الرئيسية / إقتصاد / هبوط أسعار النفط: من الخاسر ومن الرابح؟

هبوط أسعار النفط: من الخاسر ومن الرابح؟

تراجعت أسعار النفط العالمية بشكل حاد على مدى الأشهر الماضية، مما أدى إلى تراجع الإيرادات بشكل كبير جدا في كثير من الدول المُصدّرة للنفط. في حين سيدفع المستهلكون في الدول المستورِدة أموالا أقل من أجل قيادة سياراتهم أو تدفئة منازلهم.

منذ عام 2010 وحتى منتصف عام 2014، كانت أسعار النفط العالمية مستقرة إلى حد ما عند حوالي 110 دولارات للبرميل. ولكن منذ بداية شهر يونيو من العام الماضي هبطت الأسعار لأكثر من النصف. كذلك تراجع سعر خام برنت لأقل من 50 دولار للبرميل، للمرة الأولى منذ مايو 2009. وأيضا تراجع سعر الخام الأمريكي لأقل من 48 دولارا للبرميل.

ترجع أسباب هذه التغيرات إلى عاملَيْن رئيسَيْن: ضعف الطلب في كثير من البلدان بسبب النمو الاقتصادي الضعيف جدا، وكذلك ارتفاع إنتاج الولايات المتحدة الامريكية.

يضاف إلى هذين العاملين حقيقة إصرار منظمة أوبك على عدم خفض الإنتاج كوسيلة لدعم الأسعار.

ولكن من هو الرابح ومن هو الخاسر من كل هذا؟

 

روسيا: الدعم المستمر للروبل

روسيا واحدةٌ من أكبر منتجي النفط في العالم، وارتفاع معدلات الفائدة إلى %17 لدعم العملة المضطربة يؤكد كيف يعتمد الاقتصاد الروسي على عائدات النفط بشكل كبير، حيث يشكل النفط والغاز حوالي 70% من الصادرات.

تخسر روسيا مليارَيْ دولار من العائدات مع كل دولار يهبط من أسعار النفط، وحذر البنك الدولي من أن الاقتصاد الروسي سينكمش بحوالي 0.7% على الأقل في عام 2015 إذا بقيت أسعار النفط على حالها. وعلى الرغم من كل هذا، أكدت روسيا أنها لن تخفض إنتاجها لدعم الأسعار. يقول وزير النفط الروسي ألكسندر نوفاك Alexander Novak: «إذا قمنا نحن بتخفيض الإنتاج، فإن الدول المستوردة للنفط سوف تُزيد من إنتاجها، وهذا يعني أننا سنفقد أسواقنا المتخصصة».

هبوط أسعار النفط، إلى جانب العقوبات الغربية على روسيا لدعمهم الانفصاليين في شرق أوكرانيا، هزّ البلاد بشدة. وخفضت الحكومة توقعاتها للنمو لعام 2015، حيث تتوقع أن يغرَق الاقتصاد الروسي في حالة من الركود. ويقول وزير المالية السابق ألكسي كودرين Alexei Kudrin أن «سقوط العملة ليس مجرد رد فعل لانخفاض أسعار النفط والعقوبات الغربية، ولكن أيضا بسبب «الاستعراض»، لعدم الثقة في السياسات الاقتصادية الحكومية». وبسبب كل تلك الضغوطات التي تواجه موسكو، يتوقع بعض الاقتصاديين المزيدَ من التدابير لدعم العملة.

ويقول لويس كوستا Luis Costa، أحد كبار المحللين: «نحن نعتقد أن ضوابط راس المال كمقياس سياسة لا يمكن أن تكون جاهزة الآن». ومع كل هذه المشاكل لا يزال الرئيس الروسي متحفظا على استخدام كلمة «أزمة»، في حين كان رئيس الوزراء ديمتري ميدفيدف Dmitry Medvedev أكثر صراحة في المشاكل الاقتصادية الروسية، حيث قال في مقابلة أجريت معه مؤخرا: «بصراحة وبكل ما تحمله الكلمة من معنى، نحن لم نتعافى تماما من أزمة 2008. بسبب التأثير المزدوج لانخفاض اسعار النفط والعقوبات الاقتصادية الغربية، كانت الحكومة مضطرة لتقليص الإنفاق. كما كنا مضطرين للتخلي عن عدد من البرامج وتقديم بعض التضحيات».

