كتبه لصحيفة “ذا غارديان”: مايكل وود
منشور بتاريخ: 10/11/2010
ترجمة: رشا الطويل
تصميم الصورة: أحمد الوائليّ
في الرحلة من شمالي السماوة إلى بغداد، مروراً بجسر يقطع نهر الفرات، ينتهي الطريق المعبد عند نقطة تحولنا جهة الشرق لنمر عبر أراضٍ قاحلة مغبرة اللون، ومن دون إبطاء نجد أنفسنا وسط الصحراء الحقيقية حيث تكثر العواصف الرملية. هناك، وبعد قرابة 60 كيلومتراً، يتجلى للعيان مشهد لا ينسى.
تلوح في الأفق تلال بنية، تبدأ العين في تكوين أشكال غير محددة في بادئ الأمر، ثم ما تلبث تلك الأشكال أن تأخذ شكل الزقورة المتآكلة (الزقورة: برج هرمي الشكل كان قدامى البابليين والآشوريين يكتبون عليه آثارهم وانتصاراتهم – المترجمة) التي تتشكل على هيئة الآلهة عشتار و الإله آنو (“إله السماء”). هذه هي أوروك (أو الوركاء)، البقعة التي لا يضاهيها في أجوائها الفريدة وتاريخها الإنساني المليء بالمعالم التاريخية البارزة إلا القليل من بقاع الأرض.
بدا وليام لوفتس مأخوذاً (هو أول مستكشف يرى هذه المعالم في عام1849) وهو يروي: “لا يتبادر لذهني شيء أكثر روعة ولا أكثر تشويقاً من رؤية هذه الدعائم الكلدانية التي تلوح بعظمة وفخامة متفردة عما حولها من الأراضي المنبسطة و المستنقعات … تتفوق اوروك بشكل منقطع النظير على جميع المواقع التاريخية التي زرتها في حياتي.”
أربعة الآف عامٍ من التاريخ
يسميها الأكديون أوروك، والسومريون أونوك، واسمها إيرك في الإنجيل و أوريتش في اليونانية، تأسست هذه المدينة في القرن الخامس قبل الميلاد وبقيت صامدة خلال الألفية الميلادية الأولى. حكمها الرومان، الفرس ومن ثم العرب المسلمين لغاية القرن السابع الميلادي ثم تم هجرها، باستثناء سكانها من البدو والذين لا تزال خيمهم السوداء تعانق السماء. لا يزال هنالك الكثير من الجدل بين علماء الآثار حول ما إذا كانت أوروك هي فعلاً “أم المدن”. يقال بأنها كانت منشأً للكتابة، الرياضيات والأدب، والقليل قد يجادل في كونها إحدى أعظم الرموز التاريخية البشرية.
يعكس حجم الموقع الكبير، كم الإنجازات العظيمة لبلاد الرافدين، أولى حضارات العالم. داخل أبوابها الغرينية التي تبرز من بين كثبان رملية شاسعة، تمتد المدينة التي تعود لـ 3000 سنة قبل الميلاد، على عرض ثلاث كيلومترات ومحيط دائري ممتد لـ 9 كيلومترات. بعد مرور قرن من الزمان على الحفريات الأثرية، تنكشف للناظر منصات عظيمة وحواجز قرميدية محروقة (كان البناء في بلاد الرافدين يتم باستخدام القرميد المحترق وهي صفة مميزة لهذه المنطقة – المترجمة) تبدو وكأنها دعائم لناطحات سحاب صغيرة.
