الرئيسية / سياسة / السياسة من وجهة نظر تطورية: لماذا يميل الناخبون الشباب نحو اليسار؟… المسألة في الجينات

السياسة من وجهة نظر تطورية: لماذا يميل الناخبون الشباب نحو اليسار؟… المسألة في الجينات

بقلم: Avi Tuschman
ترجمة: واثق غازي
مراجعة: واثق غازي عبد النبي
بوستر: مصطفى خالد
———————————-

(إن لم تكن ليبرالياً في العشرينات من عُمرك، فأنت لا تملك قلباً. وإن لم تكُن محافظاً عندما تبلغ الثلاثين، فأنت لا تملك عقلاً).

لقد نُسبت صيغ مختلفة من هذهِ المقولة إلى بنيامين دزرائيلي، أوتو فون بسمارك، جورج برنارد شو، وودرو ويلسون، ثيودور روزفلت، أريستيد بريان، وونستون تشرشل. في الحقيقة لقد جاءت هذه الفكرة أولاً من رجل دولة فرنسي اسمهُ فرانسوا غيزو (1787-1874). وبغض النظر عن مصدره، فإن هذا القول المأثور يُثير سؤالاً مثيراً: هل إن الشباب فعلاً يميلون نحو اليسار بسبب العواطف والمثالية؟ ومع تقدم العُمر، يتحولون نحو اليمين لأنهم أصبحوا أكثر واقعية أو أكثر انتقاداً؟

على مدى السنوات العشر الماضية، كُنتُ قد درستُ التقسيمات السياسية من خلال الرؤية الأنثروبولوجية التطورية مع عِلم الوراثة وعِلم الأعصاب. يكشف البحث أنه خلال العشرينيات من عمرهم فإن الناس في جميع انحاء العالم يواجهون تحولات كبيرة في تلك الصفات التي يستخدمها عُلماء البايولوجيا لوصف شخصية الإنسان. على وجه التحديد، ينخفض مستوى “الانفتاح” ويرتفع مستوى “الجد والاجتهاد”. ويرتبط الانفتاح الأكبر بالفضول المعرفي، وتفضيل التنوع والتعددّية، والتصويت لليسار؛ بينما الجد والاجتهاد الأكبر، يتميز بالانضباط الذاتي وتحمل المسؤولية، مع توقع الدعم لسياسات محافظة أكثر.
هذا التحول في الشخصية السياسية عامٌّ على مستوى العالم تقريباً، كما هو الحال في توقيت ذلك التحول. اكتشفت دراسة اجريت عام 2004 من قبل علماء النفس روبرت ماكراي ويوري اليك في مجلة Journal of Cross Cultural Psychology على 36 ثقافة عبر افريقيا، وأوربا، واسيا، إن الانفتاح والاجتهاد يختلفان بين من تتراوح اعمارهم (من 10 إلى 22 عام) وبين الأكبر سناً. مع ذلك، إذا لم تتغير شخصية الفرد السياسية بعمر الثلاثين فإنه ليس من المرجح أن تتغير كثيراً بعمر الأربعين أو الخمسين أو الستين. هذا لا يعني أن جميع المراهقين ليبراليين وأن جميع كبار السن محافظين. في أي فئة عمرية، يتوزع الناس على امتداد الطيف بين اليسار واليمين على منحنى بشكل الجرس. المنحنى بأكلمه، على أي حال، يتحرك إلى حد ما نحو اليمين خلال منتصف العشرينات.

لقد أنتشرَ تفسير شائع لهذا التغير في الشخصية عند الشباب في سن البلوغ خلال الاضطرابات السياسية في الستينات في الولايات المتحدة الأمريكية. في ذلك الوقت، ادّعتْ الثقافة اليساريّة اليافعة المضادة أن اعدائها الايديولوجيين موجودون على الجانب الآخر من رقم غيزو السحري، 30 (من العمر). هذا الاعتقاد يستبطن أن الاشخاص الأكبر سناً من ذلك يصبحون محافظين أكثر لأنهم على الأرجح يمتلكون بيت ويكسبون راتب أعلى ويَضعون الكثير على المحك لدعم دعوة ثورية لتدمير النظام القائم.

خلافاً للإعتقاد الشائع، فإن دفع الضرائب، تكديس الثروة والتواجد ضمن الواحد بالمئة أو 99 بالمئة هي مؤشرات ضعيفة للغاية للتوجه السياسي بين اليمين واليسار. وفقاً لدراسات الانتخابات الوطنية الأمريكية، وهو مشروع مسح أكاديمي، فإن العلاقة بين مقدار دخل الأسرة والتعريف الحزبي بالنسبة للناخبين الأمريكيين في الانتخابات الرئاسية سنة 2012 لم تكن سوى 0.13. هذه العلاقة الاحصائية الضعيفة نموذجية للانتخابات السابقة.

