في بعض الأحيان، عندما أتحدث مع أولياء الأمور القلقين، فأنهم يعطونني إنطباعاً بأنهم يُسيئون فهم ما أقصد بالعزم. أُخبرهم أن نصف العزم هو مثابرة. فيهزون رؤوسهم في إشارة لموافقتي. ولكني أعاود إخبارهم أن لا أحد يداوم العمل بمثابرة في شيء لا يجده مُثيراً بجوهره. حينها تتوقف إيماءات الموافقة وتميل الرؤوس للإستماع.
تقول آمي تشو المعروفة بالأم النمرة: “حُبكَ فقط لشيء ما لن يجعلك بارزاً ومنتجاً فيه، مالم تعمل بجد، فمعظم الناس يفشلون في الأعمال التي يحبون”. لم أتمكن من الإتفاق معها في هذا الرأي. فحتى أثناء تطوير إهتماماتك يجب أن يكون هناك عمل وممارسة ودراسة وتعلم؛ لذلك ما ازال أؤمن بوجهة نظر تقول أن معظم الناس يفشلون أكثر في الأشياء التي لا يحبون.
ولهذا فان نصيحتي للآباء والمقبلين على الأبوة وحتى من غير الآباء ومن كل الأعمار، هي أنه قبل العمل الجدي تأتي التسلية، فعلى أولئك الذين يريدون التركيز والثبات على شغف معين أن يكونوا مستعدين لأن يقضوا ساعات كثيرة يومياً للعمل بجد على صقل مهاراتهم، ويحدث أن يرتكبوا الكثير من الهفوات التي تساهم بإثارة واعادة تحفيز اهتماماتهم . وبالطبع فان تطوير الإهتمام يحتاج للوقت والطاقة، وكذلك للإنضباط والتضحية. ولكن في المرحلة المبكرة لا يشغل المبتدئون أنفسهم بالتطوير. فهم لا يفكرون بسنوات المستقبل القادمة ولا يعرفون أقصى ما يستطيعون الوصول أليه من أهداف موجهة في الحياة. فهم يحبون اللهو أكثر من أي شيء آخر. بكلمة أخرى، أنه حتى أكثر الخبراء إبداعاً كانوا في البداية مبتدئين غير جادين.
وهذا هو أيضاً ما توصل إليه عالم النفس بنجامن بلوم والذي التقى بأكثر من 120 شخصاً وصلوا إلى مراكز عالمية من خلال مهاراتهم في الرياضة والفنون والعلوم، وكذلك التقى بوالديهم ومدربيهم وأيضاً معلميهم. ومن بين ما توصل إليه من إستنتاجات مهمة، هو أن عملية تطوير المهارات تتبلور خلال ثلاث مراحل مختلفة، كل مرحلة تستغرق سبع سنوات، والإهتمامات تُكتشف وتتطور خلال مايسميه بلوم “السنوات المبكرة”.
التشجيع عامل بالغ الأهمية خلال السنوات المبكرة لأن المبتدئين مازالوا في هذه المرحلة يكتشفون إذا ما كانو يريدون الإستمرار أو إيقاف المسيرة. ووفقاً لذلك، وجد بلوم وفريقه البحثي أن أفضل المرشدين خلال هذه المرحلة كانوا حميمين وداعمين في التعامل ”ربما كانت الميزة الأهم لهؤلاء المعلمين هي أنهم جعلوا التعليم الإبتدائي ممتعاً ومُجزياً. الكثير من التهيئة لدخول المجال كانت عبارة عن نشاطات مسلية، والتعليم في بداية هذه المرحلة كان كما لو أنه لعبة“.
لكن من المهم أيضاً أن يكون هناك قدراً من الإستقلالية. دراسات تعقبت المتعلمين لفترات طويلة أكدت أن الآباء والمعلمين المستبدين يتسببون بتفتيت الدافع الجوهري. فالأطفال الذين يتم السماح لهم من قبل والديهم بالمضي في تنفيذ خياراتهم الشخصية وما يرغبون به هم الأكثر إحتمالاً أن يطوروا إهتماماتهم لاحقاً إلى شغف خالص. فبينما لم يفكر والدي لمرتين عندما إختار له والده مساره الوظيفي في العام 1950 فأن شباب اليوم يجدون صعوبة في الإنخراط بإهتمام بدون رأيهم ومساهمتهم.
وتجد عالم نفس الرياضات جان كوته أن التعجيل في هذه المرحلة بالإهتمام والأكتشاف والتطوير المسلي والمريح له عواقب وخيمة. ففي بحثه وجد أن الرياضين المحترفين كرودي جينز الذين جربوا بطفولتهم مجموعة مختلفة من الرياضات قبل أن يلتزموا بإحداها، قد حققوا عموماً نتائج أفضل على المدى الطويل. الاتساع المبكر في الخبرة ساعد الرياضيين الشباب أن يكتشفوا أي الرياضات تناسبهم أكثر من الأخرى. وهذا التجريب يعطي فرصة لبناء العضل والمهارات والتي تحتاج بعدها إلى إكماله بتدريب مُركز. بينما يتعرض الرياضون الذين يهملون هذه المرحلة والذين غالباً ما يسمتعون بالمنافسة والتفوق على أقران غير مؤهلين لإصابات جسمانية وللإرهاق.
وسوف نناقش في الفصل القادم ما دعاه بلوم بـ ”السنوات الوسطى“ في التمرن. وأخيراً سنمر على مايدعى بـ ”السنوات المتأخرة“ عندما نناقش المغزى في الفصل الثامن.
والان آمل أن أكون قد أوضحت أن الخبراء والمبتدئين يملكون إحتياجات محفزة مختلفة، ففي بداية المسعى نحتاج للتشجيع والحرية كي نكتشف ما الذي يمتعنا. بالإضافة لذلك، نحن نحتاج إنتصارات صغيرة، ونحتاج للثناء. وقد نتحمل بعض النقد والملاحظات لتصحيحية. ونحتاج أيضاً للتمرن لكن ليس بالقدر الكثير جداً ولا السابق لأوانه. فحين تستعجل تعليماً لمبتدئ فأنك تقضي على إهتمامه في مهده وسيكون من الصعب عليك جداً أن تسترجعه في حال فعلت ذلك.
إنجيلا دكويرث، بروفسورة في جامعة بنسلفانيا I
المصدر:-
https://www.psychologytoday.com/blo…