بالإضافة إلى ذلك، فإن رفع معدلات الفائدة يجلب معه مشاكل أخرى، حيث يمكن لهذا الارتفاع أن يخنق النمو الاقتصادي، وذلك لأنه يصبح من الصعب جدا لأصحاب العمل الاقتراضُ والإنفاق.

 

• فنزويلا: لا تخفيض للدعم

فنزويلا واحدة من أكبر الدول المصدرة للنفط في العالم. ولكن بسبب سوء الإدارة الاقتصادية واجهتْ صعوبة فعلية في الدفع، حتى قبل بدء أسعار النفط بالهبوط، حيث معدل التضخم عند 60%، والاقتصاد يترنح على حافة الركود. كما ان هناك حاجة ماسة لتخفيض الإنفاق، ولكن الحكومة تواجه خيارات صعبة.

البلاد بالفعل لديها أحد أرخص أسعار الوقود في العالم. سياسة دعم الوقود تكلف العاصمة كاراكاس 12.5 مليار دولار سنويا، ولكن الرئيس الفنزولي مادورو Maduro استبعد خفض الدعم الحكومي على الوقود، وبالتالي لن ترتفع الأسعار.

ويقول مادورو: «باعتباري رئيسا للبلاد، أعتقد أن اللحظة لم تحن بعد. ليس هناك اندفاع، ونحن لا ننوي وضع المزيد من الزيت على النار المشتعلة بالفعل بسبب المضاربات والتضخم.»

الحذر الحكومي أمر مفهوم، لأن ارتفاع أسعار النفط في عام 1989 شهد أعمال شغب واسعة خلفت مئات القتلى.

 

• المملكة العربية السعودية: السعر مقابل حصتها في السوق

المملكة العربية السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، والعضو الأكثر نفوذا في منظمة أوبك. تستطيع دعم الأسعار من خلال تخفيض إنتاجها، ولكن هناك أدلة قليلة على أنها تريد ذلك.

هناك سببان: محاولة لزرع الانضباط بين الزملاء المنتجين للنفط في أوبك، وربما وسيلة للضغط على ازدهار صناعة النفط والغاز الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية. وبالرغم من أن السعودية تحتاج لأن تكون أسعار النفط عند حوالي 85 دولارا للبرميل على المدى الطويل، إلا أنها تملك حوالي 700 مليار دولار كأموال احتياطية تمكنها من تحمل هبوط الأسعار لبعض الوقت.

يقول روبن ميلز Robin Mills، كبير المستشارين في (المنار للطاقة): «من حيث إنتاج وتسعير النفط بواسطة المنتجين في الشرق الأوسط، فهم بدأوا إدراك التحدي المتمثل في إنتاج الولايات المتحدة الأمريكية».

وإذا كانت فترة انخفاض الأسعار لإجبار بعض المنتجين ذوي الكلف العالية لإيقاف إنتاجهم، فإن الرياض تأمل المحافظةَ على حصتها السوقية في المدى الطويل.

ومع ذلك، فإن هناك تجربة تاريخية وراء عدم رغبة الرياض بخفض إنتاجها. في عام 1980 حيث قامت الرياض بخفض إنتاجها بشكل كبير كمحاولة لدعم الأسعار حينها، ولكن تأثير ذلك كان ضعيفا على الأسعار وأيضا كان له تأثير كبير على الاقتصاد السعودي.

 

• أوبك: ليس الكل متساويِين

جنبا إلى جنب مع المملكة العربية السعودية، فإن المنتجين الخليجيين، مثل الإمارات العربية المتحدة والكويت، قد جمعوا احتياطيات كبيرة بالعملة الأجنبية، مما يعني أنهم قادرون على تحمل العجز لعدة سنوات إذا لزم الأمر.

أعضاء أوبك الآخرون، مثل إيران والعراق ونيجيريا، لديهم مجالٌ أقل للمناورة فيما يتعلق بعائداتهم النفطية، بسبب زيادة الطلب المحلي على الميزانية الناتج من التوسع السكاني الكبير في تلك البلدان. جمعت هذه البلدان أقل من 200 مليار دولار كاحتياطيات بالعملة الأجنبية، مما يجعلهم تحت ضغط المنافسة من الولايات المتحدة الأمريكية.

