الرئيسية / تأريخ وتراث / الحسن ابن الهيثم… عالم إسلامي مهد الطريق للإحتفالية الألفية بالضوء

الحسن ابن الهيثم… عالم إسلامي مهد الطريق للإحتفالية الألفية بالضوء

نفتقر للعديد من احتفالات الذكرى السنوية  لموضوع علمي عندما يتعلق الأمر بالعودة إلى الوراء لألف عام. حيث كان العلماء الأذكياء في غرب أوروبا في القرن الحادي عشر يشبهون في أيامنا هذه مجموعة تسمي نفسها «منظمة مكافحة اللقاح». ولكن  في الشرق البعيد، أي في العالم الإسلامي، كان هناك العديد من العلماء اللذين عملوا بجد للحفاظ على العلوم الإغريقية والتوسع بها.

بعد وقت قصير من ظهور الإسلام، بدأ العلماء بترجمة إطروحات أرسطو والفلاسفة الكبار الآخرين بالإضافة لعلماء الرياضيات إلى اللغة العربية. وفي القرون التي تلت ذلك، كثّف المثقفون العرب الإسلاميون جهودهم إلى ما هو أبعد مجرد ترجمة النصوص القديمة وهو العمل على تطوير العلوم.

حيث قام الكتاب العرب بتدوين ملاحظاتهم عن العلماء الإغريق، وقاموا بتطوير الرياضيات العالية كالجبر وألأسئلة الرئيسية للبحث التي اختلف عليها المفكرين القدماء، مثل بنية الكون وطبيعة الرؤية. وكان من بين أعظم هؤلاء العلماء ابن الهيثم، وإسمه اللاتيني أبو علي الحسن ابن الحسن ابن الهيثم Abū ‘Alī al-Hasan Ibn al-Hasan Ibn al-Haytham.

كانت أعظم أعماله، كتاب المناظر (كتاب البصريات)، وقد قام بتأليفه حوالي العام 1015م. وهذا سبب من الأسباب التي دعت الأمم المتحدة، لإعلان سنة 2015 السنة الدولية للضوء.

وقبل ألف عام، لم يكن علم البصريات مجرد فرع من فروع العلوم الطبيعية فحسب، فقد امتدت نتائجه لتصل إلى التصوير الفوتوغرافي، وأقمار التجسس، والسرعات العالية للإنترنت من خلال الألياف الضوئية. وكان علم البصريات واحداً من أكثر العلوم أهمية، وعلى الأخص من خلال الطريقة  التي نرى بها علم الكونيات أو فيزياء الجسيمات في أيامنا هذه. واعتبر كثير من العلماء القدماء أن الضوء هو أساس المواد المادية  وكانت الرؤية هي طريقة الإدراك الرئيسية للمعرفة حول الطبيعة  والطريقة التي من خلالها يلمس الواقع الخارجي الروح الداخلية.

لذا فابن الهيثم، الذي يعد أعظم علماء العلوم البصرية على مر العصور، يستوجب و بشكل واضح احتفالاً ألفياً به.

كتب مؤرخ العلوم ديفيد لندبرج David Lindberg في كتاب عن نظريات الرؤية : ” كان ابن الهيثم بلا شك أهم شخصية في تاريخ البصريات في الفترة ما بين العصور القديمة والقرن السابع عشر”.

و بغض النظر عن مساهمته الهائلة في علم البصريات، كان ابن الهيثم واحداً من أكثر الشخصيات المفعمة بالفضول في تاريخ العلوم في العصور الوسطى. ولد ابن الهيثم في البصرة (العراق حالياً)، وكان من الواضح أنه تلقى تعليماً جيداً، بعد أن درس تقريباً جميع كتابات المؤلفين اليونانية الشهيرة، مثل أرسطو، وأفلاطون، وبطليموس، وأرخميدس، وجالينوس وغيرهم الكثير. كان ابن الهيثم فيلسوفاً طبيعياً، وعالم رياضيات، وفلكي، وقد كتب تقريباً أكثر من 200 كتاب عن مختلف جوانب الطبيعة.

