الرئيسية / تأريخ وتراث / بيثيا، عرّافة دلفي

بيثيا، عرّافة دلفي

ربما تكون أكثر النبوءات شهرة لعرافات دلفي هي نبوءة هزيمة كرويسوس من قبل الإمبراطورية الفارسية. تبعا للمؤرخ هيرودوت فإنّ كرويسوس ملك ديسانس أراد شن حرب للقضاء على الإمبراطورية الفارسية الناشئة وقد أجابته العرافة بأنه ” سيدمر الإمبراطورية العظيمة ” إن فعل ذلك وعلى إثر هذا جهز كرويسوس جيشه لغزو الفرس.

لم يعلم كرويسوس أنّ العرافة لم تقصد بلاد الفرس بقولها ” الإمبراطورية العظيمة” إنما قصدت بلاده. وكما يتابع التاريخ سرده للقصة – إن صحت- نطرح هنا سؤالا مهما، هل من المؤكد وجود ما يسمى بعرافة دلفي؟

في الجنوب الشرقي من حبل براسنوس تحديدا في وادي فوسيس، كانت دلفي في اتصال بالإله الإغريقي أبولو. طبقا لما تقوله الأسطورة كانت جهنم محروسة من قِبل ثعبان ضخم يسمى (بيثون) والذي كان تابعا للمذهب أي عبادة الأرض.

بعد مئات السنين وبعدما قتل أبولو الثعبان بيثون اتخذ من دلفي ملاذا له. يرجح أن تلك الأسطورة انعكاس لأحداث حقيقية في الفترة الميسينية (14-11 عشر قبل الميلاد) فقد كان هناك مستوطنات صغيرة وتجمعات في دلفي لعبادة وتقديس الأرض. وبين القرنين التاسع والحادي عشر قبل الميلاد انتشرت عبادة أبولو بحلول القرن الثامن قبل الميلاد اشتهرت دلفي بأنها منبع لقوى بيثيا النبوية. أما في القرن التالي فقد تم اعتبار “أواركل-عرافة دلفي” مؤسسة هيلينية رسمية يُطلب فيها استشارة أبولو في أمور وأحوال المدن اليونانية.

عبر العصور، أطلق لقب بيثيا على أي راهبة في معبد دلفي. في العادة تكون الراهبة قد تجاوزت الخمسين عاما، هجرت زوجها وترتدي ملابس الخادمات. وفقا ل “بلوتارخ Plutarch ” والذي خدم كراهب في معبد دلفي، تدخل بيثيا الغرفة الداخلية للمعبد المسماة )أديتون (Adyton ومن ثم تجلس على حامل ثلاثي القوائم وتستنشق الغازات الهيدروكربونية المنبعثة من شق صغير في الأرض تحتها – أكد الجيولوجيون هذه الجزئية – .

بعد غرقها في جو من الغشية النشوة تبدأ بالتمتمة بكلمات وطلاسم لا يفهمها البشر “العاديون” يقوم راهب آخر بتفسير هذه الطلاسم إلى اللغة المفهومة ومن ثم يرسلها إلى من طلبها. مع ذلك كانت الطلاسم والإيحاءات التي تلقيها بيثيا مفتوحة للتأويل، وغالبا ما تكون تفسيراتها متعارضة وهذا يبدو جليا في قصة كروسيوس. ولبيثيا حالات أخرى تكون فيها شديدة الغموض لدرجة أن لا أحد يستطيع تفسير ما تقوله.

على سبيل المثال، وتبعا للمؤرخ هيردوت، قالت إحدى العرافات قبيل الغزو الفارسي (480 قبل الميلاد) “بعيد رؤية زيوس الذي وهبك أثينا والجدار .. سيساعدك ويساعد أطفالك” . فسر سكان أثينا هذه النبوءة بأنّ أثينا والأكروبول سينجوان من الدمار بفضل الجدار الحامي.

ولكن، جاءت النبوءة التي تليها لتجعل كل شيء مشوشا وغير منطقي، حذرت العرافة أهل أثينا من خوض الحرب فقالت ” سلاميس المباركة، ستكون أبناء الأم المتوفين، إن تبعثرتم كالبذور وإن اجتمعتم.. ستكونون”

طبقا لهذه النبوءة، إن دخلت أثينا في حرب بحرية ضد الفرس فستبوء بالهزيمة. على الرغم من أن النبوءة الثانية كانت مشؤومة، قام قائد أثني يدعى “ثميستوكليس” بتحدي المعبد والطعن في أقوال العرافة، فبرأيه، إن كان مصير أثينا كما تقول فعليها أن تكون أكثر وضوحا.

اقتنع الإثنيون بضرورة شن حرب على الفرس، لا بسبب ثيمستوكليس ولكن لإيمانهم بأنّ الحرب أفضل من الجلوس وانتظار الموت. خاضت أثينا تلك الحرب الحاسمة وحققت نصرا كبيرا كان نقطة تحول في تاريخ الغزو الفارسي لليونان.

لذا إن كنت تؤمن بالنبوءات وتحاول معرفة المستقبل عن طريق العرافين والدجالين، تذكر كروسيوس وجدار أثينا. في النهاية أدى سوء تفسير النبوءة إلى هزيمة كروسيوس وهذا يوضح الاحتمالات الكثيرة التي تنطوي عليها طلاسم العرافة. وتذكر أنه لولا تحدي الإثنيين لكهنة معبد دلفي وخوضهم تلك الحرب ضد الفرس لما حفظوا أنفسهم وأهليهم من الدمار.

 

 

المصدر: هنا

عن

شاهد أيضاً

كيف بدأ تقليد أشجار عيد الميلاد؟

كتبه لموقع انسايكلوبيديا بريتانيكا: آمي تيكانين نشر بتاريخ: 14/ 12/ 2018 ترجمة: سارة الأعرجي تدقيق: …

هل النبي محمد شخصية حقيقية؟ خلاف بين الباحثين في الدين الإسلامي

كتبه لموقع شبيغل أونلاين: ياسين موشربش نشر بتاريخ: 18/ 9/ 2018 ترجمة: إبراهيم العيسى تدقيق: …