يجري نهرُ الغانج الفاتنُ عبر الجزء الشمالي من شبه القارة الهندية. ويعتمد على نهرِ الغانج المُقدسِ الملايين من الهندوسيّين مصدرًا لقُوْتِهم اليومي، غير أن التلوث للأسف قد ازداد فيه. فالأسباب التي أدت إلى هذا التلوث عديدة، وأهمها الثورة الصناعية التي اجتاحت البلاد في السنوات الأخيرة، والتي أدت إلى بناء المصانع قرب الأنهار، حيث تفرِّغ هذه المصانعُ مخلفاتِها في نهر الغانج مما يؤدي إلى مشاكلٍ صحيةٍ متعددةٍ لأولئك الذين يشربون من النهر ويسبحون فيه ويسكنون بقُربِه. إن السبب وراء تلوث نهر الغانج واحدٌ من الأمثلة الواضحة للعيان لتأثير الصناعة الحديثة على البيئة. ففي يومنا هذا، تُزوِّد الصناعةُ جزءًا كبيرًا من أنحاء العالم بمواد أساسية لاستمرار الحياة اليومية، بَيْد أن الآثار التي يخلّفها التلوثُ الصناعي تَضر البيئة والعديد من الأحياء.
إن آثار التلوث الصناعي التي يتركها على الصحة متعددةٌ وبُحثَت جيدًا، ومخيفةٌ في كثير من الحالات؛ فالكروميوم، وهي مادة كيميائية تنبعث من المدابغ على طول النهر، يُحتمل أن تكون مادة مسرطنة. كما تسبب الأدخنةُ السامّةُ التي تنبعث من مختلف أنواع المصانع الاختناقَ للسكان، وقد تحتوي على جسيماتٍ يمكن أن تدمر الرئتيْن.
كما أسلفنا، فإن أولئك الأشخاص الذين يعيشون قرب نهر الغانج غالبًا ما يعانون من أعراضٍ صحية ناجمة عن تلوث النهر، فضلًاعن الآثار السلبية للتلوث الصناعي في تلك البقعة من الأرض التي لطالما ترسخ لدى بعضِهم تصورٌ خاطئ بأنها معنيّة بالمساواة بين جميع أفرادها وضمانِ رفاهيتِهم وحريةِ معيشتِهم في بيئةٍ آمنة ومصون. وفي كتاب «أرض التضحيات»؛ فَهرسَ ستيف ليرنر Steve Lerner، الكاتبُ المختصُّ بشؤون البيئة، نضالَ المجتمعات الفقيرة المهمشة في الولايات المتحدة التي تعاني من الآثار النفسية والانفعالية للتلوث الصناعي. ومن قَصَصَ انتصار الشعوب على القوى التي تنشر التلوث البيئي؛ قصةُ أحياءٍ عِدة في أوكالا Ocala بولاية فلوريا تقع بالقرب من مصنع الفحم رويال أوك Royal Oak – البلوط الملكي – الذي كان ينفث سُخامَه الأسودَ الذي غطّى منازل الأهالي وسياراتِهم وحدائقَهم ولعبَ أطفالهم، بل وكاد يتسلل داخلها، وأفسد صحة أولئك الذين أُجبِروا على العيش بمقربة منه. وعلى الرغم من هذا، استمر المصنع بالعمل، مما حدا بالناشط الاجتماعي روث ريد Ruth Reed إلى حثِّ المنظمةِ الشعبية التي اتصلت هي الأخرى بالسلطات المحلية لجمع الأدلة على التلوث في الأحياء وإحضار المحامين. وفي نهاية الأمر، مع ممارسة الضغطَ الكافيَ، استطاع روث ريد إغلاق مصنع رويال أوك.
بدأ نضال المجتمعات في أوكالا بعد بناء مصنع رويال أوك في أواخر الستينات، واستمر كذلك حتى بداية القرن الحادي والعشرين. ولأجل نشر الأخبار عن التلوث الذي أعاق الحياة؛ اتصل المواطنون بالصحف ومحطات التلفزيون، غير أنهم لم يكن لديهم وقتها رفاهيةَ استخدامِ الانترنت المتاحة اليوم، حتى تتمكن يد العون خارج مجتمعاتهم من الوصول إليهم كما هو الحال اليوم عندما يتعلق الأمر بالعدالة الاجتماعية. إن طريقة استخدام الناس الإنترنت للتواصل فيما بينهم اليوم أكثر رُقيًا مما كانت عليه قبل بضع سنين، حيث يرى المستخدمُ العادي لمواقع التواصل المشهورة اليوم، مثل فيسبوك وتويتر، عددًا لا يُحصى من المنشورات التي يكتبها أفرادٌ ومؤسسات تحث العامة على التبرع بالمال من أجل قضايا هامة، مثل التصويت بنعم أو لا على القضايا السياسية، أو الانتظار بشغف لحبيبٍ قد فُقِد. وعادةً ما تَلقى هذه المنشوراتُ تفاعلًا جيدًا من الآخرين في مواقع التواصل. ويهيمن الشبابُ على استخدام الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، ولهذا فإن الشباب اليوم يمتلكون مقدارًا عظيمًا من التأثير السياسي والمجتمعي، ويمكن الاستفادة من هذا التأثير في القضاء على التلوث. إذا أُريد القضاء على التلوث الصناعي، وإذا أُريد محوُ أثرِ الإنسان على البيئة، فينبغي على الشباب الذين يُهيْمنون على استخدام الإنترنت أن ينشُروا معلوماتِهم عن بيئتِهم وعن الضررِ الذي لحق بها، فسيحصلون على تعاليمٍ بيئيةٍ شاملة.
تتباين الطرقُ التي تُشكلَ تعاليمَ بيئيةً شاملةً، غير أن بالتأكيد ستتضمن هذه التعاليمُ تطويرَ وسائلِ التواصل ومهارات القيادة بين الشباب اليافعين، حيث إن المهارات ستمكنهم من العمل سويًا من أجل تطوير أفكارٍ جديدةٍ لمحو أثر الإنسان على البيئة وجعل العالم مكانًا آمنًا للعيش مستقبلًا.
المصدر: هنا