هناك حدَث واحد في الحياة، على الرغم من ذلك، يُسرعّ كثيراً من عملية تحول الشخص نحو اليمين، وهو غالباً ما يحدث في الثلاثينيات من العمر: الأبوّة. تأثيرها السياسي من السهل أن نراه بين جموع طلاب الجامعات الكندية والذي دَرَسهُ عالم النفس روبرت التماير. إذ أن درجاتهم في اختبار الايديولوجية في عمر 22 قد ازدادت بمعدّل 5.4 لتكون أكثر محافظةً حين تم اعادة اختبارهم في سن 30. ولكن بين اولئك الذين تبلغ اعمارهم 30 عاماً، فإن الذين كان لديهم أطفال، ازدادت المحافَظَة لديهم بنسبة 9.4 بالمئة.

لماذا يدفع وجود الأطفال الناس إلى اليمين؟ الآباء يبقون على حذر من مصادر الخطر الممكنة والتي من الممكن أن يتجاهلها غير الآباء. هذا التحول في الإدراك من القوة بحيث يخلُق احساس وهمي بالخطر؛ الآباء الجُدد يميلون إلى الإعتقاد بأن معدلات الجريمة تزداد منذ أن ولد اطفالهم حتى لو كانت معدلات الجريمة تنخفض بشكل كبير واقعاً. ولأن فكرة “العالم خطير” ترتبط بالمحافظة السياسية، فإن الأبوة تدفع الناس إلى اليمين، وبنسبة أكبر فيما لو كان لديهم أطفال بنات.

خُبراء في الشخصية، مثل ماكراي، وهو عالم نفس في المعهد الوطني للشيخوخة، يقولون بأن شخصيات الناس ربما تكون عصيّة على التغير أيضاً بمرور الوقت. بينما نتقدم في العمر، فإن التغيرات في التعبير الجيني ممكن أن تُغير الانفتاح، والاجتهاد، والسمات الأخرى بصورة دقيقة لا تتضح مباشرة. هذه السمات والتحولات في الشخصية التي تتكشّف بين أواخر فترة المراهقة والبلوغ المبكر قابلة لأن تورّث بصورة لا بأس بها بين الأجيال.

حتى نفهم لماذا أن كلُاً من الطبيعة والبيئة تأخذان بتلابيب شخصياتنا في أوقات معينة، لابد لنا من تتبع أصول هذه التغيرات الدقيقة الغامضة في شخصيتنا إلى نشاط ما في الدماغ. علماء الاعصاب يفترضون أن الدماغ، إلى جانب باقي الجسم، يُنهي التطورات الكبيرة بعد البلوغ. ولكننا نعلم الآن أنه لا يصل إلى مرحلة النضج الكامل حتى سن 25 على الأقل. خُذ بنظر الإعتبار قشرة الفص الجبهي، التي تقع مباشرة خلف الجبهة. إنها المسؤولة عن تنظيم العواطف، السيطرة على النزوات، واصدار احكام (كُلفة مقابل منفعة) معقدة والتي تُقيّم الحوافز الآنية مُقابل العواقب المُستقبلية. على العكس من أغلب مناطق الدماغ، فإن قشرة الفص الجبهي تستمر بالنمو، ووظائفها التحذيرية تستمر بالتطور بصورة جيدة إلى منتصف العشرينات.

في وقت أسبق، في سنّ المراهقة، جُزء من الدماغ يُدعى الجهاز الحوفي، والذي يلعب دوراً محورياً في الإثارة والمُتعة الجنسية، يُدفع إلى حيز العمل، مُنشطاً السعي إلى الأثارة وتولي المُخاطرة. خُبراء التأمين الذين يعملون لصالح شركات تأمين السيارات لطالما اعتبروا الأشخاص الذين تقلُ اعمارهم عن 25 محفوفين بالمخاطر. لماذا قد تسمح الطبيعة بهذه الفجوة العاصفة المضطربة بين المشاعر الملتهبة في سن المراهقة وبين بداية النضج العقلي بعد 10 سنوات؟ هذه التغيرات في الشخصية ربما تكون تكيّف تطوري لمراحل مُختلفة لدورة الحياة. فالمستويات العالية من الانفتاح تشجع الشباب على أن يطوف العالم لإيجاد القرين. بينما الجد والاجتهاد هو الحاسم عند تنشئة الأسرة.

منظموا إستطلاعات الرأي العالمية يُدركونَ جيداً هذه التغيُرات في الشخصية خلال دورة الحياة، وهذا هو السبب في أنهم يولون إهتماماً كبيراً للسن. عندما يندفع الشباب للتصويت بنسب عالية، كما هو الحال في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية، فإن المحللين يستطيعون تقسيم عيناتهم إلى فئات للبحث عن نزعات حسب الفئات العمرية والتي تتوافق تقريباً مع التطورات التي تحدث في الدماغ قبل وبعد منتصف العشرينات. وهذا يعني أنهم يقومون بتحليل المجموعة العمرية من 18 إلى 20 سنة بصورة منفصلة عن المجموعة العمرية من 25 إلى 29 سنة. في إنتخابات التجديد النصفي، والتي تكون فيها اصوات الشباب مُمثلةً تمثيلاً ناقصاً، فإن مُنظمي إستطلاعات الرأي عادةً ما يَضمونهُم كُلهم في مجموعة ديموغرافية واحدة، من 18 الى 29 عام.

