في عام 1992 اتفقت أكثر من 150 دولة على الاجتماع في مدينة ريودي جانيرو لاتخاذ خطوات للمحافظة على مستوى انبعاثات غازات الدفيئة، لتجنب أي آثار خطرة للنشاط البشري على النظام البيئي و تحديداً المناخ.
و عقدت اجتماعات عديدة بعد اجتماع ريودي جانيرو إلا إن انبعاثات غازات الدفيئة استمرت بالارتفاع مع ارتفاع درجات الحرارة، في حين بدأت عواقب الارتفاع المستمر في درجات الحرارة بالظهور حيث لوحظ زيادة في مواسم الجفاف و ذوبان الأنهر الجليدية و القمم الجليدية و موت الشُعَب المرجانية و الزيادة البطيئة والخطرة في مستوى سطح البحر وأصبحت ملحوظة أكثر من أي وقت مضى.
في يوم الإثنين المصادف ال30 من شهر تشرين الثاني الماضي و في مدينة باريس اجتمع الموقعون في اتفاقية ريودي جانيرو و الذين أصبح عددهم 196 عضو حيث سيحاولون مرة أخرى عقد اتفاقية دولية لتقليل آثار التغير المناخي و تقليل انبعاثات غازات الدفيئة لإنقاذ العالم من الوقوع في كارثة من العيار الثقيل في نهاية هذا القرن. و كما في الاتفاقيات الأخرى حول المناخ و منها اتفاق كيوتو 1997 و اتفاق كوبنهاكن 2009 فإن اتفاق باريس سيكون أملنا الأخير كما يقول فاتح بيرول المدير التتنفيذي الجديد لوكالة الطاقة الدولية و كما قال أيضا الرئيس فرانسوا هولاند إن النجاح واجب في هذا الموضوع.
بالتأكيد فإن قمة باريس سوف لن تثمر عن اتفاق صارم لتقليل الانبعاثات و حماية الكوكب من الكارثة الوشيكة خلال أسبوعين إلا أنه سينجح بخلق مسار جديد لم تفلح الاجتماعات السابقة بالوصول إليه و هي تعزيز المسؤولية الجماعية و خلق إحساس قوي بالمسؤولية لجميع الدول الكبيرة و الصغيرة و الغنية و الفقيرة وإن الجميع يجب أن يلعب دوراً لايجاد حل عالمي لمشكلة التغير المناخي.
و قد فشل اتفاق كيوتو بسبب فرض قيود كبيرة على الانبعاثات في الدول المتقدمة فقط بينما أعطى الدول النامية مثل الهند و الصين و البرازيل الحق بانباعثات مفتوحة. مما أدى إلى رفضه في مجلس الشيوخ الأمريكي. أما اتفاق كوبنهاكن فقد اجتذب مشاركة أوسع و لكنه انتهى الى فوضى بسبب الخلافات بين الدول النامية و الدول المتقدمة.
وقد تعلم منظو مؤتمر باريس من أخطاء الماضي فبدل من سن اتفاقات من الأعلى للأسفل ووضع أهداف معينة تم الطلب من كل بلد أن يضع خطة بكيفية و كمية خفض انبعاثات غازات الدفيئة خلال الأعوام المقبلة و النتيجة هي إن أكثر من 170 دولة متمثلة بأكثر من 90 بالمئة من الانبعاثات العالمية قدمت تعهدات ومن الممكن الحصول على نتائج أكثر مع نهاية المؤتمر.
هل يمكن أن تكون هذه التعهدات كافية لكبح العواقب الوخيمة للتغير المناخي العالمي؟ فحسب عدد من العلماء tان ارتفاع درجات الحرارة يجب ان لا تتجاوز الدرجتين مئوية او 3.6 فهرنهايت لمستويات درجات الحرارة لما قبل الثورة الصناعية. واشارت دراسات مختلفة إنه حتى في حالة إيفاء الدول بالتزاماتها فانه سوف ترتفع درجات الحرارة بمقدار 6.3 درجة فهرنهايت في نهاية هذا القرن. وهي درجة حرارة مرتفعة جداً و ستجعل الحياة كارثية للأجيال المستقبلية و خصوصا للدول الفقيرة و لكن على الأقل الالتزام بهذه التعهدات سوف يضع العالم في مسار أكثر أماناً. وفي أغلب نماذج درجات الحرارة الحالية تشير إلى أن الارتفاع سيكون أكثر من 8.1 درجة فهرنهايت.
و أخيراً فإن لكل دولة خطة لتطبيق تعهادتها و خصوصا بالدول ذات معدلات الانبعاث الأعلى مثل الصين و الهند و الولايات المتحدة. و إذا ارادوا أن يكون مؤتمر باريس للمناخ نقطة تحول فعلية فعلى المفاوضين وضع آليات تضمن العمل بتعهدات الدول على أرض الواقع و ليس سقف أعلى للطموح، و ذلك بواسطة تأسيس خطة عمل تتطلب التزامات اقوى تجاه السيطرة على المناخ و يمكن تنفيذها لفترات منتظمة مثلا كل خمسة أعوام. و يكون ذلك بمصاحبة خطة لمراقبة و إعداد تقارير عن مدى التزام و اداء كل بلد و الذي فشلت فيه الاجتماعات السابقة.
و من الأهداف المهمة الأخرى لجدول أعمال قمة باريس هو كيف بالإمكان مساعدة الدول الغنية الدول الفقيرة لتحقيق أهدافها بخفض الانبعاثات و أيضاً إيقاف تدمير و تجريف الغابات الاستوائية لما لها من دور كبير في امتصاص الانبعاثاث و أيضاً يبحث الاجتماع كيفية إشراك المستثمرين و الشركات و المدن و الولايات في هذا الغرض. حيث سيجتع عمدة نيوبورك ميشيل بلومبيرك و الذي جعل سياسة تخفيض الانبعاثات أولوية مع عمدة باريس و عدد من المسؤولين المحليين من جميع أنحاء العالم.
إن اختبار نجاح هذا القمة التي طال انتظارها هو ليس في خلق التزامات أقوى و لكن في الحس المشترك وادراك أهمية الموضوع من قبل كل مستويات المجتمعين لوضع حل لمشكلة الإحتباس الحراري العالمي.
المصدر: هنا