امتلكُ صوتاُ غَليظَ الوَقعِ ، حادَّ النبرةِ ، مُثيراً للضحِك ، ما كنت لأتذكرهُ لولا استماعي إلى تسجيلٍ من مقابلة أجريتُها ، أو استماعي إلى صوت أصدقائي وهم يُخَفِضون نبرات صوتهم بِضْعُ درجاتٍ كي يحاكوا صوتي . تجربتي مع صوتي تُشبه تجربة زميلي في الدراسة الثانوية ، و اسمهُ ( والتر ساسكايند ) ، حيث أن صوته يُعَدُ واحداً من أغلظ الأصوات التي سمعتُها شخصياً .
و عن صوته ، قال والتر : ” يبدو لي صوتي غليظاً كُلَّ الغِلْظة حينما أتلقاه في رأسي ” ، و أردفَ قائِلاً : ” لا أُدرِك شِدة غلظته إلا حينما أسمعُ صداه في مكالمةٍ هاتفية ، أو حينما أستَمِعُ إليهِ مُسجلاً صوتياً ، و كذلك عندما أستمع إلى الناس أثناء محاولَتِهم مُحاكاة صوتي بِكُلِ ما أُوتي لهم من غِلظة صوت ، مُعتمدين على حناجِرهم كي يأتوا بصوتٍ مِثل صوتي ” .
ثُمَّ أضافَ والتر قائِلاً : ” لقد أخبرني أحدهم إنَّ الفائدةَ الوحيدةَ لِمن يمتلك صوتاً غليظاً كأصواتِنا هي مُلائمتنا الفائقة لشغل وظيفة مفاوضي رهائن* ” . (( يحتوي هذا الرابط على مُشاركة والتر الصوتية في حَلقة مُسجلة على موقع ( راديولاب ) ، يبدأ فيه والتر بالحديث عند بلوغ الدقيقة 12:20 ، و يُلاحظ حينها تعليق مُستضيف البرنامج على غلظة صوت والتر )) .
يُثيرُ إستماع الكثير من الناس لأصواتهم الاشمئزاز في نفوسهم ، إذ يتبادر إليهم سؤالٌ مفاده : ” هل يبدو صوتي هكذا حقاً ؟ ” ، في حين أن الآخرين يتفاجئون بدرجة أصواتهم العالية .
و في هذا الصدد ، قالت ( ميتسكي مياواكي ) بأنها هي الأُخرى عادةً ما يُفاجِئها صوت حديثها مُفاجأةً تُثير في نفسِها الانزعاج ، و مياواكي مؤلفةٌ موسيقية نالت المديح لِقُدرتها على التحكم في صوتها الغنائي . و لكن صوتها يبدو إليها ” أكثرُ ميلاً إلى إصدار الأوامر و أقَلُ عُلواً ” مما يعتقده الآخرون . و تابعت مياواكي قائلةً : ” اَنزعجُ حين أستمِعُ إلى صوتي في مقابلةِ مِذياع ، إذ أستمِعُ إليه فيبدو لي بالضبط كصوتِ صبيةٍ صَغيرةَ السِن ” .
ما سَببُ ذلك ؟
يوجد تفسير سهل للتجارب التي تحدثت عنها السيدة مياواكي ، وفقاً لما قاله ( ويليام هارتمان ) ، و هو مُدرِس الفيزياء في جامعة ميشيغان و المتتخصص في علم الصوت و علم النفس المسموعي .
شَرَحَ هارتمان قائِلاً : يُدرِك الفرد الأصوات الصادِرة عنه آثناء حديثه بواسطة طريقين . الأول هو الطريق الذي يُدرِك الفردُ من خِلاله غالبية الأصوات الأُخرى ، إذ يحمِل الهواء موجات الصوت و يوصلها إلى سلسلة الجهاز السمعي ، ثم تجتاز هذه الموجات الواصِلة كُلاً من الأذن الخارجية و الوسطى و الداخلية . أما الطريق الثاني فهو طريق داخلي ، حيث إنّ الحبال الصوتية تهتز في داخل الجسم عندما يتحدث الفرد ، فَتحدُث اِستثارة للآذان الداخلية مباشرةً بوصول الإهتزازات إلى العظام . ” و تأثير ذلك هو تعزيز الترددات الأقل إنخفاضاً ، مما يجعل الصوت يبدو للفرد أكثر غِلظةً و قوتاً ” ، وِفقاً لما قاله هارتمان .
هنالِك الكثيرون ممن يَقتنعون بتفسيرَ هارتمان ، من بينهم السيدة مياواكي ، و لكِنَّ الأمرَ لا يزال بحاجة إلى التوضيح لأشخاص آخرين من بينهم أنا و زميلي في الدارسة الثانوية والتر . و لكِننا وجدنا ضالتنا في جواب ( جون ج. روسوسكي ) ، الباحث و المُدرس في كلية هارفرد الطبية و المُتخصص في الأذن الوسطى ، الذي شَرحَ قائلاً : قد يكون هناك تباين في إدراك الأفراد ، حيث توجد فروقٌ دقيقة في الطريقة التي يدرك بواسطتها الأفراد الأصوات في الأذن الداخلية ، و تُلاحَظ هذه الفروق في الطريقين اللذين سبق لهارتمان الحديث عنهما .
و اِستمر روسوسكي في شرحِه قائلاً : ” تَمُرُ إهتزازات الصوت بطرق مُتنوعة في طريقها إلى الجمجمة ، و هذه الطُرق المتنوعة تحتوي على اهتزازات أُخرى مصدرها الجمجمة ، و قد تكون اهتزازات الجُمجمة مُتنوعة هي الأُخرى ” . و وِفقاً لروسوسكي ، هنالك عوامل أُخرى تؤثر في طريقة سفر اهتزازات الصوت إلى الدماغ ، مِنها التفاعل مع السائل المُخي الشوكي ، و السائل الشفاف الذي يقع ضمن الدماغ و العمود الفقري ، و فروقات ضغط الصوت في قناة الأذن .
و قول روسوسكي إن تنوع الطرق يؤدي طبيعياً إلى ” تنوع في كيفية إدراك الناس لأصواتهم ” جعلني أتنبه إلى إن هذا قد يكون سبب المفاجأة الذي طالما نتعرض له أنا و و زميلي والتر لدى سماعنا لأصواتِنا مسجلةً . و قالَ لي هارتمان مُعتَرِفاً إنه كان متفاجئاً لكوني كنتُ دائم الشعور بمفاجأة كُبرى إزاءَ صوتي : ” يقع صوتك في الدَرك الأسفل من مقياس الصوت الإعتيادي ، و لكنه ليس شديد الغلظة ” .
* مُفاوضي الرهائن هم أشخاصٌ يقومون بالتفاوض مع مُحتجِزي الرهائن ، و هدفهم هو الوصول إلى تسوية مع مُحتجِزي الرهائن بُغيةَ إطلاقِ سراح الرهائن .
كتب المقال ( جونا إينجل برومويتشجان ) لصحيفة ( النيويورك تايمز ) الأمريكية بتأريخ 13 يناير من عام 2017 .