كتبه ل(كوزموس ماغازين): ريتشارد لوفت
نشر بتاريخ: 14/4/2018
ترجمة: أحمد طريف المدرس
مراجعة وتدقيق: نعمان البياتي
تصميم: مينا خالد
يقول العلماء إن العواصف الشمسية الضخمة ربما ساعدت في إزالة الغازات غير المرغوب بها من الغلاف الجوي للأرض، كما ساعدت على ظهور المواد الكيماوية التي أدت إلى الحفاظ على درجة حرارة مناسبة لحفظ الماء السائل على الأرض والمريخ، في وقت كانت الشمس تنتج فيه طاقة أقل بنسبة 30٪ مما هي عليه اليوم.
في وقتنا الحالي، ستكون هذه العواصف كوارث، فقد تسبب أعطالاً في شبكات الكهرباء والاتصالات، ولكن في وقت مبكر من تاريخ نظامنا الشمسي، كانت العواصف الأضخم من أي مثيل عرفته البشرية، أمراً اعتيادياً.
“لقد كانت الأرض معرضة لها باستمرار” يقول الفيزيائي (شيغوميزو نغويرا) من وكالة ناسا، إذ كان قد ذكر ذلك في ندوة ترعاها ناسا تحت عنوان (بيئات الكواكب الأرضية في ظل الشمس اليافعة: بذور الجزيئات الحيوية) في ولاية مريلاند.
ويضيف (نغويرا): إن الإشعاع القادم من العواصف الشمسية هذه، يضخ الغلاف الجوي العلوي للأرض بالطاقة، وقد تخترق بعض الإشعاعات بعمق الغلاف بشكلٍ كافٍ لتكوين سلسلة من التفاعلات الكيميائية التي ستمتد إلى ما دون الغلاف الجوي.
وبحسب (فلاديمير أيرابيتيان) عالم الفيزياء الفلكية في وكالة ناسا: “ضخت هذه العواصف طاقة في الغلاف الجوي العلوي أكثر بـ 100 مرة مقارنةً بالعواصف الحالية، وسبّبَ ذلك تسخين الغلاف الجوي العلوي لمئات الآلاف من الدرجات مسبباً ظهور بالونات خارجية، حيث يمكن بسهولة فقدان الغازات (مثل الهيدروجين) في الفضاء.
وهذا أمر مهم وفقاً لـ (مانويل جودل)، عالم الفيزياء الفلكية من جامعة فيينا في النمسا، فالأرض قديماً كانت مشبعة بكمية كافية من الهيدروجين والهيليوم أثناء تكوينها وأصبحت مغطاة بالهيدروجين والهيليوم لدرجة قد تمنع ظهور الحياة، ولو كانت الأرض قد بقيت على هذه الحالة لكانت أشبه بكوكب نبتون الغازي الصغير، وليس الكوكب الذي نعرفه اليوم.
ويمكن للإشعاع الناتج عن العواصف الشمسية أن يسبب سلسلة من التصادمات القادرة على تحطيم الجزيئات وإنتاج جسيمات مؤينة، حسبما يقول الباحث (غايوم جرونوف) من وكالة ناسا، ويقول إن هذه الجسيمات كانت مهمة للغاية حيث كانت تحمل طاقة كافية لتفكيك جزيئات غاز النيتروجين وثاني أكسيد الكربون والماء والميثان، ويساهم هذا في تشكيل حساء كيميائي شديد التفاعل يمكن أن تتكون منه عدد من الجزيئات الأخرى، بما في ذلك سيانيد الهيدروجين (HCN).
صحيح إن سيانيد الهيدروجين سم مميت، ولكن المواد الكيميائية الأخرى التي تم إنشاؤها بواسطة نفس العملية تعتبر الكتل الأساسية لبناء للمركبات الحية المعقدة، مثل الأحماض الأمينية والسكريات والنيوكليوتيدات ومكونات الحياة الأساسية الأخرى.
يقول (جرونوف): بهذا تم إنشاء الكثير من الجزيئات التي تدفقت أسفل المحيط، سواء في المريخ أو الأرض، كما أنها لم تنتج إلا بكميات صغيرة؛ وبحسب (جرونوف) فإن معدل ترسب سيانيد الهيدروجين على السطح يمكن أن يكون في حدود 2 مليار طن في السنة.
وفي الوقت نفسه، من الممكن أن ساعد أكسيد النيتروس N2O (أحد نواتج العواصف الشمسية)، والمعروف بغاز الضحك، في الحفاظ على المحيطات من التجمد؛ وتبقى مفارقة الشمس الفتية الباهتة لغزاً بالنسبة للعلماء، حيث يعرف علماء الفيزياء الفلكية أن الشمس في ذلك الوقت كانت تنتج طاقة أقل بنسبة 30 في المائة من الشمس حالياً، وهذا قليل لدرجة تكفي لتجمد الماء السائل على الأرض، لكن الجيوفيزيائيين يعرفون أن الماء السائل وجد في وقت مبكر من عمر الأرض.
وتنطبق نفس المشكلة على المريخ بشكل أكبر، إذ يبدو أن المريخ كان يحوي محيطات في مرحلة مبكرة، رغم أنه أكثر بعداً عن الشمس من الأرض؛ كيف يمكن لذلك أن يحدث؟
تكمن الإجابة في الغازات الدفيئة، إذ ساهم بعضها بحفظ الحرارة في الغلاف الجوي للكوكبين، ويعتبر ثاني أكسيد الكربون من أشهر هذه الغازات، ويقول (غرونوف) إنه من الصعب أن نعرف كميته في ذلك الوقت، ولكن أكسيد النيتروس من أقوى الغازات الدفيئة، فهو أقوى بثلاثمائة ضعف من غاز ثاني أكسيد الكربون، وقد يكون هو سبب حفظ الحرارة بحسب (جيرونوف).
كل هذا على علاقة بالبحث عن الكواكب الصالحة للحياة، وقد يقودنا إلى إعادة تعريف فهمنا للمنطقة الصالحة للحياة، حيث يجب أن يكون سطح الكوكب دافئاً بما يكفي لوجود الماء السائل، دون أن يكون ساخناً لكي يتبخر، كما توجد العديد من الأنظمة الشمسية تنتج نجومها الكثير من التوهجات، وهذا يعني أن الظروف على كواكبها قد تكون أشبه بتلك الموجودة على سطح الأرض في وقت مبكر، بما في ذلك إنشاء أكسيد النيتروس الذي يسخن الكوكب، وحسب فرضيات (جيرنوف) فإن هذه الأنظمة الشمسية قد تمد بمناطق صالحة للسكن أكثر بكثير مما اعتقدنا بالسابق؛ ويتوقع العلماء توسيع نطاق المناطق الصالحة للسكن بعد هذه الأبحاث.
المقال باللغة الإنجليزية: هنا