كتبه لموقع ”ذي أتلانتيك“: أليخاندرو شاكوف
نُشر بتاريخ: 12/7/2018
ترجمة : ياسين إدوحموش
تدقيق: آلاء عبد الأمير
تصميم: مينا خالد
تزخر بطولة كأس العالم بتاريخ طويل من حالات الظلم. هدف “دييغو مارادونا” السيء السمعة المعروف باسم “يد الله”، الذي استخدم فيه اللاعب الأسطوري يده لتسجيل الهدف، ساعد الأرجنتين على الفوز على إنجلترا في الدور ربع النهائي في كأس العالم عام 1986. في نهائي نسخة عام 1966، الذي جرى بين إنجلترا وألمانيا الغربية، تسديدة من جانب المهاجم “جيف هيرست” فشلت في عبور خط المرمى، ولكن تم احتساب الهدف على أي حال، ما سمح للبريطانيين بكسر التعادل الشرس.
في العديد من الحالات التي شهدها تاريخ كرة القدم، كان من الممكن أن يساعد اللجوء إلى مقاطع الإعادات الحكام على تصحيح أخطاءهم، وربما تغيير مسار المباراة والتاريخ. لكن حتى وقت قريب، كانت كرة القدم تقاوم مقاومة عنيدة مثل هذه التكنولوجيا. لقد وُضعت الأجهزة الإلكترونية التي تساعد على تحديد ما إذا كان قد تم تسجيل هدف حيز التنفيذ في بطولة كأس العالم السابقة، وهذا العام، إذ قامت الفيفا أخيراً بإعطاء فرصة للإعادات عن طريق الفيديو. في حجرة عمليات مركزية في موسكو، يتواصل حكم الفيديو المساعد – أو تقنية (في أي آر) – وثلاثة مساعدين آخرين لديهم إمكانية الوصول إلى العديد من الكاميرات على أرضية الملعب مع الحكم الرئيسي لكل مباراة من خلال سماعة أذن، للمساعدة في اتخاذ القرارات الصعبة.
وفي الوقت الذي نجحت فيه في إلغاء بعض القرارات السيئة، كانت النتيجة مخيبة للآمال إلى حد كبير. ويرجع هذا جزئياً إلى أن التكنولوجيا الجديدة جلبت معها العديد من التعقيدات الجديدة، لكن ذلك أيضًا لأن كرة القدم، في أبسط مستوياتها، وُجدت لتكون غير عادلة.
بدايةً هناك مشكلة تتعلق بتحديد القرارات التي يستحق عندها اللجوء لإعادة الفيديو. على الرغم من أن تقنية الفي أي آر يمكنها المساعدة على اتخاذ القرارات، إلا أن قرار مراجعة اللعب ما زال بيد الحكم. في الشوط الأول من المباراة التي جمعت بين السويد وألمانيا، رفض الحكم التحقق من الإعادة في ما بدا وكأنها ضربة جزاء واضحة تسبب بها مدافع ألماني على حساب مهاجم سويدي. في مباراة ربع النهائي بين البرازيل وبلجيكا، اعتبر الحكم تدخل المدافع البلجيكي “فينسنت كومباني” على المهاجم البرازيلي “غابرييل جيسوس” داخل منطقة الجزاء بأنه لا يستحق الإعادة، على الرغم من أن الحكم كان يقف في منتصف الملعب، وكان يستمع إلى سماعة الأذن لفترة طويلة (تظل المحادثات بين الحكم الرئيسي ومساعديه سرية خلال المباراة).
لقد بدا الحكام مترددين في طلب إعادة الفيديو بشكل متكرر، ربما لأنهم لا يريدون أن يظهروا ضعفاء؛ فاللاعبون سريعون في اشتمام رائحة تردد الحكم. وعلاوة على ذلك، يبدو أن بعض الألعاب -مثل حالات الإمساك والتدافع أثناء الركلات الركنية – بقيت بمنأى عن تدقيق تقنية الفي أي آر، ربما لأن الحكام يخشون أنه من الصعب جداً منح العديد من ضربات الجزاء.
لاتخبرك الإعادة دائماً بالقصة الكاملة، حيث لا تضمن مقاطع الفيديو البطيئة وجود إحساس واضح بالاحتكاك أو التعمد. ليس من المفيد أيضاً كون العديد من اللاعبين المحترفين قد أمضوا حياتهم وهم يدربون أنفسهم على فن الخداع، مما يجعل ما يبدو غالباً متعمداً وكأنه مجرد حادث، مثل ملامسة الكوع “عن غير قصد” لرقبة الخصم، وفقدان المدافع “عن طريق الخطأ” لتوازنه وسقوطه على صدر المهاجم. إن دهس اللاعب المكسيكي “ميغيل لايون” على كاحل المهاجم البرازيلي “نيماردا سيلفا سانتوس جانيور” الذي كان قد أصيب في وقت سابق خلال الدور الثاني من نسخة كأس العالم لهذا العام، هو نوع الحوادث التي لايتبقى فيها للحكم سوى غرائزه التفسيرية. وتعد النطحة الغريبة و المائعة بمؤخرة الرأس (هل كان ذلك بمؤخرة الرأس؟) التي وجهها المدافع الكولومبي “ويلمار باريوس” نحو لاعب خط الوسط الإنجليزي “جوردان هندرسون” حالة مشابهة.
