كاتب المقال: عمر علي [1]
الإستراتيجيّة السعوديّة في تقديم الدعم العسكري للولايات المتّحدة أثناء تصدير التشدّد الإسلامي وتصوير نفسها على أنّها حامية إثنين من أقدس الأماكن في العالم الإسلامي، قد أتتْ بنتائج عكسيّة لكل من الممكلة العربيّة السعوديّة والولايات المتّحدة.
التوتّرات تتزايد في الخليج العربي [2] (أو الفارسي – كما يذكر المصدر)، ما بين قطر من جانبٍ واحد، والمملكة العربيّة السعوديّة والبحرين والإمارات العربيّة المتّحدة (UAE) من جهةٍ أخرى. يوم 5 مارس (من عام 2014)، قامت الدول الثلاث بإستدعاء سفرائها من قطر، مطالبين إياها بإحترام إتّفاق سابق فيما بينهم لوقف دعمها لجماعة الإخوان المسلمين ووقف تدخّلها في شؤونهم الداخلية.
العربيّة السعوديّة لمّحت أيضًا في حينها إلى فرض الحصار والعقوبات، وإغلاق مجالها الجوّي أمام الطائرات القطريّة. وطالبت أيضًا بأن تقوم قطر بإغلاق قناة الجزيرة وإثنين من المراكز البحثيّة البارزة في الدوحة. ويأتي هذا الخلاف في أعقاب الأزمات الخطيرة الأخرى في دول مجلس التعاون الخليجي التي لديها القدرة على إعادة تنظيم التحالفات الجيو استراتيجيّة في المنطقة بشكلٍ كبير.
العربيّة السعوديّة ومستقبل مجلس التعاون الخليجي:
هنالك خلاف متزايد داخل مجلس التعاون الخليجي (GCC)، وليس فقط بين قطر والمملكة العربيّة السعوديّة، ولكن أيضًا بين المملكة العربيّة السعوديّة ودول الكويت وسلطنة عُـمان. الخلاف مع عُـمان ظهر في تشرين الثاني/نوفمبر (لعام 2014) عندما إختلف مع المملكة العربية السعودية حول تشكيل إتّحاد خارج نطاق تحالف مجلس التعاون الخليجي. كان موقف سلطنة عُـمان بشأن تلك القضية عبارة عن رسالة واضحة بإنّها تعتبر تشكيل هذا الإتّحاد تهديدًا لسيادتها. أيضًا، قبل الوصول إلى إتّفاق جينيف، منذ عام 2011، كانت عُـمان تستضيف مفاوضات سريّة بين الولايات المتّحدة وإيران. العِـداء السعودي تجاه إيران ليس سرًّا، لذلك، فمن وجهة نظر السعوديّة، فإنّ عُـمان – من خلال رفضها لتشكيل إتّحاد مع العربية السعوديّة، ومحافظتها على علاقات دافئة مع إيران ولعبها لدورٍ فعّال في إنعاشها إقتصاديًّا – لا تُـحبط رغبة العربيّة السعوديّة في الهيمنة الإقليميّة فقط، ولكنّها تجعل منها عُـرضةً للمخاطر الأمنية أيضًا (وذلك من وجهة نظر السعوديّة طبعًا – المترجم).
وفيما يتعلّق بالكويت، فإنّ العربيّة السعوديّة كان عليها أن تتواجه مع بعض الآراء المعارِضة القويّة التي تصاعدت من قِـبل برلمانيين ومنظّمات مجتمع مدني ضد الإتّفاقيّة الأمنيّة التي أُريدَ إبرامها. إنّ الإتّفاقيّة سوف توحّد الدول الأعضاء ضدّ أي تهديد خارجي، وتسمح بتنسيقٍ أفضل بشأن قضايا الأمن الداخلي.
إنّ عدم تصديق الكويت على الإتفاقية لا يمنع العربيّة السعوديّة من إستخدام مجلس التعاون الخليجي في التعامل مع المعارضة الإقليمية فقط، ولكن له صداه مع قطر أيضًا. واحدة من إشكالات الكويت على الإتّفاق أنّه يفرض على الدول الأعضاء تسليم مواطنيها بناءً على طلب من الدول الأعضاء الأخرى الموقّعة عليه. هذا الجانب من الإتّفاق له تأثير مباشر على النزاع بين دولة قطر والمملكة العربيّة السعوديّة. السعوديّة تتّهم الحكومة القطريّة بالتدخّل في شؤون الأمن الداخلي ومنح اللّجوء لأعضاء من جماعة الإخوان المسلمين – التي تُـصنّف رسميًّا على أنّها جماعة إرهابية من قِـبل العربيّة السعوديّة.