كان ابن الهيثم يتفاخر بأنه يعرف كيفية بناء هياكل يمكن من خلالها السيطرة على فيضان نهر النيل من خلال البيانات الحسابية. وعندما سمع الخليفة في القاهرة في ذلك الوقت تفاخر ابن الهيثم  قام بدعوته إلى مصر.  ومن ثم أمره المضي قدماً الى النيل والقيام بما كان يقوله عن نفسه. على ما يبدو قام ابن الهيثم بالسفر إلى منبع النيل، ولكن سرعان ما أدرك أن فرصة نجاح نظريته معدومة  بسبب وجود الصحراء. لذا عند عودته إلى القاهرة ادعى الجنون وذلك لصرف غضب الخليفة عنه فقضى عدة سنوات تحت الإقامة الجبرية الى أن مات الخليفة.

كما استخدم ابن الهيثم الجنون كحيلة وهمية عندما كان في العراق لتجنب المهام التي لم تكن تروق له. ولكن مهما كانت ظروف حياته، فقد قام بكتابة  العديد من التساؤلات العلمية الرئيسية في أيامنا هذه، وخصوصاً العلاقة بين الضوء والرؤية.

اختلف العلماء القدماء بشكل كبير حول هذا السؤال. فإقليدس، وبطليموس، قامو بتعديل وجهات نظر أفلاطون، حيث أصروا على أن الرؤية تتطلب انبعاث عن العين إلى الأجسام المصورة. في حين قال أتباع أرسطو بعكس ذلك. فالضوء المشع من مصدر أو مجسم هو الذي يسمح لصورالمجسمات بالوصول إلى العين وذلك من خلال وسائل شفافة (كالهواء).كما ظهرت أشكالاً مختلفة من هذا الإنقسام بين طلاب جالينوس – الذي كان قد وصف فيزيولوجيا العين والأعصاب البصرية التي تصل إلى الدماغ – حيث يفترض أن تقوم الروح بإمتصاص الصور التي جاءت بها الضوء والرؤية.

انحاز ابن الهيثم إلى وجهة نظر أرسطو “الولوج”، حيث تتم الرؤية من خلال استقبال العين للصور الخارجية. في مقابل النظرية التي تقول  “بالإنبعاث”; أي الضوء الناشئ من العين لتحقيق الرؤية والإبصار، لذا بدا من الصعب التوصل لتوافق بوجود بعض تلك التناقضات الواضحة. وأشار أرسطو نفسه إلى أنه من غير المعقول أن نفترض أن العين يمكن أن تنبعث منها أشعة قادرة على الوصول إلى كل النجوم البعيدة.

ولكن ابن الهيثم لم يتوقف عند نقض “الانبعاث”. فشرح أيضاً كيف أن الصورة- ويقول-  فلتكن إحدى الجبال، يمكن أن توائم مقلة العين البشرية الصغيرة نسبياً. وفي هذا الصدد، عمل إقليدس وبطليموس على وضع رسم «هندسي- رياضي» معقد لكيفية خلق العين لأشعة مخروطية بصرية قادرة على أن تحوي صور الأجسام التي تنظر إليها. فهم ابن الهيثم كيف يمكن تطبيق الرياضيات على”الأشعة المتخيلة” التي تمر عبر العين من نقاط مختلفة من الجسم المنظور. وبعبارة أخرى، فإن الهندسة التي كان قد طبقها مناصروا “الانبعاث” على الأشعة المادية المنبعثة من الضوء يمكن أن تتحول لتصف الميكانيكا حول الأشعة التي تأتي عبرالضوء. وقام ابن الهيثم بالجمع بين هذه الأفكار بالإضافة لمعارفه (من خلال جالينوس) عن وظائف العين، ووصف كذلك عملية الإبصار (مع تشديده على أهمية عدسة العين ) وكيف أنها تقوم بإرسال الصور إلى الدماغ.

