ترجمة: فاطمة القريشي
تدقيق: عماد رفعت مدحت
تصميم الصورة: اسماء عبد محمد
الأشعة الكونية المنبثقة من المستعرات كانت لتغير الغطاء النباتي للعالم!
ماذا لواقتربت المستعرات العظمى من الأرض؟ سيكون ذلك مريعاً. فمن مسافة لا تقل فرضاً عن 25 سنة ضوئية، كان القصف النووي الذري سريع الحركة والمعروف باسم الأشعة الكونية، ليدمّر طبقة الأوزون في الغلاف الجوي للأرض والذي يحجب معظم أشعة الشمس فوق البنفسجية الضارة عن الوصول إلى سطحها. أمّا إذا ما اجتمعت هاتين الأشعتين، الكونية وفوق البنفسجية معاً ، فقد تُباد أشكالٌ حياتية عديدة.
ورغم ذلك، سيكون اقتراب هذه المستعرات من الأرض بشكل آمن مثيراً للاهتمام، حيث سيكون له تأثيرغير منظور. وتفترض ورقة بحثية نُشرت في العدد الأخير من مجلة علوم الأرض (جيولوجي)، أعدّها كل من براين توماس من جامعة واشبورن في كانساس، وأدريان ميلوت من جامعة كانساس أن سلسلة من هذه الانفجارات النجمية لربّما أدت بالبشرية إلى الانحدار من سلالات أسلافهم والارتقاء إلى كائنات تقف على أطرافها الخلفية.
تبدأ سلسلة الأحداث التي افترضها الأستاذان توماس وميلوت بملاحظة أن 14 إلى 20 نجماً مستعراً أعظماً قد انفجرت في محيط الأرض في الثمانية ملايين سنة المنصرمة. حيث يُعتقد أن انفجارات النجوم الشابة الضخمة تلك قد حدثت في مجموعة توكانا -هورولوجيوم النجمية، والتي تبعد حوالي 130 سنة ضوئية عن الأرض.
إن أحد أسباب تصديق حدوث انفجار تلك المستعرات الفائقة هو تسرب موجات الصدمة المنبعثة منها جوار الغاز النجيمي والمجال المغناطيسي الذي يتسلل لولبياً داخل هذا الغاز. وهذا ما غمر الشمس في ما يُعرف بالفقاعة المحلية، وهي عبارة عن فراغ على شكل حبة فول سوداني طوله 300 سنة ضوئية يكون فيها فراغ الفضاء أكثر فراغاً من المعتاد، فضلاً عن إحاطته بجدار ذي غاز كثيف ومجال مغناطيسي قوي.
وبمجرد ما أن تكونت الفقاعة المحلية، بقيت ترتد أي أشعة كونية صادرة عن المستعر الأعظم من الجدار المغناطيسي وتعود إلى الفقاعة لتمشط هذه الارتدادات كل شيء داخل المجال، بما في ذلك الأرض، لعشرات أو حتى مئات الآلاف من السنين بعد الانفجار الذي كونها.
كانت بعض هذه الأشعة نواة نظير الحديد المشع الذي يتم تكوينه تقريباً في المستعر الأعظم فقط. حيث تم العثور على هذه النوى غير المستقرة مع منتجاتها المتحللة في قاع المحيطات على الأرض وفي عينات صخرية تم إحضارها من القمر، وهذا سبب آخر للاعتقاد بأن المستعرات العظمى قد حدثت بالفعل. وتعود هذه النظائر الموجودة على الأرض إلى تاريخ الرواسب الموجودة فيها، وهي أقوى إشارة منذ 2.5 مليون سنة تدل على أن هذا الانفجار كان الأقرب.
ومن الخصائص الجيولوجية التي تزامنت مع فترة انطلاق المستعرات العظمى في الفقاعة المحلية، زيادة آثار الفحم في الرواسب المحيطية. وهذا دليل على حرائق الغابات على الأرض. فبدأت هذه الزيادة منذ حوالي 7 ملايين سنة، وتزامنت مع الفترة التي تحول فيها الكثير من الغطاء النباتي للأرض من غابات إلى أراضٍ عشبية. فتمكنت هذه الحرائق التي سجلها الفحم المحيطي من تفسير هذا التحول النباتي، لأن العشب أكثر قدرة على مقاومة النيران من الأشجار. ورغم ذلك، ما يزال تفسير الحرائق غامضاً.
ويرجح الأستاذان توماس وميلوت أن مسبب الحرائق هو الأشعة الكونية من المستعرات العظمى المحلية، في حين يعدّ البرق هو المسبب الرئيس لحرائق الغابات، إلا أن الباحثين افترضوا أن تضارب جزيئات الغلاف الجوي المتولدة من هذه الأشعة يسبب البرق بكثرة. فكانت الأشعة تضرب هذه الجزيئات بعضها ببعض وتحرر الإلكترونات من ذراتها، فتفقد الإلكترونات المحررة بدورها إلكترونات أخرى، فتخلق تعاقبات مولدةً مجالاً كهربائياً؛ وهذا من شأنه تحفيز البرق.
وقد بيّنت المشاهدات مما أُجري مؤخراً على جبل في أرمينيا لتعاقبات الإلكترون الناتجة عن الأشعة الكونية العادية، أن العديد منها قد انتهى فعلياً في ومضة سريعة، وبالتالي فإن الفكرة تعدّ معقولة. وهذا ما شجع الدكتورين توماس وميلوت على حساب التأثير الذي كان يمكن أن تحدثه الأشعة الكونية للانفجار الذي حدث قبل 2.5 مليون عام على عدد التعاقبات. فاستنتجوا أن المعدل التعاقبي قد تضاعف 50 ضعفاً.
ويعتقد بعض علماء الأنثروبولوجيا أن حلول الأراضي العشبية محل الغابات قد ساعد في تطور أسلاف البشر إلى كائنات ثنائية القدم مبتعدة بذلك عن كونها كائنات متسلقةً للأشجار. فحرر هذا التغيير في الحركة الأيادي البشرية للوصول إلى كل المهارة التي تميز البشر عن الأنواع الأخرى. إن البشر، بكل مجدهم الجبار، إن صحّت سلسلة الأحداث التي افترضها الأستاذان توماس وميلوت، هم أبناءٌ لنجوم ميتة.
المصدر: هنا