فوهة بندقية تَظهُر بشكلٍ خاطفٍ من بين قدمَيْن في صورةٍ فوتوغرافية عام 1994 بعنوان «الإخلاص مع اليقظة» للفنانة إيرانيةِ الأصل شيرين نشأت Shirin Neshat. الأقدام والكعوب والساق في كِلا القدمَيْن مغطاةٌ بأياتٍ من القرآن بصورة نابضة بالحياة، لكن هذا العمل – بيعت نسخة مسيحية مقابل 110.000 دولار عام 2009 – مقتبسٌ في الحقيقة من شِعرٍ للكاتب الإيراني (طاهري سفرزاد) المتوفى سنة 2008.
هذه الصورة جزءٌ من سلسلةٍ لشيرين بعنوان «نساء الله» صنعتْها بين عامَيْ 1993 و1997 بعد عودتها إلى إيران لأول مرة منذ أن كانت طالبة في الولايات المتحدة خلال الثورة الإيرانية عام 1979. في هذه السلسلة وسلسلة «جمالها السَوْداوي»، تهدف شيرين إلى إظهار كيف «يسيطر الإيمان على القلق النفسي، بينما يعطي الاستشهاد والتضحية بالذات القوةَ للروح». كتبتْ في الفهرس أن عملَها الفردي الحالي يُعرَض في متحف هيرشورن وحديقة النحت في السوق الوطني في واشنطن.
وأضافت أن النساء في السلسلة «قويات وجديرات بالاحترام»، بالإضافة إلى أنهن يلبسن النقاب «على الرغم من أن التصور الغربي عن النقاب أنه رمزٌ لاضطهاد النساء المسلمات».
من الممكن القول أن معرَضَ هيرشهورن إنما هو نوعٌ من الظهور لشيرين نفسِها، بالإضافة إلى فنانات من العالم العربي بشكل أوسع، واللاتي يعملْن على فضح زيفِ الصورةِ النمطية الغربية، وخلقِ فهمٍ جديدٍ لحياة المرأة في الثقافة العربية. هيرشهورن واحدٌ من العديد من المتاحف في البلاد التي تَعرِض أعمالًا لفناناتٍ عربيات.
ويقول هرغ فارتانيان Hrag Vartanian، رئيس تحرير art blogazine وأحد مؤسّسيها: «هناك اهتمام ملحوظ للفن في العالم العربي بأمريكا، وهذا رائعٌ بالنظر إلى الوقت الذي كان فيه ذلك نادرًا».
وأضاف بأن صالاتُ العرضِ والمتاحفُ الأوربية عرضتْ أعمالًا لفنانين من العالم العربي، يتضمّنون فناناتٍ عربياتٍ على مدى عقود. لكن بعد الأحداث الإرهابية في 11 سبتمبر 2001، أدرك عالَم الفن في الولايات المتحدة أنه لا يوجد عددٌ كافٍ من القيّمين والباحثين والكتاب عن الفن في العالم العربي.
ويقول: «لقد قرروا اللحاق بالرَّكْب، ولكنْ مَرّ عقدٌ طويلٌ قبل أن نرى ثمار هذا الاهتمام الجديد».
تفكيك الحجاب
السلسلة الفوتوغرافية التي أعدّتها عام 2010 بعنوان «أُم، بنت، دُمية» الفنانةُ يمنيةُ الأصل بشرى المتوكل Boushra Almutawakel، والتي كانت جزءًا من معرض (هي من ستخبر القصة). ومثل فن شيرين نشْأت، كانت بُشرى تطرح أسئلةً عن وجهة نظر الغرب للحجاب من حيث كونه نوعًا من السجن فرضَه كارهو النساء.
تُفتتَح السلسلةُ بصورةٍ لأمٍّ ترتدي غطاءَ رأسٍ، وتحيط بذراعها ابنتَها التي تجلس في حضنِها وتحمل دميةً صلعاء (افتقار الدمية للشعر سيصبح ساخرا بشكل خاص عندما ترتدي غطاء رأس). وكلما تستمر السلسلة، تصبح ملابسُ الأمِّ والبنتِ سوداءَ بشكلٍ متزايدٍ، وأجسادُهن تتغطى أكثر وأكثر. في الصورة الثامنة وقبل الأخيرة من السلسلة، تَظهَر عيونُ الأم والبنتِ والدمية فحسب، وحتى أيديهنّ تغطيها القفازات. في الصورة التاسعة تختفي الشخصياتُ الثلاثةُ تمامًا.
يمكن تفسير السلسلة بأنها تمثل «اللامنطقية» لاعتبار الدميةِ مثيرةً لدرجة أنها تحتاج إلى تغطيتها، أو الأسباب التي تتطلب من امرأةٍ شابةٍ أن تُغطيَ نفسَها حرفيًا من رأسها إلى أخمص قدمَيْها.
ووفقا لفهرس المعرض، فقد رسمَت الفنانةُ بإلهامٍ من الكاتبة المصرية النَسَوية (نوال السعداوي) التي عقدت مقارنةً بين النساء اللواتي يرتدين الحجاب أو النقاب، والنساء اللواتي يضعن المكياج.
