كتبه لموقع “ساينتفيك أميريكان”: دان هوبر
منشور بتاريخ: 11/7/2018
ترجمة: ياسين إدوحموش
تدقيق: آلاء عبد الأمير
تصميم: مينا خالد
قد لا يبدو الأمر كذلك، لكن سكان كوكب الأرض يقفون على أعتاب ترك النظام الشمسي. وفقاً لجداول الزمن الكونية -التي تقاس بملايين السنين أو حتى مليارات السنين- لن يطول الوقت على الإطلاق قبل أن يبدأ أحفادنا في الانتشار خارجاً وعبر مجرة درب التبانة. ما لم يتوقف التقدم التكنولوجي جراء نوع ما من الكوارث الكبرى، فإن عصر عزلتنا الأرضية سوف يوشك على الانتهاء.
تخيل أنه في غضون المائة مليون عام القادمة أو نحو ذلك، تنبثق حضارة متطورة من كوكب الأرض -مثلما هاجر أسلافنا الأوائل ذات يوم خارج إفريقيا- وتتوسع عبر مجرة درب التبانة بأكملها. لقد جادل علماء المستقبل منذ فترة طويلة بأن هذه الكائنات سوف تبني هياكل حول النجوم تسمى “أفلاك دايسون” لتمتص وتستفيد من أكبر قدر ممكن من الطاقة المنبعثة من ضوء النجوم. يبدو من المعقول جداً أنه بعد 100 مليون سنة من الآن سوف يحاط كل نجم في درب التبانة بفلك دايسون، ما سيسمح بتوفير ما يقرب من تريليون تريليون أو طاقة أكثر من 24 مرة ضعف الطاقة التي ينتجها ويستهلكها البشر في الوقت الحاضر.
لا أدعي امتلاك أية معرفة عميقة حول الأمر الذي سيختارُ هذا النوع من الحضارات تسخيرَ كميات هائلة من الطاقة من أجل انجازه. ربما سيستخدمونها لمعالجة مشكلات الرياضيات التي لم يتم حلها أو لإنشاء نماذج محاكاة ضخمة لعوالم افتراضية. ربما سيوجهونها نحو توسيع حضارتهم أو إلى خلق الفن أو غيرها من المساعي. لكن بغض النظر عن أهدافهم، هناك شيء واحد واضح. يقتضي كل فعل، بما في ذلك التفكير، طاقة، وهذا يعني أنه مهما قد ترغب حضارة متقدمة في تحقيقه، فإن تسخير طاقة أكبر عدد ممكن من النجوم سيساعدها على القيام بذلك.
بالنسبة إلى هذه الحضارة، سيكون أكبر خطر يحدق بها على المدى الطويل هو توسع الفضاء. إن النجوم والكواكب والأشكال الأخرى من المادة التي تتألف منها مجرتنا مرتبطة معاً بقوى الجاذبية، وبالتالي لا نلاحظ تأثيرات هذا التوسع بسهولة. ولكن عبر مسافات أكبر، يؤدي توسع الفضاء إلى إبعاد المجرات بعيداً عن بعضها البعض بشكل مطرد، حيث يركب على ظهر نسيج الزمكان بذاته. ومما يزيد من تفاقم الأمر أن كوننا لا يتوسع فقط بل يفعل ذلك بمعدل متسارع، مدفوعًا بما يسميه علماء الكونيات “الطاقة المظلمة”.
تتمثل واحدة من أكثر الآثار المترتبة عن هذا التوسع لفتاً للانتباه في أنها تخلق حدًا مطلقًا لأي مدى يمكن أن نسافر إليه، أو حتى ملاحظته. حالياً في تاريخنا الكوني، تبعد أكثر الأشياء البعيدة التي نرى الضوء منها، أو أي شيء آخر، حوالي 46.5 مليار سنة ضوئية، وكل الفضاء خارج هذه المسافة ضائع إلى الأبد من عالمنا. وبهذا المعنى، فإننا محاطون بأفق غير قابل للاختراق، يعتبر، من جميع النواحي العملية، حدود الكون. كل شيء وراء هذه المسافة ليس محجوبًا عن رؤيتنا فحسب، بل معزول عنا تمامًا وللأبد.
ومع الإستمرار المتسارع في توسع الكون، فإن النجوم والمجرات التي كانت تقبع ذات يوم في أفقنا ستصبح بعيدة المنال. يمثل كل نجم في كوننا مصدراً محتملاً للطاقة، يمكن توجيهه نحو عدد من الإستخدامات ذات القيمة، أما النجوم التي تقبع خارج حدود أفقنا فهي عديمة الفائدة لنا. خلال الـ 100 مليار سنة القادمة أو نحو ذلك، فإن الغالبية العظمى من النجوم والمجرات في عالمنا ستصبح بعيدة المنال، ولن يتبقى أي شيء سوى عدد قليل من المجرات.
من دون حصول أي تدخل، فإن هذه النتيجة أمر لا مفر منه. لكن في آخر بحث، جادلت بأنه سيكون من الممكن لحضارة متقدمة بما فيه الكفاية تطويع توسع الفضاء، ومقاومة آثاره. في مواجهة مثل هذا الوضع، ليس من الصعب تخيل أن مثل هذه الحضارة ستقرر اتخاذ إجراءات مضادة صارمة. يمكنها على وجه الخصوص، اختيار التوسع السريع نحو الخارج ، وبناء أفلاك دايسون حول النجوم التي يصلون إليها، واستخدام الطاقة المتولدة لتسريع ودفع تلك النجوم نحو درب التبانة وبعيدا عن الأفق القريب.
في غضون مليارات السنين، سيكون بإمكان سلالتنا انقاذ تريليونات من النجوم التي كانت ستقع ضحية لتوسع الفضاء، البعيدة عن متناولنا إلى الأبد. قد تصبح هذه النجوم في نهاية المطاف ملزمة بقوى الجاذبية للنسخة المستقبلية من مجرة درب التبانة، مما يؤدي مع مرور الوقت إلى تكوين مجرات خارقة هائلة.
يمكن استخدام النجوم في نظام مثل هذا بطرق عديدة، فبالإضافة إلى الطاقة المُنتًجة عن طريق التطور النجمي العادي، يمكن دمج النجوم التي نفذ منها الهيدروجين معاً لتشكيل نجوم أكثر ضخامة يمكنها حرق الهليوم أو العناصر النووية الأخرى. قد يتم تحويل بعض النجوم إلى ثقوب سوداء، والتي يمكن أن يُستخرج مها كميات أكبر من الطاقة.
لقد تلاعب البشر منذ آلاف السنين ببيئتهم قصد تحقيق أهدافهم – إذ حرثوا الحقول وربوا النباتات والحيوانات وأعادوا توجيه الممرات المائية بالمضخات والسدود- وفي يوم من الأيام، قد تبدأ سلالتنا في تطويع بنية الكون نفسه، وإجباره على التوافق مع احتياجاتهم ورغباتهم، ما سيسمح للحياة بالازدهار لتريليونات السنين.
المقال باللغة الإنجليزية: هنا