تبدو هذه التعقيدات باهتة بالمقارنة مع حقيقة أن الخداع متغلغل في نسيج اللعبة، فكرة القدم، باعتبارها رياضة، لا مصلحة لها في أن تكون مستقيمة أخلاقياً، أو حتى عادلة. لعبة تحدث فيها العديد من الأحداث – 22 لاعباً يركضون وراء كرة على ملعب ضخم طيلة 90 دقيقة – وشيء واحد فقط (الكرة في الشباك) هو ما يهم، تبدو في الواقع، مصممة بشكل سادي وبسيط على أن تكون غير عادلة. يحفز الإعداد اللاعبين على بذل كل ما في وسعهم للتلاعب بجميع الأحداث البسيطة التي قد تؤدي إلى تسجيل هدف. في نهائيات كأس العالم هذه، أدت محاولات “نيمار” للتلاعب بالأخطاء إلى توليد معظم الميمات، لكن التلاعبات في كرة القدم واسعة الانتشار ومتنوعة؛ يتقدم حراس المرمى إلى الأمام للحصول على فرصة أفضل للتصدي لركلة جزاء؛ يقوم المدافعون بالتلويح بأذرعهم في الهواء للتظاهر بأنهم لم يلمسوا الخصم؛ لاعبون يدَعون إصاباتهم لإضاعة الوقت (خدعة يبدو أن الحكام في هذه البطولة غافلين عنها بشكل خاص). إن تخبط نيمار هو أكثر أشكال الخداع وضوحاً.
لقد أكدت مباراة الدور الثاني بين إنجلترا وكولومبيا خلال كأس العالم هذه -مسرحاً للغطس، والنحيب، والتمثيل السيء من كلا الجانبين- أن الخداع في كرة القدم ليس قائماً على أساس الثقافة، أو نتيجة خلل في البوصلة الأخلاقية لعدد من اللاعبين، إذ تعتمد الوتيرة التي يمكن للاعبين من خلالها العبث أو الإخلال بالقواعد عادةً على عدة متغيرات، تتراوح بين أهمية المباراة، إلى الإستقرار النفسي للفريق الآخر، إلى الإدراك الذي قد يكون لدى اللاعبين لسلطة الحكم. لكن محاولاتهم الحثيثة لتغيير مجريات اللعبة لصالحهم تبدو طبيعية.
تستخلص كأس العالم بعض من هذه الصفات الخلقية، إذ تراهن على الفائز الذي يظفر بكل شيء. لا يمكن لأي بطولة تختار الفائز من خلال ثلاث مباريات في مراحل المجموعات وأربعة مباريات إقصائية أن تدعي اهتماماً كبيراً بالأداء من خلال الأرقام أو الإنصاف. يبدو أن تحديد الفائز عن طريق الاحتكام لضربات الترجيح فكرة طفل عن كيفية فك شيفرة التعادل. وحتى الجدول الزمني للبطولة -جميع المباريات تقام في شهر واحد، مرة كل أربع سنوات – تضفي صفة قاسية واعتباطية.
في الواقع، تتوق البطولة للكوارث والمفاجآت، وعدم القدرة على التنبؤ بها قد تكون، في الواقع، أفضل فائدة جانبية على الصعيد الأخلاقي المظلم لكرة القدم، فلا يوجد مكان يُعامل فيه المستضعف بشكل أفضل، ولا يوجد مكان تعاقب عليه الغطرسة عقاباً أشدّ. في مقابلة أُجريت معه العام الماضي، تحدث المدرب الألماني “يواكيم لوف” قائلاً: “نحب أن نفكر بأننا نملك ملهمين بيننا”، قبل أن يتعرض فريقه للإقصاء من مرحلة المجموعات على يد فريق بطولي ولكن غير موهوب للغاية اسمه كوريا الجنوبية. ابتهج البرازيليون قائلين: “البرازيل هي الآن المرشح المفضل “، قبل أن تفاجئهم بلجيكا.
قد نطلب أكثر من اللازم من تقنية (في أي آر) حين نتوقع أن تقضي على التزام كرة القدم العميق والواضح بالغموض الأخلاقي. غالباً ما تحل الابتكارات في كرة القدم لغزاً واحداً لتخلق آخر. وبوسع المرء أن يشعر بالاستياء من ضعف اللعبة أمام التفسير، أو نتائجها غير العادلة في كثير من الأحيان، أو بوسع المرء تقبلها. عادةً ما يكون الخيار مرهوناً في ما إذا كان فريقك قد استفاد في النهاية.
المقال باللغة الإنجليزية: هنا