجمة: أحمد خضير عباس
تصميم الصورة: حسن عبدالأمير
ذكر بيل غيتس، شريك مؤسس لشركة «مايكروسوفت» وأحد أكبر المتبرعين في العالم من خلال مؤسسة «بيل وميلاندا غيتس»، في مقابلة مع زانى مينتون بيدويس «رئيسة تحرير مجلة ذي إيكونوميست» في بداية شهر آب/ أغسطس الحالي، أنَّ الملايين سيلقون حتفهم بسبب جائحة كورونا قبل أنَّ تختفي فيما قد يُعد رسالة جادة من غيتس. وقال غيتس أيضًا أنَّ كورونا لن يكون سببًا لمعظم هذه الوفيات بل العبء الإضافي على الأنظمة الصحية والاقتصادات التي كانت تعاني مسبقًا، كما أعرب عن أسفه إزاء تسيّس الاستجابة لمكافحة الفيروس في أمريكا وانتشار نظريات المؤامرة- التي يحاول البعض توريطه بها- مما أبطأ جهود احتواء انتشار المرض، لكنه قدم أسبابًا للأمل على المدى الزمني المتوسط وتوقع أنَّ ثمة لقاح فعال سيكون جاهزًا للإنتاج بكميات كبيرة بحلول نهاية سنة 2021 وسُتحَصن نسبة كبيرة من سكان العالم تكفي لوضع حدًا للوباء فورًا.
يُعرف عن بيل جيتس اهتمامه بالفيروسات واللقاحات حتى قبل أنَّ يُكتشف فيروس كورونا أولًا في «ووهان» مقاطعة «هوبي» الصينية في أواخر السنة الماضية، وتُعد مؤسسةُ غيتس مركزًا لتحالف عالمي للقضاء على شلل الأطفال من خلال تطعيم جميع الأفراد وتخفيف عبء الملاريا وإيجاد لقاح لها. لقد مرت سنوات عديدة منذُّ أنَّ حذر غيتس من أنَّ مرضًا جديدًا يتسبب في حدوث جائحة عالمية هو مسألة محتمل حدوثها ولكن من غير المعلوم وقت حدوثها، ودعا العالم إلى إجراء «عملية محاكاة جرثومية» على غرار «المناورات الحربية» التي تنفذها الجيوش. وإضافة إلى ذلك، قد تعهدت مؤسسته في بداية ظهور كوفيد-19 بتقديم أكثر من”350 ” مليون دولار لمواجهته، يركز الجزء الأكبر من هذا المبلغ على تقليل تأثير الفيروس في البلدان الفقرة، لكن ثمة حاجة إلى المزيد من الأموال. وأضاف بيل غيتس قائلًا: « إنَّ الجميع مُلزم بإنفاق المليارات للحصول على اللقاح لإنقاذ تريليونات الدولارات التي يسببها الضرر الاقتصادي في ظل كورونا».
يُصعب نقص البيانات تقييم المدى الحقيقي للضرر الذي ألحقه الفيروس في العديد من البلدان الفقيرة، وقد سجلت المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها «هيئة الصحة العامة» في 17 آب/ أغسطس أكثر من مليون إصابة وأكثر من «25000» حالة وفاة بسبب كوفيد –19 في إفريقيا، أما الهند فقد سجلت تقريبا «52000» حالة وفاة، لكن من المُحتمل أنَّ الرقم الحقيقي في الهند وأفريقيا أعلى مما ذُكر في هذه البيانات. في الحقيقة، فإنَّ الفيروس ليس هو القوة الوحيدة المُميتة في البلدان الفقرة التي أنتشر بها، ويتوقع بيل غيتس أنَّ ملايين الوفيات لن تكون ناجمة فقط عن فيروس كوفيد –19 مباشرة بل بسبب آثاره. وقال أيضًا أنَّ ما يقرب إلى 90% ستكون وفيات لأسباب غير مباشرة. من وجهة نظره، سيقلل الحجر الصحي المنزلي من الوصول إلى أخذ اللقاحات ضد الأمراض وعلاجاتها، وسترتفع الوفيات بسبب الملاريا وفيروس نقص المناعة البشرية «الإيدز»، وستسبب الإنتاجية الزراعية المنخفضة انتشارًا للمجاعة، أما معدلات التعليم فستشهد انحدارًا أيضًا، لكن عندما يتعلق الأمر بمكافحة الفقر فإنَّ كورونا يمكن أنَّ يدمر عشر سنوات من المكاسب التي حققناها.
يدعو غيتس الدول الغنية إلى شراء اللقاح إلى الدول الفقيرة للحد من مخاطر الفيروس، وهذا ليس إيثارًا تمامًا، لكن إذا بقت بعض البلدان بؤرة للفيروس فإنَّه سيستمر بالظهور مرة ثانية بشكل مُفاجئ وغير مُتوقع، ويرى غيتس في رفع أسعار اللقاحات في الدول الغنية حلًا لمشكلة النفقات المرتفعة المصاحب لمتطلبات انتاجها من مصانع وتجارب سريرية وما إلى ذلك، فإنَّ الكلفة الهامشية لتزويد البلدان الفقيرة باللقاح ستكون مُنخفضة نسبيًا، تتراوح هذه الكلفة بين 10 و 12 مليار دولار. وبحسب غيتس فإنَّ الولايات المتحدة ستكون الممول الأكبر لهذا المبلغ إذ تتصدر دول العالم في سباق ايجاد لقاح وتطويره بإنفاق مالي يمثل 80 % من حجم الانفاق العالمي. علمًا أنَّه يحدوه الأمل أيضًا أنَّ يرى الأموال التي تُعهد بها لشراء اللقاحات إلى البلدان الفقيرة في مشروع قانون الإنفاق القادم في الكونغرس الأمريكي.