تحت أقدام الزوار تتواجد طبقات من الصخور الرسوبية المنتظمة الممتدة على عمق 75 قدم، والتي تحتوي على تحف فنية قيّمة مبعثرة، تشهد على التاريخ البشري: أقداح من العصر الإسلامي، أوانٍ إغريقية، توابيت طينية تعود للإمبراطورية البارثية (الأثية أو الفارثية أو البارثية، هو اسم منطقة تاريخية في شمال شرق إيران تعادل تقريباً غرب خراسان عرفت بكونها المركز السياسي والثقافي للسلالة الأرشكية التي حكمت الإمبراطورية البارثية – المترجمة)، قطع من أوان فخارية سوداء مخضرّة تعود لحقبة العُبيد (عهد العُــبَـيد، 3800 – 6500 سنة قبل الميلاد، هي فترة زمنية تعود لما قبل التأريخ المدوّن لبلاد الرافدين، والاسم مشتق من تل العُـبَـيد الذي يقع في غربي أور في جنوب العراق وتحديداً محافظة ذي قار، حيث قامت أول جهود لاستكشاف هذه الحقبة على يد عالم الآثار هنري هال – المترجمة )، و مناجل طينية كانت تستخدم من قبل السكان المحليين لمنطقة مابين النهرين نحو 5000 عام قبل الميلاد. في هذه البقعة من العالم تتلخص صورة الحضارة: نهوضها، نموّها ونضجها، انتصاراتها و ربما .. نهايتها أيضاً.
تماماً مثل حضارات النيل أو نهر السند، يرجع الفضل في نشوء حضارة بلاد الرافدين وكما يوحي اسمها (“بلاد مابين النهرين”) إلى نهري دجلة والفرات. بدأت المجتمعات البشرية بالنمو الشامل قبل ما يقارب 10,000 عاماً قبل الميلاد على شكل قوس يمتد من سوريا، فلسطين، والأناضول ومروراً بسلسلة جبال زاجروس. كانت أول المستوطنات الشاملة في أريحا و كتال هياك – Katal Huyuk في الأناضول، مبنية بشكل جيد ولكنها كانت لاتزال صغيرة نسبياً. في الواقع، لم يبدأ جنوبي العراق باستقطاب أعداد كبيرة من السكان والموارد إلاّ بعدما تم اختراع أنظمة ري جديدة ومعقدة. ولكن على الرغم من ذلك كانت لا تزال تلك البقعة محصورة نسبياً فقد امتدت بلاد الرافدين على اتساع 25,000 كليومتر مربع من الأراضي المرويّة – وهذا يقارب المساحة الأولية لمصر القديمة.
تكونت أقدم المدن الكبيرة والدول منذ الألف الرابع قبل الميلاد، والتي أثرت حضاراتها وثقافاتها في جميع نواحي الحياة على امتداد غربي قارة آسيا – وأبعد من ذلك. في الألف الثالثة قبل الميلاد، كان هنالك ما يقارب 40 مدينة في سومر و أكّد، واللتان كوّنتا معاً الأراضي البابلية.
إنها ولاية حاكمة واحدة كبيرة، لكش (والتي يمتد موقعها لما يزيد على ثلاثة كيلومترات)، كان يوجد فيها 36,000 رجلاً بالغاً في الألف الثالثة قبل الميلاد، مما يشير إلى وجود قرابة 100,000 فرد ككل. كانت أوروك مشابهة لـ لكش تقريباً من حيث الحجم. امتد حكم كل واحدة منها على مدى شاسع: ففي نيبور على سبيل المثال، كان يوجد 200 قرية متجمعة حول خمسة قنوات مائية رئيسية و 60 قناة مائية صغيرة، مرتبطة بشبكة من الأخاديد المائية التي لا تعد ولا تحصى – تخضع كلها لمجموعة من القوانين والأعراف وتخضع كذلك للفحص الدقيق. تغذت هذه التطورات الحضرية على الشبكات التجارية، والتي في حالة أوروك كانت نتاج الربط بين الأناضول وسوريا وجبال زاجروس.
تظهر الأبحاث الحديثة بأن بلاد الرافدين لم تكن مهداً لأول ثقافة تجارية في العالم فحسب، بل وكانت منشأ أول سوق خاصة للأوراق المالية أو (البورصة) في العالم. ليس من الغريب بعد ذلك إذاً أن نعلم بأن الكتابة، تدوين القوانين كقانون العقود و المعاهدات الدولية كلها أنشأت للمرة الأولى في هذه المنطقة، فالتاريخ لا يبدأ وحده في سومر، بل ويبدأ الاقتصاد أيضاً!
