حملة الإصلاحات التي أُعلنت الشهر الماضي من قبل رئيس الوزراء حيدر العبادي تُمثّل نقطة تحوّل مُحتملة في العراق. في الواقع، نتائج هذه الحملة ستُشكّل مُستقبل دولة ذات مركز مُهم في المعركة العالمية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” وإستقرار الشرق الأوسط. على الولايات المُتحدة أن تُركّز على كفاح العراق الجديد وتُساعد العبادي في تحقيق الإصلاحات.
العبادي يُسرع بإصلاحاته بسبب ضغط الحركة الشعبية غير الطائفية، التي شملت العديد من مُنظمات المُجتمع المدني مِمّن خرجوا للشوارع لإسابيع عِدّة. دور آية الله الكبير علي السيستاني، والذي شجّع العبادي أن يكون شُجاعاً ويُحقق الإصلاحات، كان محورياً. إصلاحات العبادي تتضمن مُحاربة الفساد وتأسيس مبدأ الجدارة في التوظيف الحكومي بدلاً من مُحاصصة الأحزاب والطائفية. يُريد المحتجون أيضاً مُصالحة وطنية وإصلاح السُلطة القضائية، بما في ذلك إستبدال رئيس السُلطة القضائية مِدحت المحمود، والذي كان داعماً للأعمال غير الدستورية لِسلف العبادي، نوري المالكي. الطائفية كانت سرطاناً على السياسية العراقية. آخر تعبير واسع النطاق للسياسة غير الطائفية جاء أثناء إنتخابات 2010م، عندما خفضّت بيئة أمن مُحسنة من سياسة الهوية لوقتٍ قصير. ولكن الطائفية تدفّقت مُجدداً عندما تدهور الأمن بعد الإنسحاب الأمريكي. اليوم تعرُض الأحداث فُرصة ثانية نادرة للعراق.
تواجه إصلاحات العبادي ثلاثة تحديات رئيسية:
أولاً: إنها قسّمت الشيعة، وأنتجت مُجابهة سياسية وصفها مُساعد السيستاني أحمد الصافي بإنها “معركة وجودية.” لقد عورضت الإصلاحات من قبل قادة الميليشيات، بضمنهم قائد مُنظمة بدر هادي العامري، وقائد كتائب حزبُ الله ابو مهدي المُهندس. إضافةً إلى عدد من الأحزاب السياسية التي تدعم نظام المُحاصصة السياسي.
هددّ قادة الميليشيات المُصلحين، إستهدفوا المُحتجين بالعُنف والخطف، وحتى توّرطوا بـ إشتباكات قاتلة مع قوات الأمن العراقية في بغداد الأسبوع الماضي. قاموا أيضاً بإصدار تصريحات مُناهضة للمُصالحة الوطنية مُتحدين بذلك رئيس الوزراء وإجتمعوا مع مدحت المحمود لإبداء دعمهُم له.
ثانياً: وبينما أهداف رئيس الوزراء جديرةً بالإحترام وطموحة، فإن الوسائل المتوفرة لديه لتحقيقها محدودة، بسبب تهابُط أسعار النفط الى الحد الأدنى، العبادي يملك موارد مالية أقل بكثير عن سلفهِ المالكي. وتتعقد الأمور أكثر بواقع الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، فهو يحتاج دعم كُل الميليشيات المُعارضة لإصلاحاته. العديد من المسؤولين الحكوميين الكبار لازالوا يحتفظون بمناصبهم بسبب نظام المُحاصصة ومن غير المُحتمل أن يُساعدوا العبادي في إنجاح خُطتهِ. علاقة العبادي مع الأكراد متوترة بالنزاعات على الصادرات النفطية والميزانية، من بين العديد من القضايا الأُخرى. أهمّ دعم قُدم للعبادي جاء من السيستاني والشعب المُطالب بالإصلاح.
ثالثاً: يظهر أنّ إيران تُريد أن تُسيطر الميليشيات على قطّاع الأمن العراقي وتجعلهُ موالياً لمُتشددي طهران.
يُريد العبادي أن تكون هذه الميليشيات و القوى المتطوَعة مُنظّمة ويُعاد ترتيبها وإدراجها ضمن قوة الحرس الوطني والتي ستكون تحت سيطرة الدولة. من المُحتمل أنّ إيران تتمنى لرئيس الوزراء العراقي أن يفشل أمّا ببساطة أن يترُك برنامج إصلاحاتِه ليعمل على مقربة أكثر مع إيران أو يتم إستبداله بشخصٍ آخر يكون إلى جانب الميليشيات.
