الفلسفة والفيزياء للوهلة الأولى يبدوان لنا عكس بعضهما تماماً، لكن ومن خلال العنوان أعلاه يبدو أنهما يطرحان السؤال نفسه. مؤخرا ً قام الفيزيائيون بمراجعة عنوان هذا المقال بالفلسفة الحديثة التي تعود جذورها إلى أكثر من قرن مضى: عدم واقعية الوقت، ماذا لو كان مرور الزمن هو عبارة عن وهم وتخيل؟هل سيصبح العالم شيء معقول لنا من دون الزمن؟
في الحقيقة إن العالم من دون مرور الزمن الذي نعرفه يبدو بعيد الإحتمال,اسماء كبيرة في الفيزياء مثل إيد ويتن رائد نظرية الأوتار وعالم الفيزياء النظرية براين غرين مؤخرا طرحا مثل هذه الفكرة.الواقع الذي لايتاثر بالوقت يمكن أن يساعد في التوفيق بين الإختلافات الموجودة في ميكانيكا الكم والنظرية النسبية،ولكن كيف يكون مثل هذا العالم معقولا لنا؟إذا الفيزياء بالفعل إقترحت إن مرور الوقت هو عبارة عن خيال ووهم، فالفلسفة سوف تسلط الضوء على هذا التصريح الغريب.
الفيلسوف البريطاني ماك تاغارت(J.M.E McTaggart)،طرح هذه الفكرة في عام 1908 وكان عنوان ماكتب”وهم الزمن”. الفلاسفة اعتبروا مقالته واحدة من أكثر المقالات المؤثرة والمثيرة للجدل،التجارب الحديثة قامت بتطبيق هذه الفكرة. من خلال النظربعيون الفيلسوف ماك تاغارت،الواقع من دون الوقت يصبح نوعا ما اكثر سهولة،وفي خصائصه فهو يعتبر مقبول.
قصة وقتان
إن مقال ماك تاغارت ضد واقعية الوقت أخذ الكثيرمن التآويلات، ولكن فكرته كانت البدأ بالفوارق في ترتيب الأحداث في الزمن.المجموعة”A”والمجموعة” B” من الزمن تشكل جزء متكامل من فكرة ماك تاغارت،وسوف أقوم بتوضيح هذا الإختلاف او الفارق كمثال من حدث تاريخي.
في 20 من يوليو سنة1969، أبولو11 أصبحت أول مركبة فضائية مآهولة هبطت على سطح القمر. القصد من فكرته يكون، النظر لهذا الحدث على إنه تمثيل لحدث حصل في الحاضر. ورجوعا لأيام عديدة في الماضي إلى تاريخ 16 من يوليو مثلا، بعدها أبولو11 يرتفع بعيدا ًعن الأرض. ولنضيف الأن عدة ايام بالمستقبل بعد رجوع رواد الفضاء للأرض بأمان والإنتهاء من مهمتهم. تقسيم الأحداث تم كالتالي”عدة أيام في الماضي”، “وعدة ايام في المستقبل”سنصنفها بالمجموعة”A”، حدث الهبوط على سطح القمر، وبعض الأحداث الاخرى مثل(إغتيال لينكولن)، حدث في الماضي البعيد,وبعض الأحداث في المستقبل البعيد،مثل(تنصيب الرئيس اوباما)، وبعض الأحداث الحاصلة في مكان مابينهما.
في المجموعة “A”، الأحداث تحصل وتتدفق بين هذه التصنيفات(الماضي،الحاضروالمستقبل). في 16يوليوكان الهبوط على القمر لازال يعتبر حدث مستقبلي. في اللحظة التي يهبط فيها أبولو11 على سطح القمر يكون ذلك الحدث هو الحاضر. بعد الهبوط وحصول هذا الحدث الأحداث تبدأ بالتغير وتصبح في الماضي.
في المجموعة”B”، لايتم تقسيم الأحداث على أساس ماضي بعيد ومستقبل بعيد، بدلا ًعن هذا في المجموعة”B”، يتم ترتيب الأحداث تبعاً لعلاقتها بأحداث اٌخرى. تحت هذا التصنيف، إغتيال لينكولن حدث قبل الهبوط على سطح القمر، وتنصيب اوباما للرئاسة سيحدث بعد الهبوط على سطح االقمر، هذا الترتيب المتسلسل يبدو وكانه يلتقط لنا أحداث زمنية بطريقة مختلفة.
وقتان وتناقض واحد
مع هذا الأختلاف في المكان،يضيف ماك تاغارت ويناقش مجموعة من الأساسيات المطلوبة للوقت لكي يحدث التغيير. في المجموعة B، إن الطريقة في ترتيب الأحداث لاتتغير أبداً، كمثال فإن تنصيب اوباما للرئاسة لن يتغير ويحدث قبل الهبوط على سطح القمر والعكس صحيح.هذا التسلسل في الأحداث لن يتغير.