الفن و الحرب
من يا ترى هم هؤلاء الأشخاص الذين قاموا بهذا الإنجار العظيم في التاريخ البشري؟ السومريون كانوا سكان ما قبل التاريخ في سهول جنوب العراق. لا تبدو انتماءاتهم العرقية واللغوية واضحة حتى الآن، فلغتهم ليس لها علاقة بأي لغة معروفة أخرى بالرغم من وجود العديد من النظريات حول ذلك.
خلال الألف الثالث قبل الميلاد، نشأت علاقة وطيدة بين السومريين والأكديين الذين عاشوا في هذه السهول – المنطقة التي تقع الآن جنوبي بغداد، وتعد الكثير من الإنجازات الحضارية لبلاد ما بين النهرين نتاجاً لهذا التعايش بينهما. على الرغم من ذلك إلاّ أن اللغة السومرية اندثرت كلغة حية نحو 1600 عاماً قبل الميلاد، مما جعلها حكراً على العلماء البابليين، طلاب العلم والمتدينون المتمسكون بالطقوس الدينية القديمة فقط. في غضون الوقت الذي كانت فيه آخر النصوص المسمارية البابلية تكتب في العهد الإغريقي قرابة الألف الثانية قبل الميلاد، كانت اللغة الأكدية قد حلت محل السومرية منذ زمن، باعتبارها لغة الأدب والفصاحة في بلاد الرافدين. السومريون أنفسهم كانوا قد تلاشوا شيئاً فشيئاً في المزيج متعدد الأعراق من العراق القديم.
في أوائل خمسينيات القرن التاسع عشر، عندما بدأت أولى حفريات التنقيب عن الآثار في العراق، كان الفكر السائد لا يزال محصوراً في أن الحضارة بدأت في اليونان وروما والديانة اليهودية أو المسيحية. وعلى الرغم من أن أوروك وأكّد وبابل كانت جميعها مذكورة في سفر التكوين، إلاّ أن أحداً لم يكن ليتصور بأن هذه الحضارات القديمة جداً كان لها بالغ الأثر في تكوين ثقافات الشرق الأدنى والبحر المتوسط. في ذلك الوقت لم يكن معروفاً بعد بأن بلاد الرافدين كانت منشأ الكتابة، الأدب، الرياضيات، العلوم، الفلك، الهندسة (في اختراع العجلة)، وأقدم شيفرة قوانين في العالم. حتى اليوم، عندما نقوم بحساب الزمان والمكان في مضاعفات من 12 و 60، فنحن نقوم بذلك بفضل علوم بلاد الرافدين.
الإبداع والصراع
ولكن إذا كانت بلاد الرافدين مهداً للثقافة والابتكارات التكنولوجية، فهي ستكون أيضاً مركزاً للنزاع المستمر. فمع عدم وجود حدود جغرافية لحمايتها من الدول المجاورة، كانت المنطقة مهددة دوماً من قبل البدو والغزاة الخارجيين. ولكن الأمر لم يقتصر على ذلك فحسب، فقد كان سكانها أيضاً في صراع داخلي على الموارد، وخصوصاً المياه. ليس من المدهش بعد ذلك إذاً أن نعلم بأن هذه البقعة قد حوت أول قانون منظم في التاريخ – وأول حرب منظمة أيضاً.
كان تاريخ بلاد الرافدين استثنائيّ الإبداع و استثئنانيّ العنف والدمار أيضاً، موسوماً بالغزوات المستمرة والحروب المدمرة التي دحرت المنجزات الحضارية العظيمة مرات عدة، بدءاً من خراب سلاسة أور الثالثة على يد المغول، والتتار والسلاجقة، وانتهاءً بوحشية الحروب الأخيرة.
ومع ذلك، فقد نهضت حضارة واحدة من حطام هذه الصراعات العديدة – العراق، الأرض التي أطلق عليها المؤرخ الفرنسي فيرناند برادويل اسم “أرض المصير الفريد”. كانت شخصية الفرد العراقي مختلفة جداً عن شخصية الأفراد الذين ينحدرون من الحضارة المصرية القديمة.
