بعد 85 سنة من البحث، لقد أثبت العلماء ولأول مرة وجود جسيّم عديم الكتلة يدعى (فيرميون Weyl). مع قدرته الفريدة على السلوك كمادة وكمضاد مادة في البلورة، هذا الجسيّم الغريب يمكنه تخليق إلكترونات عديمة الكتلة.
يعد هذا الاكتشاف من أضخم الاكتشافات، ليس لأننا استطعنا أخيراً أن نثبت وجود هذه الجسيّمات صعبة الإدراك فحسب، ولكن لأنها تمهّد الطريق للحصول على إلكترونيّات أكثر فعاليّة بكثير، وللحصول على أنواعٍ جديدة من الحوسبة الكموميّة. “يمكن أن تستعمل فيرميونات Weyl هذه لحل مشاكل التجمّع للإلكترونات في الإلكترونيّات- حيث يمكنها أن تتحرك بصورة فعّالة ومنظمة أكثر بكثير من الإلكترونات. يمكن أن تقودنا لإنتاج نوعٍ جديدٍ من الإلكترونيّات يدعى بالـ(Wyeltronics).” هذا ما صرّح به رئيس الباحثين والفيزيائي زاهد حسن من جامعة برينستون في الولايات المتحدة لأنثوني كاثبيرستون في الـIBTimes.
إذن، ماهو فيرميون Weyl تحديداً؟ على الرغم من أنّنا قد عُلّمنا في درس العلوم في الثانويّة أن الكون مصنوعٌ من الذرات، فإن من وجهة نظر علم فيزياء الجسيّمات، فإن كل شيء مصنوع من فيرميونات وبوزونات. وبصورة أبسط، فإن الفيرميونات هي مواد البناء التي تصنع كل شيء، مثل الإلكترونات، أمّا البوزونات فهي حوامل القوة (الشحنة) مثل الفوتونات.
تُعد الإلكترونات بمثابة العمود الفقري لإلكترونيّات اليوم، وحينما تحمل الإلكترونات الشحنة بصورة جيدة، فإنها تميل إلى أن تتصادم مع بعضها وتتبعثر، مفتقدةً طاقة وباعثةً حرارة. ولكن في العام 1929م، أوضح فيزيائيٌ ألمانيّ يدعى هيرمان فيل (Hermann Weyl) نظريّاً بأنه يجب أن تكون هناك فيرميونات عديمة الكتلة، والتي يمكنها حمل الشحنة بفعّاليّة أكثر بكثير من الإلكترونات العاديّة.
والآن أظهر الفريق في جامعة برينستون أن هذه الجسيّمات موجودة فعلاً. في الحقيقة، فقد أظهروا في وسط اختباري أن إلكترونات Weyl يمكنها حمل الشحنة أسرع بـ1000 مرة من الإلكترونات في أشباه الموصّلات العاديّة، ومرتين أسرع داخل الغرافين.
وأشار الفريق في مجلّة Science Magazine بأنّها أكثر فعّاليّة بكثير من الإلكترونات، لأن محور غزل هذه الجسيّمات هو بنفس اتجاه حركتها (وهو ما يدعوه الفيزيائيّون بإتجاه اليد اليمنى) وبعكس اتجاهها (اتجاه اليد اليسرى) في الوقت نفسه. هذا يعني أنّ جميع الفيرميونات تتحرك بالإتجاه نفسه تماماً ويمكنها قطع العقبات التي تشتّت حركة الإلكترونات.
وقال زيد حسن في مؤتمر صحفي”إنّ الأمر يبدو كأنّها تمتلك أجهزة الـGPS الخاصّة بها وتوجّه أنفسها دون تشتّت. فهي ستتحرّك وتتحرّك بإتجاهٍ واحدٍ فقط بما أنّها أمّا بالإتجاه الأيمن أو الأيسر لليد ولا تنتهي حركتها أبداً لأنّها تستمر “بشق الأنفاق”. إنّها إلكترونات سريعة جدّاً يمكنها التصرف كأشعة ضوء أحاديّة المصدر ويمكن استعمالها لأصناف جديدة من الحوسبة الكموميّة.”
إن الأمر الممتع حول هذا الاكتشاف هو أن الباحثين قد اكتشفوا وجود فيرميون Weyl في بلورة صناعيّة في المختبر، على عكس الكثير من اكتشافات الجسيّمات الجديدة، مثل الاكتشاف الكبير لبوزونات هيغز Higgs، والتي يمكن ملاحظتها فقط بعد التصادمات الجسيميّة. وهذا يعني أنّ هذا البحث يمكن أعادته بصورة سهلة، وسيمكن العلماء مباشرةً من اكتشاف كيفيّة استخدام فيرميون Weyl في الإلكترونيّات.
لقد وجد فريق البحث هذا الجسيّم بعد التصنيع الخاص لبلورة شبه معدنيّة تدعى بـ(زرنيخيد التنتالوم)، والتي قد أشير إليها مسبقاً من قبل باحثين صينيين على أنّها (منازل محتملة) لفيرميون Weyl. بعد العثور على آثار لهذا الجسيّم صعب المنال في مختبرهم، نقل الباحثون البلورات إلى مختبر لورنس بيركلي الوطني في كاليفورنيا، وقاموا بإطلاق أشعّة فوتون عالية الطاقة خلالها. وقد أوضحت الأشعّة النافذة من الجانب الآخر أنّ هذه البلورات تحتوي فعلاً على فيرميونات Weyl.
إنّ فيرميونات Weyl تمثّل ما يعرف بـ(أشباه الجسيّمات Quasiparticles)، أي أنّها يمكن أن توجد في المواد الصلبة كالبلور, وليس كما هو الحال في الجسيّمات المستقلّة. ولكنّ الأبحاث الإضافيّة ستساعد العلماء للعمل على معرفة كم يمكن لهذه الجسيمات أن تكون مفيدة. “إن فيزياء فيرميونات Weyl غريبة جداً، يمكن أن تنشاّ الكثير من الأشياء من هذا الجسيّم والتي لا يمكننا الآن أن نتصورها.” أضاف حسن.
المصدر: هنا