لكن في المجموعة”A”، إشتمل على التغييرات التي من الممكن توقعها في تدفق الزمن. الحدث بالبداية كان بالإمكان أن يحدث في المستقبل، من ثم حدث في الحاضر.بعد ذلك اصبح هذا الحدث في الماضي. الزمن في المجموعة”A”يمتلك خاصية التدفق، والتغيرات فعلا تحدث. داخل عقل ماك تاغارت (وربما في عقل العديد من الناس)، هذا التغير يعتبر ضروري فهو الهيئة والمظهر التي عن طريقها نعرف الزمن.
لكن هنا تكمن التناقضات.إذاهذه الأحداث تتغير في الواقع،هذا يعني إنها متناقضة، ماك تاغارت يناقش فكرة إن الحدث لايمكن أن يكون في الماضي، في الحاضر، وفي المسقبل. كل هذه الخواص غير مترابطة مع بعضها، لذا إن المجموعةA تؤدي إلى نشوء تناقضات. بناءا ًعلى ذلك الزمن الذي يتغير،هو غير موجود أصلاً في الحقيقة، أهلا بكم في عالم خالي من الزمن.
إنتظر لحظة
العديد من علماء الفيزياء والفلاسة بالتاكيد لازالوا يعتقدون بأن الوقت حقيقي، ورفضوا تصريحات ماك تاغارت، فهناك الكثير من القيود والأراء المضادة يمكنك القراءة عنها في مقالات اخرى. مع هذا، فان أعمال ماك تاغارت قامت بالتاثير على النهج المتبع من قبل عدد من الفلاسفة فيما يخص الوقت، وأعماله الهمت الكثير من الفلاسفة لإدخال الفيزياء في مجالات بحثهم وتفكيرهم.
عندما طرح ألبرت أينشتاين نظرية النسبية الخاصة، فهو فعلا ً قد غير مفاهيمنا وإدراكنا عن تدفق الزمن. في النظرية النسبية الخاصة لايوجد تزامن مطلق للأحداث. في إطار مرجعي واحد، هنالك حدثان يحصلان في الوقت نفسه. إن مراقب سرعة الصواريخ، يمكن أن يراقب حدث يحصل قبل حدث آخر، سواء كان هذا المراقب صحيح في موضعه أم لا: هذه هي الغرابة المرتبطة بالنظرية النسبية الخاصة.
بناء ً على ذلك، العديد من الفلاسفة إستخدموا النظرية النسبية الخاصة كدليل على عكس ماتم طرحه عن الوقت في المجموعة A، إذا كان التزامن المطلق الغير متغير للأحداث ليس موجود أصلا ً، فلايكون هنالك معنى من قول إن هذا الحدث يحصل في الحاضر،فليس هناك حاضر مطلق غير متغيريمتد في الكون بناءا ًعلى النظرية النسبية الخاصة.
لكن فكرة ماك تاغارت ربما تساعدنا في فهم أكثر لهذا النوع من الفيزياء الغريبة، أي الفارق والإختلاف مابين ميكانيكا الكم والنظرية النسبية العامة، كمحاولة للتوفيق بينهما،بعض العلماء قاموا بتطوير نظريات الجذب الكمي، مايعني أن العالم بشكل اساسي لاوجود للوقت فيه.
براد مونتون، فيلسوف فيزيائي من جامعة كولورادو بولدر، مؤخرا نشر مقالة يقارن بها فلسفة ماك تاغارت مع النظريات الحديثة للفيزياء، بمافيها نظرية الجذب الكمي. خلال المقابلة قمت بسؤاله،كيف إن بعض من الأفكار حول عدم وجود الوقت في نظرية الجذب الكمي تمت مقارنتها بأفكار ماك تاغارت. يقول،”يمكننا أن نساويها بالراديكالية وتعني البحث في الجذور الأساسية”،وأضاف”هنالك الكثير من الراديكالية”. نوه مونتون،إن الجاذبية الكميةلاتعني نفس تفسير وفهم ماك تاغارت عن عدم واقعية الوقت. وأضاف، الفيزيائي جون ويلر على ماقاله مونتون،إفترض أن الوقت ربما لايكون شي أساسي في هذا الواقع، لكن هذا فقط يحدث على نطاقات معينة وصغيرة.
بعض من هذه الأفكار في الجاذبية الكمية ربما تكون راديكالية، لكن أسماء لها تاثير في الفيزياء فعلا فكرت إن الواقع من دون وقت هو شيء مقبول في عمقه ودلالته. إذا نظرية الجاذبية الكمية أوضحت لنا إننا بحاجة لفهم من الجذورللوقت،فإن فكرة ماك تاغارات قد تساعدنا. وكما كتب مونتون في مقالته:”إن الميتافيزيقيا لماك تاغارت غير قابلة للتطبيق، لتبديد شكوك الفيزيائين، ولكن لهم كامل الحرية في التصور من منظور فلسفي على الأقل، ونحن بحاجة لإكتشاف نظريات حيث الوقت يكون فيها شي غير واقعي.
العديد من نظريات الجاذبية الكمية محتاجة للتآمل، وهناك إحتمالية يمكن أن يكون فيها الوقت وهمي بشكل بارز في الفيزياء، إذا كانت هذه هي القضية،اذن نتآمل من فلاسفة العلم أن يساعدونا لفهم وإدراك هذا الأمر جيداً.
المصدر: هنا