كتبه لموقع متحف ميتروبوليتان: لورا أوريشيو
منشور بتاريخ: أكتوبر/تشرين الأول 2004
ترجمة: مازن سفّان
تصميم الصورة: أسماء عبد محمد
كان “كلود مونيه” أحد أهم شخصيات الحركة الانطباعيّة التي غيّرت شكل فن الرسم الفرنسي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. على امتداد مسيرته الطويلة، صوّر “مونيه” باستمرار المناظر الطبيعية والأنشطة الترفيهية لباريس وطبيعتها بالإضافة إلى ساحل النورماندي. وقاد الطريق نحو حداثة القرن العشرين عن طريق تطوير أسلوب فريد يسعى إلى تصوير فعل إدراكنا للطبيعة بالرسم على القماش.
ترعرع “مونيه” في النورماندي، وتعرّف على رسم المناظر الطبيعيّة في الهواء الطلق عن طريق “إيجوين بودين”؛ المعروف برسمه للمنتجعات التي أرّخت لتاريخ منطقة ساحل القناة، وبعد ذلك درس “مونيه” بشكل غير رسمي مع رسام المناظر الطبيعيّة الهولندي “يوهان يونغكيد” (1819-1891). عندما بلغ الثانية والعشرين انضم إلى مرسم الفنان الأكاديمي الفرنسي التاريخي “شارلز جلير”. وكان من بين زملاء دراسته؛ “أوغست رينوار”، و”فريدريش بازيل”، وعدة انطباعيين مستقبليين. تمتع “مونيه” في سنواته الأولى في المهنة بنجاح محدود حيث قُبلت حفنة قليلة من أعماله التي تصور المناظر الطبيعيّة، والمشاهد البحريّة، والوجوه البشريّة للعرض في الصالونات السنويّة في ستينات القرن التاسع عشر. بعد رفض عدد من أعماله الطموحة، وتلك اللوحة ذات المقياس الكبير بشكل ملحوظ “نساء في الحديقة” (المعروضة حالياً في متحف أورساي في باريس)، ألهم ذلك مونيه للانضمام إلى “إدجار ديجاس”، “إدوارد مانيه”، “كاميل بيسارو”، “رينوار” وآخرين لتأسيس معرض مستقل عام 1874. إحدى مساهمات مونيه في ذلك المعرض كانت لوحة “الانطباع، شروق الشمس” (المعروضة حالياً في متحف مارموتان مونيه في باريس)، تلقت هذه اللوحة ازدراءاً خاصاً وذلك للمظهر غير المكتمل من حيث المعالجة الحرة والأشكال غير المفهومة. رأى الرسامون ذلك النقد أنه وسام شرف، وأطلقوا على أنفسهم لقب “انطباعيين” تيمناً باسم اللوحة، على الرغم من استخدام الاسم لأول مرة بشكل ساخر.
وجد “مونيه” عناصر رسم في محيطه المباشر، حيث رسم الأشخاص والأماكن التي يعرفها أفضل معرفة. فكانت زوجته الأولى “كاميل” وزوجته الثانية “أليس” أغلب النماذج التي رسمها. توزع مخطط رسوم المناظر الطبيعيّة من شمال فرنسا وصولاً إلى لندن، المكان الذي هرب إليه مونيه من الحرب البروسية-الفرنسية التي نشبت بين عامي 1870-1871. بعد عودته إلى فرنسا، انتقل مونيه أولاً إلى آرجينتويل، والتي تبعد خمسة عشر دقيقة عن باريس بالقطار، ثم إلى الغرب إلى فيتويل وبواسي وأخيراً إلى ريف جيفرني في عام 1883. أصبحت منازله وحدائقه مزارات للأصدقاء، بما في ذلك “مانيه” و”رينوار” اللذان عادة ما رسما بجانب مضيفهما. ومع ذلك، فإن رسومات “مونيه” تمثل عين متبصرة مدهشة على تلك المشاهد، والتي احتوت على إشارات قليلة للعلاقات الأسرية.
استكمالاً للطريق الذي أسسه (رسامو الباربيزون) والذين نصبوا حوامل لوحاتهم في غابة فونتينبلو في بدايات القرن الماضي، تبنى “مونيه” ونشر التزامهم بالمراقبة الدقيقة والتمثيل الطبيعي. وحيث أن رسامو الباربيزون رسموا فقط نماذج أولية في الهواء الطلق، فقد كان “مونيه” يعمل على الرسم بالمقياس الكبير مباشرة، ثم عند عودته إلى مرسمه يقوم بالتصليحات وينهي الرسم. كما دفعه سعيه إلى تصوير الطبيعة بشكل أكثر دقة إلى رفض الاتفاقيات الأوروبيّة التي تحكم التكوين، اللون والمنظور.
شددت ترتيبات “مونيه” غير المتناظرة للأشكال، من خلال تأثره بالرسومات الخشبية اليابانيّة، على الأسطح ثنائية البعد عن طريق صرف النظر عن المنظور الخطي والتخلي عن التشكيل ثلاثي الأبعاد.
وجلب سطوعاً نابضاً بالحياة إلى رسوماته باستخدام ألوان غير مدمجة، مضيفاً مجموعة من النغمات إلى ظلاله، وإعداد اللوحات الزيتيّة باستخدام برايمر (غراء يستخدم لتجهيز قماش اللوحة) فاتح اللون بدلاً من الأسطح المظلمة المستخدمة في لوحات المناظر الطبيعيّة التقليديّة.
بلغ تسجيل مونيه للعمليات الحسية الإدراكيّة أوجه في سلسلة من رسوماته*، والذي ساد على إنتاجه في ثمانينات القرن التاسع عشر. في كل سلسلة، رسم المشهد نفسه مراراً وتكراراً ليسجل كيف يتغير المشهد مع مرور الوقت خلال اليوم. يبدو الضوء والظل كشيء جوهري على الحجر في سلسلة رسوماته لكاتدرائية رون. كما يقال أنه استأجر غرفة مقابلة للواجهة الغربية للكاتدرائية في عام 1892 وعام 1893، حيث عَمل على عدة لوحات زيتية للكاتدرائية ويتنقل بينها بحسب تغير درجة الضوء. وفي عام 1894، أعاد صياغة اللوحات إلى صيغتها النهائية.
في العقد الأول والعقد الثاني من القرن العشرين، ركز مونيه على تصوير زنابق الماء التي زرعها في شقته في جيفرني. تصور سلسلة رسوماته الأخيرة البركة في مجموعة من اللوحات ذات الحجم الجداري حيث تظهر الأشكال المجردة للنباتات والماء من الضربات الواسعة للون والقوام الممزوج بشكل معقد.
بعد موت مونيه بفترة قصيرة( كرجل محترم وثري بعمر السادسة والثمانين) قررت الحكومة الفرنسية وضع رسمته الأخيرة لزنابق الماء في متحف شُيد خصيصاً في منطقة أوغانجغي في باريس، حيث لا تزال معروضة هناك.
*[Haystacks [1891
[Poplars [1892
[Rouen Cathedral [1894
المقال باللغة الإنجليزية: هنا