ويضيف الفهرس أن بُشرى استعارت من نوال السعدواي وجهةَ نظرها من أن «تلك الممارسات أخْفَت هوية المرأة» وتحدّيها «الربطِ الغربي بين الحجاب والجهل واضطهاد النساء في الشرق الأوسط».
ومن ناحيةٍ أخرى، وللتأكيد على هذه النقطة، يُظهر عملٌ آخر لبُشرى امرأةً تغطي رأسَها بالعَلَمِ الأمريكي.
إن المطالعةَ السريعةَ لأعمال بُشرى وشرين قد تؤدي إلى تفسيرٍ خاطئٍ لدى المشاهدين الأمريكيِّين لها على أنها شجبٌ، بدلًا من رؤية إمكانات الحجاب لإشاعة الصورَ النمطية التي تتطلب التحليل في المتاحف وساحات المعارض.
تقول ماريكا ساردر Marika Sardar، الأمين المساعد بقسم الفن الإسلامي وفن جنوب أسيا بمتحف سان دييغو للفنون: «أعتقد أن أغلب الزوار سيتفاجؤون من مستوى الحرية والتعليم والسياسة والذكاء الذي تتمتع به النساءُ العربيات. من الأهمية بمكانٍ رؤيةُ أعمالٍ فنية تظهرهنَّ قادراتٍ على الإبداع، فضلا عن مستوى التطورِ النظري الذي قاربوه بأعمالهم الفنية».
العاطفة من خلال الفن
على الرغم من اعتقادها أن المتاحف والمعارض في الولايات المتحدة هي في الحقيقة استجابةٌ للحساسية العالية تجاه العالم العربي في سياق الحروب الأهلية والحروب المُفوَّضة في أعقاب الربيع العربي، إلا أن إيمي لاندو Amy Landau، الأمين المساعد بقسم الفن الإسلامي وفن جنوب أسيا بمتحف والتر للفنون في بالتيمور، ترى الأمور بشكلٍ مختلفٍ قليلًا.
وتقول: «لا يستطيع المرء الحكمَ بشكل أساسي على التجربة بالنسبة للجنس في هذه المساحة الواسعة جغرافيًا، فالأوضاع تتغير من مجتمعٍ لآخر».
ولكن لاندو تُحذِّر من أن الصور رغم قوتها قد يُساء فهمُها إذا لم تعرض بالشكل الصحيح، كما أنه ليست كلُّ فنانةٍ من العالم العربي مهتمةً بالقضايا الجنسية أو متأثرة بها بالضرورة.
وتقول: «إن أكثرَ الطرُقِ فعاليةً لمواجهةِ المفاهيمِ الخاطئة هو النقاش».
تقول ديان أبستولس Diane Apostolos، أستاذة الفنون الدينية والتاريخ الثقافي بجامعة جورج تاون للدراسات الكاثوليكية ودراسات عن المرأة والجنس ومؤلفة العديد من الكتب منها «موسوعة النساء في الفن الديني»: «في الفن، فضلًا عن المجالات الأخرى، فالنساء مشاركاتٌ قوياتٌ في التغييرات الدراماتيكية في الربيع العربي».
وأضافت أنه في حين تركز أغلبُ المعروضاتِ على الفناناتِ العربيات، ومن الواضح أن هذا استجابةً للاهتمام الغربي المتزايد بالفن النسوي في العالم العربي منذ مأساة الحادي عشر من سبتمبر، بدأ اتجاهٌ جديدٌ مع معرض 1989 – «الفن المعاصر في العالم الإسلامي» في معرض باربيكان بلندن. يضم المعرَضُ أعمالًا من المتحف الوطني الأردني بعَمَان، تُسلِّط الضوءَ على المكانة الجديدة للفنانات المسلِمات.
يقف زوارُ المتحف الأمريكي، الذين قد لا يكونوا على درايةٍ جيدةٍ بالعالم العربي وديناميكيته الجنسية، لاكتساب فهمٍ جديدٍ من خلال مشاهدتهم لأعمال فنانات عربيات. يحصل الشيءُ نفسُه مع أعمالِ فنانين من أي منطقة لا يكون لدى الزوار معرفةٌ جيدةٌ بها. لكن هناك حاجة خاصة متعلقة بالعالم العربي بالنسبة للغرباء لرؤيةٍ «أبعد من عناوين الأخبار والصور القاتمة»، وفق ما تقوله سارة حسن Sarah Hassan، الكاتبة النيويوركية التي تغطي أخبار الفن لصالح بازار هاربر ومجلة ريورنت وغيرهما.
تشير سارة إلى أن الفنانات العربيات عادة ما يتعرضن للمراقبة أو النفي أو حتى الإعدام. فعلى سبيل المثال تقول شيرين أنها غير مرحب بها في إيران، وأنها لم تزُرْها منذ عام 1996 خوفًا على سلامتها.