بدأ المالكي فترتهُ الأولى كقائد مُستقل، ولكن حينما تغيرت الظروف ووضعت بقائهُ السياسي على المِحك، إرتمى في حضن إيران. خُطة إصلاحات العبادي وردّ إيران عليها أنتج رد فعل عراقي قومي ضدّ إيران. السيستاني، العبادي، وزُعماء الإصلاحات الآخرين يُريدون علاقات جيدة مع إيران، ولكنهم مُستاؤون من جهود قائد فرقة القدس الجنرال قاسم سُليماني لتحويل العراق إلى دولة تابعة.
هُناك الكثير من الأمور مُعرضة للخطر في هذا النضال من أجل الإصلاح. برنامج الإصلاحات ليس شاملاً – إذ لا يُعالج مشاكل المنطقة الكُردية. على الرغم من ذلك، نجاحه ممكن أن يؤدي إلى حكُم أكثر فعّالية، المُصالحة وتقليل التوّتر الطائفي. الطائفية والتمييز ضد السُنة غذىّ التطرُّف والإرهاب في أجزاء من المناطق العربية السُنية. الإستقلال الأعظم من إيران يُمكن أن يعود بآثار إيجابية على علاقات العراق الإقليمية ويُقلل من حوافز دعم البُلدان السُنية للمُتمردين السُنة والإرهابين.
زيادة التركيز على الكفاءة وسيادة القانون إذ يُمكن لهذين العاملين أن يُقللا من الفساد ويُحسّنا الخِدمات للشعب العراقي – وحتى يجذُبان الإستثمارات إلى العراق.
للولايات المُتحدة إهتمام في نجاح الإصلاحات. للمُساعدة في ترجيح كفّة موازين القوى السياسية لصالح العبادي، على صُنّاع السياسة أن يُركّزوا على فهم طبيعة حركة الإصلاحات العراقية وإيجاد طُرق لتعزيزها ودعمها.
على واشنطُن أيضاً الإستمرار بتزويد المُساعدات العسكرية القوية. جُهود الولايات المُتحدة في إعادة بناء الجيش العراقي ضرورية جداً لتزويد العبادي بقوات أمنية موالية وسلسلة رسمية وقوية للقيادة. هذه العلاقات الأمنية وعملياتُنا ضد “الدولة الإسلامية” حيوية وحاسمة للعبادي، ومن دونها، ينمو نفوذ إيران. يجب أن يكون ردُّنا إيجابياً ايضاً على نداءات العبادي للمُساعدة، ونساعدهُ بتطبيق خُطة الإصلاحات من خلال تزويده بالنصيحة التقنية لتحويل الأهداف إلى خُطط قابلة للتنفيذ وأثناء مرحلة التنفيذ في بعض المجالات مثل السياسة الضريبية، إعادة الهيكلة الوزارية، الإصلاحات الضريبية وتوليد الكهرباء وتوزيعها. أيضاً يجب علينا أن نُساعد العبادي على صقل (تهذيب) نطاق وتيرة الإصلاح لضمان عدم تجاوزه.
أخيراً، هذا الوقت المثالي لمُضاعفة دعمُنا الدبلوماسي بتشجيع جيران العراق السُنة للمُشاركة بشكلٍ بنّاء مع العبادي. حملة الإصلاحات هي خير دليل على أنهُ يبتعد عن السياسات الطائفية لِسلفهِ (المالكي). على الولايات المُتحدة أن تؤكّد لجيران العراق أنّ الإصلاحات الناجحة يُمكن أن تُساهم بالمُصالحة الوطنية وتُعيد توازن علاقات العراق مع جيرانه، مما يؤثّر إيجابياً على المنطقة بشكلٍ عام.
هذا الكفاح من أجل الإصلاح السياسي، الإقتصادي، والأمن القومي يُحتمل أن يكون ذو أمد طويل، ونجاحهُ ليس حتمياً. رئيس الوزراء حيدر العبادي يواجه ضغوط محلية وإيرانية كبيرة، ويحتاج مُساعدتنا لتحقيق التقدُّم. نحتاج إلى التصرُّف بسُرعة.
المصدر: هنا