نيجيريا، وهي أكبر منتج للنفط في أفريقيا، شهدت نموا في بقية اقتصادها، إلا أنها لا تزال تعتمد بشكل كبير على النفط. حيث تصل مبيعات النفط إلى 80% من مجموع الأيرادات الحكومية، وأكثر من 90% من صادرات البلد.

أما في العراق وسوريا، فقد شهدت الحرب مع داعش استيلائهم على كثير من آبار النفط. وتشير التقديرات إلى أن داعش تجني حوالي 3 ملايين دولار من خلال مبيعات النفط في السوق السوداء، وأيضا تحجيم أسعار السوق من خلال البيع بخصم كبير جدا بحوالي 30-60 دولار للبرميل الواحد.

 

الولايات المتحدة الأمريكية: طفرة التكسير

يقول جيسون بوردوف Jason Bordoff من جامعة كولمبيا: «كان نمو إنتاج النفط في أمريكا الشمالية، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، أمرا مذهلا. إن مستويات إنتاج النفط في الولايات المتحدة كانت في أعلى مستوياتها منذ 30 عامٍ تقريبا.»

إن النمو في إنتاج الطاقة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يُستخرَج الغاز والنفط من الصخر الزيتي باستخدام التكسير الهيدروليكي، كان واحدا من الأسباب الرئيسة لانخفاض أسعار النفط.

يقول سيث كيلمان Seth Kleinman، رئيس استراتيجيات الطاقة لدى Citi: «الصخر الزيتي قطع العلاقة بين الاضطرابات السياسية في الشرق الأوسط وبين أسعار النفط والأسهم.»

وعلى الرغم من أن العديد من منتجي النفط الصخري الأمريكي لديهم تكاليف أعلى بكثير من المنتجين التقليديين، إلا أن هناك احتياجات كثيرة لاستمرار الإنتاج، وذلك لتوليد بعض مصادر الإيرادات، على الأقل لسداد الديون وغيرها من التكاليف.

 

• أوربا وآسيا: منافع ومضار

مع الاقتصاديات الأوربية الضعيفة التي تتميز بانخفاض معدلات التضخم وضعف النمو، فإن أي فوائد تتحقق من هبوط أسعار النفط ستكون موضع ترحيب من قبل الحكومات المُحاصَرة. ويقول البعض أن كل 10% تهبط من أسعار النفط ينبغي أن تؤدي إلى زيادة بمقدار 0.1% في الناتج المحلي. بشكل عام، يستفيد المستهلكون من انخفاض أسعار النفط، ولكن انخفاض الأسعار هذا يؤدي في نهاية المطاف إلى تقويض الظروف التي أدت الى ذلك.

بالنسبة للصين التي تعتبر أكبر مستورد للنفط في العالم، ينبغي أن تستفيد من هبوط الأسعار. ومع ذلك فإن هذا الانخفاض في الأسعار لا يعوِّض بشكل كامل الآثار الكبيرة والواسعة الناتجة من تباطؤ النمو الاقتصادي.

أما اليابان التي تستورد تقريبا كل النفط الذي تستخدمه، فإن هبوط الأسعار كان نعمة ونقمة بنفس الوقت، حيث أن أسعار الطاقة المرتفعة ساعدت بدفع معدلات التضخم نحو الارتفاع، والتي كانت جزء من استراتيجية رئيس الوزراء شينزو آبي Shinzo Abe للنمو ومكافحة الانكماش الاقتصادي.

أما الهند التي تستورد 75% من احتياجاتها النفطية، يقول المحللون أن هبوط أسعار النفط سيحد من العجز في الحساب الجاري، وبنفس الوقت فإن تكاليف دعم الوقود ستنخفض بحدود 2.5 مليار دولار إذا ما استمرت الأسعار على ما هي عليه حتى نهاية العام.

المصدر: هنا

عن

شاهد أيضاً

الاقتصاد الأوروبي ينمو بينما الانبعاثات تنخفض

ترجمة : سهاد حسن عبد الجليل تدقيق: ريام عيسى  تصميم الصورة: أسماء عبد محمد إن …

الجريمة والاقتصاد في حقبة مارغريت تاتشر  

نشر في: موقع “ذي أوبزيرفر” بتاريخ: 27 أبريل 2019 الكاتب: جيمي دوارد ترجمة: مازن سفّان …