في عصر البيانات الكبيرة هذا، فإن خُبراء السياسية بالطبع يمتلكون أدوات أُخرى تحت تَصرفهم لجعل تحليلات هذه المجموعات الكبيرة أقل إرتباطاً. بصفته الرئيس التنفيذي لشبكة الإعلانات السياسية DSPolitical، يُشير جيم والش إلى أنه من السهل الآن التركيز على الأفراد من أي عُمر وفقاً للعشرات من فئاتهم الديموغرافية والإستهلاكية الأخرى. ومع ذلك، لايزال خُبراء الرأي العام يُراقبون المَجاميع العُمرية لدراسة حساسيتهم للتغير في مسار التاريخ، والثقافة، والدورات الاقتصادية. في بعض الحالات، الأحداث الجارية تتغلب على مراحل دورة الحياة مُغيرّةً الإتجاهات الجماعية للجماعات بطرق مثيرة للدهشة. في عام 1984، صوّت مَن تترواح اعمارهم بين 18 إلى 24 سنة لرونالد ريغان ضد والتر موندال بفارق 22% من النقاط، وهو نفس الفارق للمصوتين الذين تتراوح اعمارهم بين 50 إلى 64 عام. تصويت الشباب هذا قد يكون محافظاً بشكل مفاجيء، لأن ريغان كان قد ترأس في فترة انتعاش قوي من الركود بينما كان يُنظر لمانديل كمرشح ضعيف. الناخبون الجمهوريون الشباب في عام 1984 ربما أيضاً قد عَبّروا عن شعورهم بالإنفصال عن الحركات الإجتماعية الليبرالية خلال فترة الستينيات والسبعينيات.

الناخب الشاب اليوم يلتصق أكثر بنمط الشخصية التي شكلّها التطور، بالرغم من أن المُتغيرات البيئية مثل ثورة وسائل الإعلام الإجتماعية قد تَركتْ أثرها كذلك. وكما هو متوقع، فإن جيل الألفية يميل بشكل كبير إلى اليسار في معظم القضايا الإجتماعية، ولكن بشكل أقل قليلاً في القضايا الإقتصادية. هؤلاء “المواطنون الرقميون” الذين نشأوا وهم غارقون في مواقع التواصل الإجتماعي، قد أُطلق عليهم كذلك اسم جيل السيلفي Selfie. و”السيلفي” قد يكون وصفا ملائماً أكثر: الفئة العمرية تتميز بالنزعة الفردية في جميع المجالات. وفقاً لمركز Pew للأبحاث، جيل الألفية أقل إنتماءً بكثير للمؤسسات السياسية، والدينية، والثقافية التقليدية وأقل احتمالاً بأن يكونوا متزوجين مقارنة بالأجيال السابقة. إتّهمَ بعض المُعلقين جيل السيلفي بوجود إحساس بالإستحقاق بدون أن يفعلوا ما يُوجب ذلك الإستحقاق مُعبرين عن فرديّتهم كنوع من النرجسية الناجمة عن الفيسبوك. بعض المُراقبين جادلوا بأن جيل الألفية يُظهرون مستويات عالية من السخرية والوحدة –وأكثر عرضة لأن يعيشوا مع ابائهم- لأنهم يواجهون توقعات إقتصادية أسوء مما واجهها الجيلين السابقين.

بغض النظر عن المنظور الذي يتخذه الفرد، فإن بيئتنا الإقتصادية والتكنلوجية المتغيرة تَركتْ إنطباعاً عند جيل الألفية وقولبت سلوكهم السياسي بطُرقٍ شتى غير متوقعة. مع ذلك، مثل أغلب المجاميع العُمرية بين 18 إلى 29 عاماً، فإن تصويتهم ليبرالي بشكل ملحوظ أكثر من المتوسط. على الرغم من خصوصيات الأجيال، فإن مراحل الحياة العالمية تُؤثر بالتأكيد على التوجهات السياسة، وهذا يوافق كلمات غيزو. ومثل أوجه طبيعتنا السياسية الأخرى، فإن تحولات دورة الحياة لها جذور تطورية عميقة.
——————————
المصدر http://www.businessweek.com/articles/2014-04-17/liberal-or-conservative-brain-development-may-be-key-factor

عن

شاهد أيضاً

الجواز الأمريكي لا فائدة منه

يمكنني التنقل حيث شئت بجواز سفري الألماني. ولكن عدد الدول التي تسمح للأمريكيين بالدخول تكاد …

حصرياً: من داخل مخيمات تدريب تابعة لحزب الله لنشر الأخبار الزائفة  

  بقلم: ويل كريسب وسداد الصالحي  بتاريخ: ٢/آب / ٢٠٢٠ ترجمة: رحاب الهلالي تدقيق: ريام …