العربيّة السعوديّة وقطر: وتاريخ من النزاع
ولذلك يجب أن يُـنظر إلى التوتّرات بين دولة قطر والمملكة العربيّة السعوديّة إلى جانب الخلافات الإقليمية الأخرى. ما يجب أن نتذكّره أيضًا، هو التاريخ الطويل من الخلافات بين هذين الجارين. ففي عام 1913، قرّر العاهل السعودي الملك عبد العزيز ضمّ قطر إلى حدود مملكته، ولكن بعد عامين فقط، وتحت ضغط البريطانيين، إعترفت الدولة السعوديّة بحدود قطر. التصريحات التي أدلى بها الأمير بندر بن سلطان، رئيس وكالة الإستخبارات السعودية، وبيَّـن فيها أنّ تجاهُـل السعوديّة لسيادة دولة قطر لا يزال قائمًا. ووفقًا لما قاله، قطر هي ’لا شيء سوى 300 شخص وقناة تلفزيونيّة‘. في عام 1992 أرسلت السعوديّة قوّاتها إلى قطر، وبعد سنواتٍ قليلة، وفي عام 1995، زعمت الحكومة القطريّة أنّ العربيّة السعوديّة كانت تحرّض على حصول إنقلاب في قطر.
قطر، بدورها، على ما يبدو أنّها تدير مخطّطات لتقسيم العربيّة السعوديّة. في محادثةٍ هاتفيّة مسرّبة يعود تاريخها إلى يناير عام 2011، رئيس الوزراء القطري آنذاك، حمد بن جاسم، إدّعى أنّ العربيّة السعوديّة قد تتفكّك على يديه، وأنّ ذلك سوف يحدث بعد وفاة ملكها، وسوف يتم تقسيمها، وسوف تقوم قطر بالإستيلاء على محافظة القطيف.
موقع قطر بين ثلاث قوى رئيسيّة في المنطقة:
ومن هنا، مع بقاء مجلس التعاون الخليجي تحت وطأة التهديد، والعربيّة السعوديّة تقوم بمضايقة قطر من خلال توجيه الإنذارات لها، فمن المرجّح أن نشهد تحوّلًا كبيرًا في تحالفات الخليج الفارسي (أو العربي). وحيث أنّ هنالك ثلاثة أقطاب رئيسيّة في المنطقة؛ وهي كل من إيران والعربيّة السعوديّة والولايات المتّحدة، فإنّ التداعيات بين العربيّة السعوديّة وقطر لن تجبر قطر على إيجاد أسباب أخرى للإنحيازإلى صف إيران فقط، ولكنّها أيضًا تشجّع الولايات المتّحدة للوقوف مع قطرأكثر من العربيّة السعوديّة، بإعتبارها شريكًا عسكريًّا أكثر إستقرارًا.
خلاف قطر في الآوِنة الأخيرة مع إيران يتمحور حول القضيّة السوريّة وبصرف النظر عن ذلك، فإنّ البلدين قد حافظا على علاقات دبلوماسيّة جيّدة، وهو ما أوصل إلى تطوير المشروع الأخير بينهما بخصوص المنطقة الحرّة. أنّهما يشتركان بالفعل في تشكيل أكبر حقل غاز في العالم، يتكوّن من حقلي غاز بارس الجنوبي / شمال قبة. حافظت قطر أيضًا على سكّانها الشيعة في وضعٍ أكثر رفاهيّة بكثير من العربيّة السعوديّة. ففي حين أنّهم ليسوا شركاءً في مراتب السلطة العليا، إلّا أنّ الشيعة القطريّين مندمجون بما فيه الكفاية في مؤسّسات الدولة إقتصاديًّا وثقافيًّا، لكي لا تبدو هويّتهم القطرية على أنّها نذير شؤم لهم.
هذا يزيل هذه القضيّة الشائكة من الخلافات الطائفيّة التي قد تمنعهما من أن يصبحا أكثر ودًّا. أيضًا، كانت إيران حريصة على إيجاد طريقة للفصل بين نمط النظام الجمهوري الإسلامي المتمثّل بجماعة الإخوان المسلمين عن النسخة المعادية للشيعة من الإسلام الوهّابي الذي تدعمه العربيّة السعوديّة، وفي قطر فمن المرجّح لها أن تجد شريكًا قادرًا على تحقيق هذه الغاية.
