كتبه لسايكولوجي توداي: بول ثيغرد
منشور بتاريخ: 13/2/2013
ترجمة: محمد عبد الزهرة
تدقيق: آلاء عبد الأمير
تصميم: مينا خالد
اقترح (ريتشارد داوكنز) عام 1976 في كتابه (الجين الأناني) أن بإمكاننا فهم انتشار الجُزئيات الثقافية كالأفكار بمقاربتها مع التطور البيولوجي. لقد أطلق على هذه الجُزئيات اسم الميمات، واقترح مقارنتها مع الجينات التي تُتيح انتقال واختيار الصفات البيولوجية. كما سُميت المحاولة العامة لتشكيل التطورات الثقافية على غرار تلك البيولوجية باسم (الميمياء).
أظن بأن هذه فكرة سيئة بسبب الاختلافات الجوهرية بين التطور البيولوجي والثقافي. أولاً، إن الجُزئيات الثقافية المجموعة كميمات تهمل تنوع وتعقيد التمثيل العقلي كالمفاهيم والصور والمعتقدات والعواطف والشبكات العصبية. ثانياً، تختلف العمليات التي يتم بها توليد واختيار التمثيل العقلي اختلافاً كبيراً عن العمليات التي تُحرّك التطور البيولوجي. فبشكل سطحي، تتشابه الأفكار والجينات، حيث يتم توليدها واختيارها ونقلها. لكن قيمة التشابه تعتمد على مدى إلقاء الضوء على المجال المراد تفسيره، كما أن المقارنة مع الجينات لا تؤدي إلّا لفهم توليد الأفكار وانتقائها ونقلها.
انتقل العلم المعرفي إلى ما هو أبعد من المفاهيم الغامضة كالفكرة إلى النظريات حول كيفية تمثيل المفاهيم والقواعد والصور والعواطف في الدماغ والعقل. وهذا التمثيل تختلف بُنيته بالاعتماد على عمليات التعلّم المختلفة، ويعمل بشكل مختلف في الاستدلال والعمليات المعرفية الاخرى. إن جمعهم معاً كميمات هو مجرد إلهاء عن شرح كيفية انتشار التمثيلات العقلية بين مجموعة من الناس.
إن السبب الأكبر لرفض الميمات كنظير للجينات هو أن عمليات التكاثر والانتقاء والانتقال مختلفة جدا. تقدم الوراثة مساهمة هائلة في النظرية التطورية من خلال تفسير كيفية ظهور التباين عن طريق الطفرات العشوائية، والانتقاء يحدث من خلال البقاء للأصلح، ويحدث انتقال المرض من قبل الآباء الذين يمررون جيناتهم إلى أبنائهم. ولكن الاختلاف والانتقاء والانتقال في العقول والثقافات يختلفان اختلافاً كبيراً عن العمليات التطورية.
أولاً، أن التوليد الثقافي للأفكار هو أكثر توجهاً نحو الأهداف من التغيير الجيني: فعندما تتولد أفكار جديدة مثل الآي باد عن طريق مزيج من الأفكار الموجودة، فإن ذلك عادة ما يرجع إلى أن الناس يحاولون عمداً حل بعض المشاكل المعروفة. في المقابل تكون التغيرات الجينية مستقلة عن المشاكل البيئية التي يواجهها الكائن الحي الذي تحدث فيه الطفرة.
ثانياً، يختلف اختيار الأفكار اختلافاً كبيراً عن اختيار الجينات، لأنه يتم إجراؤها من قبل أشخاص أذكياء قادرين على استخدام معايير متنوعة لتحديد ما إذا كانت الأفكار الجديدة أفضل من الأفكار القديمة. كما تلعب العاطفة دورًا مهمًا لأن الناس متحمسين للأفكار الجديدة والقيمة، فيما أن اختيار الجينات يتم بصورة غير مباشرة تماماً، ويعتمد على بقاء الكائنات الحية التي تحمل تلك الجينات.
ثالثًا، انتقال الأفكار أسرع بكثير وأوسع انتشاراً من انتقال الجينات. بغض النظر عن مدى أهمية التغير البيولوجي لنوع ما من الكائنات الحية فإنه يستغرق عدة أجيال قبل أن يتمكن الجين الجديد من الانتشار عبر السكان. وفي المقابل، يمكن للفكرة الجديدة مثل الآي باد أن تنتشر إلى الملايين من الناس في غضون أيام من خلال آليات التواصل المعرفي والعاطفي.
ومن ثم، لا تقدم الميمياء سوى فهم سطحي للتطور الثقافي وتقطع الطريق أمام إجراء تحقيقات أعمق في:
1- النطاق الكامل للتمثيلات العقلية التي تسهم في التطور الثقافي .
2- الآليات الإدراكية والاجتماعية التي يتم من خلالها توليد واختيار وانتقال هذه التمثيلات.
بدلاً من الاعتماد على التشابه البيولوجي البطيء، يجب على أي شخص مهتم بنشر الأفكار أن يتعلم المزيد عن العلوم الاجتماعية المعرفية. حينها سيتلاشى مفهوم الميم.
المقال باللغة الانجليزية: هنا