تقديم: جوهانسن
بتاريخ:8-8-2020
لموقع:THE ECONOMIST
ترجمة :دعاء عماد
تدقيق: ريام عيسى
تصميم الصورة: حسن عبدالأمير
الجميع يستطيع تقمص شخصية (دونالد ترامب) عندما يلقي خطابه بنبرتهِ الخشنة وبصوتهِ المرتفع و بإيقاعٍ متذبذبٍ بين جُملهِ الكلامية من بدءٍ و انتهاء كالاستعانة بجملٍ ذات محتوى عاطفي وإلقائها بمصطلحاتٍ كبيرة وإنهاء خطابتهِ دائماً بما يُثيرُ التعجب والتساؤل, هذا التلفظ والاختيار الغريب للمصطلحات النُطقية جعل (السيد ترامب) من الشخصيات التي يسهلُ تقليدها غير أنها لا توضحُ بالضرورة سبب نجاحهُ السياسي.
لكن الطريقة التي يُكون ويلقي فيها جمُلهُ يُمكن أن تُسلط بعض الضوء على كيفية فوزهِ السابق بالرئاسة, حيث أن الركيزة الأساس التي يعتمد عليها (ترامب) في لغتهِ الحوارية الممُيزة هو ثقتهُ العالية بمعلوماتهِ وبما يعرف.
وعلى خُطى (ستيف جوبز) مؤسس (أبل) عندما ألهمَ ُزملاؤهُ بجعل المُستحيل ممكناً خلقَ ( السيد ترامب ) مجالاً مُحرفاً ممُاثلاً, أحدى أشهر استعاراتهِ اللفظية التي دائماً ما يستعملها ” الكثير من الناس لا يعرفون” بصيغة توحي كأنهُ الوحيد الذي يفهم الطبيعة المُعقدة للرعاية الطبية, أو كحقيقة أن (أبراهام لينكولن) كان أول رئيس للولايات المتحدة من الحزب الجمهوري سرٌ خفيٌ لا يعلمهُ إلا القليل وهو من ضمنهم بمعنى أصح ” لا يعرف الجميع عن أمر ما ..مثل معرفتي أنا ” فمجالات خبرة ( السيد ترامب) ومعرفتهُ ساقت طريقها في كل شيء من تمويل حملتهِ الانتخابية للتكنولوجيا السياسة والضرائب والديون وهيكلة البُنى التحتية والبيئة وحتى الاقتصاد.
غالباً ما أوعز نقادهُ هذا النوع من السلوك على أنهُ يُشير لِكم النرجسية التي يتصف بها لكن بتفسيرٍ أخرٍ أكثر شمولية هذا السلوك يُعدُ أحدى نقاط قوتهِ في فن التسويق, فطريقة الصياغة التي يستخدمها ( السيد ترامب) توحي بأنهُ في موقع يخولهُ الحصول على معلوماتٍ نادرة ومهمة عن أي صفقة لا أحد أعرفُ بها غيره ولهذا فهو قادر أن يعقد للزبون صفقة رابحة بكل سهولة لأنهُ أعرف بالأمر وبِحسب جملتهُ الشهيرة ” الكثير من الناس لا يعرفون “, وفي حال أن تغريك فكرة عقد الصفقة مع شخصٍ منافسٍ لهُ سيحرص على تذكيرك بأسلوبٍ مُقنعٍ أنه لا يوجد من يعرف أو يفهم بالعرض أو الصفقة أفضل منه ففي النهاية ” لا أحد يعرف مثلما أعرفُ أنا”.
وعن كيفية أقناع مستمعيه أنهُ على دارية تامة بما يتحدثُ عنه لغة (السيد ترامب) دائماً ما تشير إلى ثقتهِ العالية بنفسهِ وبما يتحدث بهِ.
كان (باراك أوباما) معروفاً أثناء خطبهِ وحِواراتهِ بأنهُ غالباً ما يميل لأخذ لحظاتً من التوقف متبوعةً ب ( أه ) تُعطي انطباعاً بأنه يُفكر ملياً بما سيقوله لاحقاً, على عكس (السيد ترامب) الذي نادراً ما يتوقف أو يتردد وقليلاً جداً ما يستعمل عبارات (أه ) او (أممم) فعندما يُريد أن يكسب الوقت لتكوين وطرح جملتهُ التالية فهو غالباً ما يميل بتكرار أخر ما قالهُ بنحوٍ تأكيديَ, وهذا يدعم ويعزز الانطباع على أنه شديد الوثوق بما يقولهُ وما يتحدث عنه بصورة واضحة وبديهية.