ويضيف فانتريان أن الفن المعاصر «يمكنه عمل أشياءٍ رائعةٍ لكسر الصور النمطية وعرض أفاقٍ جديدةٍ للناس». كثيرًا ما يرى المشاهدون الأمريكيون المرأةَ العربيةَ على أنها «مظلومةٌ ومُهمَّشة»، وأعمال شيرين وبشرى يمكنها كسرَ تلك الصورِ النمطية.
أعمالٌ أخرى
وفقًا لفانترايان، فرغم تزايد العرضِ للفناناتِ العربياتِ في المتاحفِ والمعارض بالولايات المتحدة، فإن هناك نقصًا «ملحوظًا» في الاستجابة لهذا التغيير في قسم تاريخ الفن بالكليات والجامعات في البلد.
ويقول: «العديدُ من الجامعات ليس لديها أساتذةٌ لتدريس تاريخ الفن غير الغربي حتى الآن، وبالتحديد الفن في العالم العربي».
نشات عقبةٌ أُخرى في طريقِ عرضِ أعمالِ فناناتٍ مثل شيرين في هيرشهورن، وهي ان القائمين في الولايات المتحدة على عرضِ فنونِ الشرق الأوسط المصنوعة بعد عام 1800 المقتبسة من التأثير الأوربي والأمريكي يميلون إلى كونِها غير جديرةٍ بالعرض. وهذا وفقًا لمتحف سان دييغو للفن.
وأضافت أنه حاليا قَلَبَ أمناءُ المتاحفِ ومؤرخو الفن هذا التفكير رأسًا على عقب، لقد فهموا أن الفنانين من أسيا وأفريقيا والشرق الأوسط مشاركون مساوون على ساحة الفن العالمي المعاصر، بخلقِهم اتجاهاتٍ جديدة وتفكيرٍ جديد بقدر ما يقوم به فنانو أمريكا وأوروبا، وليسوا مُحاكين لهم فحسب.
ثم تأتي عناوين المعارض نفسها، التي يمكن أن تمتلئ بصورهم النمطية. غالبًا ما تعتمد المؤسسات على الشائع الذي يجذب اهتمام الجمهور والذي يمكن أن ينصب على «الحجاب والأهلّة والعوالم الخفية ورموز شرقية أخرى». ويضيف فارتنيان: «سأخمن أن هذا سيتغير في غضون جيل واحد، عندما نستطيع أن نتوقع أن جمهورَ الفن أصبح لديهم فهمٌ أوسع عن الفنانين والمجتمعات والقضايا ذات الصلة».
بعد يومٍ واحدٍ من مشاركة فارتنيان وجهةِ نظره، تلقى بريدًا إلكترونيًا يتضمن بيانًا صحفيًّا عن معرضٍ قريبٍ في متحف وستر للفن. عنوانه؟ «حلب المحجبة».
الهوامش:
معارض حالية وقديمة لأعمال فنانات عربيات:
• متحف هيرشرون وحديقة النحت في السوق الوطني بواشنطن. يعرض «شيرين نشأت: مواجهة التاريخ»، وهي صورٌ وأشرطةُ فيديو تشرَح الفروقَ البسيطةَ للسُلطة والهوية في العالم الإسلامي.
• متحف سان دييغو عرَضَ مؤخرًا أعمالًا للفنانة مغربية الأصل لالا أسايدي Lalla Essaydi تكشف عن قضايا محيطةٍ بدورِ المرأة في الثقافة العربية وتمثيلها بالتقاليد الفنية في أوروبا الغربية.
• متحف كارينجي بيتسبرغ للفنون عرَضَ «هي من ستحكي القصة: مصورات نساء من إيران والعالم العربي»، والذي أُسّس في متحف بوسطن للفنون الجميلة، وعُلِّق أيضًا في جامعة ستانفورد التي تتحدي الصورَ النمطية وتقدِّم نظرةً عن القضايا السياسية والاجتماعية.
• معرض هاورد غرينبيرغ عرَضَ «اكتشاف الشرق الأوسط: من منظور أنثوي» جامعة Sacred Heart في فيرفيلد بولاية كونيكيت، كما عرَضَ «سيولة، طبقية، حجاب: وجهاتُ نظرٍ لفناناتٍ من جنوب أسيا والشرق الأوسط» 2011، ومن2008 إلى 2011 جابَ مشروع «كسر الحواجز: فنانات من العالم الإسلامي» أنحاءَ البلاد والمكتبةَ الرئاسية لكلنتون وجامعة ييل ومركز كيندي.
بقلم: ميناشيم ويكر، صحيفة the Desert News.
ميناشيم ويكر: ناقدٌ فني وديني، وكاتبُ تقاريرٍ تعليميةٍ في واشنطن. كتابه «فكرٌ دون شرٍّ: تقليدَيْن دينيَّيْن ومشكلة الحرية الأكاديمية في التعليم العالي الديني» نُشر مؤخرًا عن دار كاسكيد.
المصدر: هنا