وبالنسبة للعلاقات ما بين قطر والولايات المتّحدة، فبما أنّ العلاقات بين الولايات المتّحدة والسعوديّة من المرجّح لها أن تشهد تراجعًا بسبب التوقّعات المستقبليّة بإنتاج الغاز الصخري في الولايات المتّحدة، إضافةً إلى أنّ قطر تحتضن مركز القيادة الأميركية الوسطى في قاعدة العيـديد الجويّة “al-Udeid Air Base”، لذلك فإنّ قطر سوف تنمو كحليف إقليمي ذو أهميّة للولايات المتّحدة.
شُـهرة السعوديّة كحليف للولايات المتّحدة مهدّدة بالفعل ومعقّدة بسبب سياساتها. وقد أتتْ الإستراتيجيّة السعوديّة في تقديم الدعم العسكري للولايات المتّحدة أثناء تصدير التشدّد الإسلامي وتصوير نفسها على أنّها حامية إثنين من أقدس الأماكن في العالم الإسلامي بنتائج عكسية لكلّ من العربية السعوديّة والولايات المتّحدة. بالنسبة للولايات المتّحدة، فقد أدّت إلى كارثة 11/9 وحروب مُـكلِفة بعد ذلك، بينما بالنسبة للعربيّة السعوديّة، فقد أدّت إلى تهديدات أمنيّة واسعة النطاق، داخليًّا وإقليميًّا.
قطر، من الناحية الأخرى، مع صُـغُر حجمها/ وعدد سكّانها القليل ومع عدم وجود أي طموحات لحكم الزعماء الدينيين فيها، تمثّل رهانًا أكثر أمانًا. نجحت قطر أيضًا في التعامل مع النظام الجمهوري لجماعة الإخوان المسلمين أفضل بكثير من العربيّة السعوديّة. من خلال دعمها في مصر وليبيا وتونس (بدلًا من التعامل معها على أنّها تشكّل تهديدًا)، لم تقم قطر بتقليل فُـرص المناصرين للنظام الجمهوري بنقد نسختها الإسلاميّة من النظام الملكي فقط، ولكنّها جعلت من نفسها أيضًا داعمًا لا غِـنى عنه للشعوب الإسلامية.
إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين في السلطة أو خارج السلطة، فهي تعرف أنّها يمكن أن تعتمد على الدعم القطري، وهذا يقطع شوطًا طويلًا نحو كسب التأييد الشعبي للنظام القطري. هذا لا يعني أنّ الولايات المتّحدة سوف تكون مُـجبرة على الإختيار بين قطر والعربيّة السعوديّة. ومع ذلك، وفي سِـياق كون العربية السعودية تسلك على نحو متزايد الطريق الذي يجعلها مستقلّةً عن محور الولايات المتحدة، فإنّ هذه الأخيرة (أي الولايات المتّحدة) قد ترى في قطر حليفًا أكثر موثوقيّة.
الإستنتاج الختامي
التدهور في العلاقات السعوديّة – القطريّة يهدّد ديمومة مجلس التعاون الخليجي وينطوي على إعادة ترتيب التحالفات في الخليج الفارسي (أو العربي). العربيّة السعوديّة مستمرّة في منح قطر الأسباب الكافية لأن تقف مع القطبين الأميركي والإيراني الفاعلين في المنطقة، دون تقديم نفسها على أنّها حليف ملتزم أو مفيد للولايات المتّحدة. هذا ما سوف يقلّل هيمنتها الإقليميّة بقدرٍ كبير. هل يمكن أن للعربيّة السعوديّة أن تعكس هذا التوجُّـه؟ معظم المراقبين في المنطقة لا زالوا ينتظرون بفارغ الصبر لمعرفة ما سوف تؤول إليه الاوضاع.
المصدر:-
open Democracy
…………………………………………………………………………………………………………………………………..
• هوامش:-
[1] عمر علي: هو باحث في مركز الشرق الأوسط – وأفريقيا “Afro-Middle East Centre” في جوهانسبرغ، جنوب أفريقيا. وهو متخصّص في سياسات الشرق الأوسط، مع التركيز بوجهٍ خاص على دول مجلس التعاون الخليجي.
– المترجم.