لم تكن نظرية ابن الهيثم صحيحة تماماً. وفقط مع خلال عمل كبلر في القرن ال17 ظهر بشكل واضح الفهم الحديث للصور المسقطة على شبكية العين. ولكن الاستراتيجية الفلسفية الضمنية لابن الهيثم هي التي مهدت الطريق لهذا الفهم الحديث. ففي حين أن العلماء السابقين قد دافعوا عن واحدة أو أخرى من وجهات النظر المتنافسة، سواء الفيزيائية (لأرسطو)، أو الرياضية (لأفلاطون، إقليدس، بطليموس)، أو الفسيولوجية (لجالينوس) كما سعى ابن الهيثم لدمج تلك الأفكارالتي لا يمكن التوفيق بينها، وكان برنامجه واحداً من طرق توحيد المعرفة المختلفة.

وكتب ليندبرغ  Lindberg: “كان التزام ابن الهيثم بنظرية الرؤية التي تجمع بين المادية والطبيعية والرياضية  قد حدد نطاق وأهداف النظرية البصرية إبتداءً من أيامه  حتى الوقت الحاضر”.

كان إنجاز بن الهيثم أعظم مما قد يبدو في يومنا هذا، فقد سارت الرياضيات والفيزياء جنباً إلى جنب، حيث كان هذان العلمان في العصور الوسطى يخدمان أغراض معينة، ليس فقط في مجال البصريات ولكن أيضا في علم الفلك. حيث سعى علماء الفيزياء (أو في المصطلحات القديمة، الفلاسفة الطبيعيين) لإيجاد تفسيرات فيزيائية لأعمال الطبيعة. وسعى علماء الرياضيات لصياغة معادلات لوصف لما يحدث في الطبيعة. فعلماء الرياضيات يمكنهم التنبؤ أين ستكون الكواكب خلال حركتها عبر السماء. واقترح الفلاسفة الطبيعيين طرقاً لشرح كيف تتم هذه الحركة فيزيائياً. ولكن كان توقع حركات الكواكب والنجوم من خلال التحليلات الرياضية للسماوات تتعارض تماماً مع الفهم الفيزيائي السائدة حول العمليات الفيزيائية التي يمكن أن تنتج الحركات الفلكية، في حين كان ابن الهيثم يصرعلى ضرورة التوفيق بين المناهج المختلفة.

كتب المؤرخ أحمد دلال: لا تنبع أهمية أعمال ابن الهيثم فقط من خلال دمج الرياضيات مع الفيزياء. فهو أيضاً فهم ضرورة دمج العلم مع المجتمع.

كانت المعرفة في العالم الإسلامي في القرون الوسطى ذات قيمة كبرى بداية من الحفاظ على الوقت إلى بناء المساجد ذات التوجه الصحيح نحو مكة المكرمة، حيث قام العلم بخدمة تلك الإحتياجات المجتمعية، وفي الثقافة العربية الإسلامية في العصور الوسطى المبكرة، كان العلم  يمارس على نطاق لم يسبق له مثيل في ما مضى أو حتى في التاريخ البشري المعاصر”.

كان ابن الهيثم واحدأ من سلسلة طويلة من الفلاسفة، وعلماء الفلك، وعلماء الرياضيات المسلمين الذين ساهموا في بناء الأسس العلمية التي تزاول في بقية أنحاء العالم اليوم. لذا فإن الاحتفال بالذكرى الألفية لابن الهيثم ينبغي أن ينظر إليها باعتبارها احتفالاً بكل علماء العالم العربي الإسلامي الذي يعود له الفضل على العالم الحديث. وربما أيضاً  ينبغي أن يكون فسحة للتفكير في ما قد يحدث عندما يتم تقليص دور العلم في المجتمع، فما حدث في العالم العربي الإسلامي منذ قرون وإلى الآن كثيراً ما يهدد بأنه قد يحدث لأمريكا اليوم.

المصدر: هنا

عن

شاهد أيضاً

ماذا يعني تحطيم التماثيل؟

توجهنا بالسؤال إلى خبيرة تاريخ الفن التي درست تدمير التراث الثقافي.   بقلم: جوناه أنجل …

لا يحدث كل شيء لسبب

بقلم: نيكولاس كليرمونت ترجمة: رحاب الهلالي تدقيق: ريام عيسى تصميم الصورة: امير محمد ١١/حزيران / …