ربما أكثر ما يميز (السيد ترامب) بصورة مُدهشة هو ثقتهُ وقناعتهُ الثابتة بقدراتهُ وتقنياتهُ التسويقية التي يمكن لمحها في مواضعٍ عِدة وحتى في أخطائه.
يُعرف عن (السيد ترامب) بأنه يتحدث بلغة متسرعة خرقاء بقول أشياء لا تمت للمنطق بِصلة مما يسهل لمنُتقديه ومُعارضيه استخدامها كدليل واضح يوحي بأنهُ يُعاني من حالة التدهور الإدراكي التي تصيب كبار السن في الغالب.
جميع الناس مُعرضين للقيام ببعض الهفوات والعثرات أثناء حديثهم بغض النظر عن كونهم معروفين بهفواتهم الكثيرة أمثال (جورج دبليو بوش) أو حتى الذين يُعرف عنهم الفصاحة والبلاغة اللغوية مثل (السيد أوباما) يرتكبون بعض الزلات أثناء حديثهم, صحيح أن (السيد ترامب) دائماً ما يهفو بحديثهِ بإستمرار إلا أن سمتهُ المميزة بالمقابل هو اعتمادهُ على هذه الأخطاء كمصدر للحديث. كمثال في مقابلة حديثة له ُعلى قناة (فوكس نيوز) أثناء حديثهُ عن حُكام الولايات وأسلوب تعاطيهم المختلف مع مسألة ارتداء الكمامة كان مقصد حديثهِ أن بعضهم أكثر حرصاً من غيرهم على موضوع إلزام الناس على ارتداء الكمامة للحد من انتشار (فايروس كورونا) إلا أنهُ صاغها بقوله ” يميلون لارتداء الكمامة”, المذهل في الموضوع ليس الطريقة الخطأ التي عبر فيها عن الموضوع من السهل على أي شخص أن يأخذ منحىً لغوياً مجازياً أثناء كلامه ويعبر بجملة مختصرة تكاد تكون بلا معنى تتطلب تصحيحاً نحوياً تعقيبياً كقول البعض (هم أكثراً ميلًا للكمامة) وبعدها يدركون أنها كجملة لا تحمل أي معنى واضح لذا يُستوجب التصحيح.
إلا في حالة أذا كُنت (السيد ترامب) في هذه الحالة بكل ثقة سيعطي هذا المختصر المبهم أثناء حديثه ويواصل الكلام دون تكبد عناء الشرح أو التوضيح.
هذا الرفض للاعتراف بهذه الأخطاء يظهر جلياً في أمور جدية عديدة كرفضه وعدم تقبلهِ لتحمل مسؤولية أخفاق الحكومة في التعاطي مع هذهِ الجائحة الوبائية, وأيضاً يمكن أن يُميط اللثام عن لُغزين الأول هو الانفصال التام الغريب بين كلمات لامعنى لها عندما تُقرأ في أي صفحة وتحظى بأعجاب الجمهور وتفاعلهم عندما تُلقى في مِنصة الحوار، هل شخصية (سيد ترامب ) الجدية الحازمة أكثر إقناعاً من كلماته ؟
اللغز الثاني يكمن في تأثير هذا الأسلوب على مُعجبيه. في بحث استطلاعي قام بهِ مركز (بيو) للبحوث مؤخراً تم فيه سؤال الأمريكيين لتقييم كل من (ترامب) و ( جو بايدن) المرشح المفترض عن الحزب الديموقراطي وفقاً لصفاتٍ مُحددة في الاستطلاع, الوصف الذي منحهُ الأمريكيين ل(ترامب) بتقييم عالي على أنهُ مُتكلم رُغم أنهم وصفوهُ بصفاتٍ عدة منها ما أظهر الازدراء لطريقة ممارساتهِ السياسية ومنها ما يتعلق بأجندة أعمالهِ الضعيفة.
يمكن القول أن أسلوب الرئيس المميز في الكلام يكاد يكون السبب الرئيسي في حصوله على علامات تقييمية عالية جيدة في أحدى صفات التقييم بالخصوص حيث وصفهُ المصوتين بنسبة 56% من العامة وبنسبة 93% من المساندين له بأنهُ يتصف بالحيوية والنشاط.
المصدر: هنا