يتوقف تحقيق ذلك على ما ستفرزه السياسة فقد توقفت مفاوضات الكونغرس بشأن الصفقة القادمة لأسابيع، وقد أدى الانقسام السياسي الواضح في أمريكا إلى تعقيد الاستجابة للفيروس وظهور مشكلات في البلاد لا تواجهها بلدانُ أخرى حتى صار ارتداء الكمامة بيانًا سياسيًا أكثر من مجرد طلب نصيحة الخبراء والعمل بها كما هو الحال في أي دولة أخرى، وغيتس يعتقد أنَّه لا يُمكن التراجع عن مساعدة البلدان الفقيرة بشراء لقاح وإنْ أحدثت انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر تغيرًا في توجه من سيقود البلاد ، فبمجرد أن يفقد الجمهور الأمريكي ثقته بالسياسة وتتحول السياسة من ميادين تحليلات الجدوى الاقتصادية “ربح وفوائد” إلى الحزبية فسيكون من الصعب عكسها. ويعتقد بيل غيتس أنَّ في ظل رئاسة جو بايدين فإنَّ رفض ارتداء الكمامة قد يصبح وسيلة لأنصار دونالد ترامب للتعبير عن غضبهم ومقاومتهم.
افتقار أمريكا إلى زعامة حقيقية أعاق المسارعة في مواجهة الوباء خارج حدود البلاد اذ لطالما أخذت القوة الكبرى الوحيدة زمام قيادة الجهود الصحية العامة الدولية ومن دونها يصعب تظافر الجهود الدولية، فالتراجع عن التعددية والتعاون من خلال المؤسسات الدولية صار المزاج السائد في كثير من البلدان. ومن الصعب أيضًا أنَّ نرى هذا الاتجاه ينعكس، فالمرض يضرب الإيرادات الحكومية في كل دول العالم ضربة قاضية. أما الكرم، بغض النظر عن فائدته للمانحين والمتلقين، لا يتوفر بكثرة حين تُقلص الميزانيات المالية.
أنتاج لقاح للفيروس لا يكفي بل ينبغي على الناس أن يكونوا مُستعدين لأخذه، وفي هذا الصدد أيضًا فإنَّ الأمريكيين متخلفون عن الركب وقد أظهرت نتائج استطلاع للرأي نظمته «مؤسسة غالوب» أنَّ فردًا من كل ثلاثة أفراد يرفض أخذ اللقاح الذي ستوافق عليه منظمة الغذاء والدواء الأمريكية حتى إذا كان مجانيًا، لكن ثمة خبرٌ مُبشرٌ: أوضح غيتس أنَّ أحدث الأبحاث تقترح أنَّ فيروسات كورونا المُنتشرة والمناعة الجزئية للقاحات أمراض أخرى مُستخدمة مُسبقًا تعطيان بالفعل قدرًا كافيًا من الوقاية من فيروس كوفيد-19 كما أنها ليست معدية كالأمراض الأخرى. والآن فإنَّ أفضل تقدير يعطي نسبة 30-60% من سكان العالم سيحتاجون إلى لقاحٍ فعالٍ لوقف الوباء، لحسن الحظ فإنَّ فيروس كورونا لا يشبه الحصبة، إذن لسنا بحاجة إلى أن يأخذ أكثر من 90% من السكان اللقاح.
تنحى السيد غيتس عن منصبه بصفته رئيسًا تنفيذيًا لشركة مايكروسوفت، وأطلقت مؤسسته تحالفًا عالميًا باسم «التحالف العالمي للقاحات والتحصين» في البلدان الفقيرة وصار غيتس خبيرًا بفضل مشاركته في لقاحات شلل الاطفال والحصبة في ضمان التوزيع العادل خصوصًا في البلدان الفقيرة. يعتقد بيل غيتس أنَّ اللقاح المضاد لفيروس كوفيد-19 هو الأسرع على الأطلاق، وهنا تكمن نظرة غيتس الإيجابية حيث سيكون أسرع لقاح يُطرح في الأسواق إذا كان جاهزًا في الوقت المحدد الذي يتوقعه غيتس.
يسلك العالم المسار الصحيح لتحقيق الهدف، وثمة أكثر من 150 لقاح يُجرى العمل عليهم عالميًا، علمًا أنَّ ستة منها في المراحل الأخيرة ضمن تجارب سرسرية واسعة النطاق، فقد بلغت تبرعات غيتس في هذا المجال حتى هذه اللحظة مئات الملايين وهو مُستعد أن يتبرع بالمزيد بيد إنَّه يعتقد أنَّ الأموال التي تُقدمها المؤسسات الخاصة محدودة، لذلك على الحكومات أنَّ تأخذ زمام قيادة الُبنى التحتية الصحية للمؤسسات الخاصة والحكومية لتوزيع اللقاح، وهذا لكسب دعم الجمهور وثقتهم.. وأضاف غيتس قائلًا: «تعهدت تلك المؤسسات إلى حد الآن بتقديم 10 مليارات دولار فقط لدعم الجهود الدولية لإيجاد لقاحًا وتوزيعيه، لكن في حقيقة الأمر هذا المبلغ غير كافي.»
رابط المقال الأصلي: هنا