كان العراقيون الأوائل يتسمون بالتشاؤم فيما يتعلق بمصير الإنسان – وحتى الشعراء عبروا في قصائدهم عن مدى هشاشة الحضارة الإنسانية وبأن زوالها محتوم لا محالة. تنعكس هذه الرؤية في مضمون الأدب القديم وصولاً إلى الشعر العراقي الحديث الزاخر. هذا ،ربما، يفسر أيضاً لماذا أصبح الرثاء طقساً تقليدياً في العراق القديم ولا يزال كذلك في التشيع العراقي، إنها الهوية الثقافية التي يتسم بيها العراقيون إلى اليوم بين غيرهم من الدول العربية الأخرى.
متى وكيف كانت نهاية العراق القديم؟ ينبغي أن نلاحظ بأنه لايوجد حد فاصل في الثقافة العراقية بين العالم القديم والعصور الوسطى. قد يبدو غزو الاكسندر عام 331 قبل الميلاد وكأنه النهاية على الورق، لكنه كان في الواقع تدشيناً لأعظم عصور أوروك التي استمرت خلالها الحضارة الإغريقية متعددة اللغات طيلة ألف عام من الزمان وامتدت على مساحة شاسعة وصولاً إلى الهند.
كان الفتح العربي لبلاد الرافدين في القرن السابع بعد الميلاد نقطة تحولٍ ثقافي أخرى في تاريخ المنطقة، ولكن حتى ذلك الحين، كان التغيير بطيئاً وموسوماً بتأثير مباشر على العقليات والأفكار بدلاً من الثقافات المادية والأعراف.
فمثلما تسلّمت الديانة المسيحية الحكم من الإمبراطورية الرومانية في الغرب، فإن الإسلام تسلم زمام الحكم في غربي آسيا والشرق الأدنى، ومن هذا المنطلق فإن من الممكن أن ننظر للإسلام على أنه استمرار لثقافة أكثر قدماً بكثير.
بغــداد، عاصمة الخلافة التي بُنيت عام 762 بعد الميلاد، كانت لا تزال مدينة كبيرة مبنية من الطوب المحروق على طريقة بلاد الرافدين القديمة. وإذا كان التغيير بطيئاً في بغداد، فقد كان أكثر بطأً في بقية المدن القديمة. مدينة نيبور المقدسة، على سبيل المثال، استمرت في كونها مركزاً إقليمياً يضم طلاب العلم – المسيحيين واليهود والمسلمين على حد سواء. كانت بلدة عراقية مفتتة ومجزأة، مع تيه من الأزقة المتعددة والتي تبدو كأربيل اليوم أو كركوك القديمة، تحوي مساجداً، كنائساً، معابداً يهودية و صوفية و حتى محاميّ التلمود. بعيداً في الأرياف، صمدت ديانة بلاد الرافدين القديمة حتى عام 1000 بعد الميلاد بين جموع القبائل الوثنية التي عبدت آلهة المياه البدائية التي تسكن الإله الإغريقي “إنكي”.
في العراق، يعتبر غزو المغول عام 1258 الحد الحقيقي الفاصل بين العالمين القديم والجديد، حيث حطمت جميع فنون الري العظيمة وأهلك السكان المحليون. ولكن على الرغم من ذلك، إلاّ أن العالم القديم لم ينتهِ هناك أيضاً. فحتى اليوم، نستطيع رؤية سمة قوية من سمات الحضارة البابلية القديمة متجسدة في مراسيم عاشوراء التي يحييها الشيعة في شوارع مدينة النجف والتي ترجع أصولها لمراسم الرثاء البابلية القديمة. يمكن للمرء أن يلحظ رابطاً حتى في الزي التقليدي : وصف هيرودوت للباس البابلي النموذجي – الكفية/الجفية و الجلابية و الدشداشة – يمكن أن يرى اليوم في أي مكان في العراق.
مظهر آخر من مظاهر التأثير الثقافي لحضارة بلاد الرافدين هو الانطباع الذي خلفته في الأدب الغربي والعربي على حد سواء. كانت إعادة اكتشاف آدابها القديمة في القرن التاسع عشر قد شددت علاقتها بالإنجيل: مثل قصص نوح، الفيضان العظيم، برج بابل أو جنة عدن. كانت جميعها تعود إلى ماقبل العهد القديم. تصور حزقيال البابلي في “الشبه ومجد الله” عائد كلياَ لبلاد الرافدين. مع ذلك فقد اخذ العلماء وقتاً طويلاً ليتوصلوا إلى فهم حقيقة أن الأدب العربي والإغريقي كانا مخترقين بالعديد من الأفكار والصور والقصص التي تعود لحضارة بلاد ما بين النهرين.
كانت حكايات “جلجامش” الملك الأسطوري لمدينة اوروك، ذات تأثير قوي، وقد تكون العمل الأدبي الأكثر تأثيراً في العالم أجمع. أصبح من الواضح الآن، على سبيل المثال، بأن حكايات ألف ليلة وليلة ماهي إلا تحولات طفيفة للروايات البابلية القديمة التي كانت متداولة شفوياً لوقت طويل.
ينطبق الشيء نفسه على سعي جلجامش العظيم للفوز بسر الحياة الأبدية، رحلة الروح التي تتبلور في الحكايات الصوفية الإسلامية، وكما يبدو، جحيم “دانتي” أيضاً. الأدب الإغريقي القديم – وعلى وجه الخصوص هوميروس، هيسيود والتقليد الملحمي القديم – كان مشتقاً في الشكل والمحتوى من حكايات جلجامش. باختصار، فإن حضارة بلاد الرافدين لاتزال حية فهي تتجسد في طرق تفكيرنا، حسابنا للزمان وتقديرنا للعالم ككل، بل وأيضا في القصص والروايات التي نحب.
بلاد الرافدين في عهد صدام
كان تاريخ بلاد الرافدين في عهد صدام محكوماً بالبعثيين: تم تنفيذ مشاريع ترميم واسعة النطاق، بعضها كان مثيراً للإعجاب بحق (مثل الزقورة في أور)، بعضها الآخر بدا مصاباً بجنون العظمة (كإعادة بناء قصر بابل وختم اسم صدام بعد كل 12 طابوقة). كانت الجداريات واللوحات الإعلانية التي تصور صدام تقابل المسافرين أينما حلوا، تارة نجد صدام يمتطي صهوة جواد الحسين الأبيض في كربلاء، وتارة أخرى صدام يتسلم ألواح القدر من آشور ناصر بعل بنفسه. ولكن التدمير الحقيقي لتراث البلد كان بسبب حربي عام 1991 و2003.
الأجيال السابقة، بطبيعة الحال، شهدت عمليات نقل للعديد من الكنوز العراقية إلى لندن وباريس وبرلين، لكن ما تبقى كان قد تعرض لأضرار جسيمة. المواقع الكبيرة مثل اوروك ونيبور بقيت حية، لكن بابل تضررت بشكل سيء والمناطق المنعزلة تعرضت لعمليات سلب – أومة (محافظة ذي قار الآن – المترجمة) أحد أقدم المدن في العالم، أصبحت الآن مشوهة بالعديد من الحفر الناتجة عن أعمال الحفريات غير المشروعة وقد ظهرت في الأسواق الفنية العديد من اللوحات الطينية التي تعود لمكتبات المعبد نتيجة لهذه العمليات. تضررت أيضاً مكتبة العراق الوطنية، وتم الإبلاغ عن تلف الكثير من الفهارس الحديثة.
كما الحضارات العريقة الأخرى – كاليونانية، الهندية، الصينية، والفارسية – امتلك العراق القدرة على إعادة إعمار نفسه عبر الأزمان، والحفاظ على هويته الخاصة المميزة. يطالبنا مؤلف ملحمة جلجامش أن نتأمل روعة الحضارة الإنسانية فيقول: “سيروا على سور اوروك العظيم … أي إنسان هذا من يستطيع أن يضاهيها؟ تجولوا، وامضوا، وأطلقوا العنان لأنفسكم – انظروا لهذه الأسس العظيمة. أليست مذهلة بالفعل؟ لابد وأن الحكماء السبعة قاموا بوضعها بأنفسهم!” إن إعجاب المؤلف بهذه المنجزات التاريخية للجنس البشري لهو مدعاة لمزيد من الألم، تعتصرنا مشاعر الحزن ونحن نزور اوروك الحاضر ونشاهد الطائرات النفاثة المحتشدة وسط الحطام … حطام زماننا هذا.
المقال باللغة الإنجليزية: هنا