بقلم: جيري بارنيت
منشور بتاريخ: 14 أيلول/سبتمبر، 2019
ترجمة: ياسين إدوحموش
تصميم الصورة: امير محمد
قام مؤلفو مشروع بحث دولي في علم الوراثة للسلوك المثلي بالإبلاغ مؤخرًا عن نتائجهم، متسببين في خلق ضجة إعلامية. نظر الفريق الدولي من الباحثين في علامات الحمض النووي وبيانات من مسوحات السلوك الجنسي التي أنجزها أكثر من 400,000 مشارك في البنك الحيوي البريطاني، بالإضافة إلى 69,000 مستخدم من شركة 23andMe (المتخصصة في علم الجينوم والتكنولوجيا الحيوية)، فوجدوا خمس علامات وراثية مرتبطة بسلوك المثليين، كما خلص الباحثون إلى أن الوراثة يمكن أن تُفسر ما بين 8 في المائة و 25 في المائة من الاختلاف في السلوك الجنسي من نفس الجنس.
يدور جدل حول مدى ارتباط النشاط الجنسي البشري بالوراثة، منذ عام 1993 على الأقل، عندما بدأ حول أن دراسة مثيرة للجدل وجدت أن بعض الناس لديهم نزعة وراثية للمثلية الجنسية، ما أدى إلى ظهور هذا المفهوم “جين الشذوذ” أو «Gay Gene». إن فكرة أن جينًا واحدًا قد يكون مسؤولًا عن السلوك الجنسي – أو في الواقع أي سمة نفسية أخرى – قد تم تفنيدها وأصبحنا نعلم الآن أن سلوك الإنسان يتأثر بعدة جينات، ولكل منها تأثير طفيف.
تشير التغطية الإعلامية للدراسة الحديثة إلى أن هذا المجال من البحث يُساء فهمه على نطاق واسع من جانب الصحفيين، بما في ذلك بعض الصحفيين العلميين. تأمّل العنوان الرئيسي في تقرير نشرته البي بي سي: “لا يوجد جين واحد مرتبط بأن تكون مثليًا.” ورغم أن هذا صحيح، إلا أنه مضلل لأنه يشير إلى عدم وجود جينات مرتبطة بالشذوذ الجنسي. قامت مجلة شركة (فوربس) بكتابة مقالة مربكة بالقدر نفسه، حيث جاء في عنوانها: (“جين المثليين” هو أسطورة، لكن كون المرء مثليًا هو شيء “طبيعي”، كما يقول العلماء). نشر موقع الغارديان مقالًا لكاتب العمود أوين جونز تحت عنوان: (نظريات “جين المثليين” تنتمي إلى الماضي – نحن نعرف الآن أن الحياة الجنسية أكثر مرونة بكثير). استطاع جونز رفض البحث بأكمله في هذا التعليق الغريب، حيث قال: “…. وبينما قد يكون البحث مثيرًا للاهتمام، فمن المؤكد أنه غير ذي صلة بالموضوع…”
لماذا يقلل الصحفيون من أهمية اكتشاف علمي مهم كهذا، بينما هم لا يفهمون معناه بوضوح؟ قد يكمن السبب في ذلك في أن المدافعين عن حقوق مجتمع الميم (LGBTQ+) يتضاربون حول ما إذا كان ذلك يساعد أو يعيق قضيتهم الكبرى المتمثلة في الاعتراف بوجود مكون وراثي لسلوك المثليين أو أي سمة نفسية بالفعل. من ناحية، فإنه يشير إلى أن هوية مجتمع الميم ليست خيارًا؛ وبالتالي فإن محاولات إقناع المثليين باختيار – العلاجات “المسيحية” للمثلية الجنسية، على سبيل المثال – مضللة. لكن من ناحية أخرى، يبدو أنه يفتح الباب أمام تفسيرات بيولوجية لسلوكات اجتماعية أخرى – حقيقة أن عدد النساء اللواتي يخترن ممارسة مهن في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات أقل من الرجال، على سبيل المثال – وهذا يقوّض الآراء التقدمية الأورثوذكسية، التي تعطي الأولوية للتفسيرات الاجتماعية والثقافية. إننا نرى هذا الصراع في الخلافات بين النسويات التقليديات اللواتي روّجْن لفكرة أن الجنس بناء اجتماعي، والمدافعين عن حقوق المتحولين الجنسيين الذين يؤكدون بأن الإحساس الداخلي لما هو جنس المرء له أساس بيولوجي عصبي، لكنه لا يتطابق دائمًا مع جنسهم الذي وُلدوا عليه.
يومًا بعد يوم، ومع تقدم العلوم الوراثية، أصبح من الواضح أكثر من أي وقت مضى أن جميع الصفات النفسية تتأثر وراثيًا. وقد عبر عالم الوراثة إيريك تورخيمر عن ذلك فيما سماه (القانون الأول لعلم الوراثة السلوكية): جميع الصفات السلوكية للإنسان قابلة للوراثة. من الاعتداء الجنسي إلى فقدان الشهية، نكتشف أن علم الوراثة يلعب دورًا مهمًا في التأثير على شعورنا وكيفية تصرفنا. تتمثل القائمة الفارغة للرد بتصوير كاريكاتوري لأي شخص يدافع عن مثل هذه النتائج باعتباره “شخصًا يتبع نهجًا وراثيًا حتميًا”، والذي ظل في المناخ السياسي المحموم والمعادي للفكر الرائج اليوم لا يبعد سوى خطوة واحدة عن وصفه بأنه (فاشي). وهذا أمر خطير. في نهاية المطاف، إذا كان من المقبول وصفهم بالفاشيين، وكان علماء الوراثة السلوكيون ينشرون آيديولوجيا تكاد تكون فاشية، فإننا قاب قوسين أو أدنى من تبرير القمع القسري للبحث العلمي في علم الوراثة (وهو ما يميل الفاشستيون الفعليون لفعله).
إن المطلوب بدلًا من ذلك هو إجراء محادثة عامة حول هذه النتائج. فإذا كان صحيحًا أننا سنتمكن قريبًا من توقع النشاط الجنسي (أو على الأقل، تحديد احتمالات لتوجهات جنسية مختلفة) من خلال اختبار الحمض النووي على الجنين، فكيف يجب أن نستجيب لهذا؟ وامتدادًا لهذا السؤال، كيف يمكننا الاستجابة عندما يمكننا التنبؤ بالعديد من الجوانب الأخرى لشخصية الطفل الذي لم يُولد بعد، من الذكاء إلى ميله إلى الإجرام العنيف؟ هنالك إجابات ليبرالية وغير ليبرالية عن هذه الأسئلة. أولئك الذين يهتمون بالعقل والحرية بحاجة إلى البدء في إعداد موقف يدافع عن الحرية العلمية، فضلًا عن الحقوق المتساوية للجميع، بغض النظر عن محتوى الجينوم الخاص بهم، كما يجب أن تكون هناك استجابة صارمة ضد كل من لا يبالي من جماعات اليسار المناهض للعلوم واليمينيين المتطرفين الذين قد يسعون إلى إساءة استخدام فهمنا الجديد للأسس الوراثية للسلوك الإنساني من أجل خدمة أغراضهم السياسية. وكما أوضح ستيفن بينكر، بأننا إذا قمعنا التحليل الذكي المدروس لهذه النتائج العلمية المثيرة للجدل في وسائل الإعلام الرئيسية، ودفعنا المهتمين بها لزيارة المواقع الإلكترونية اليمينية والمنتديات لمعرفة المزيد، فإن المتعصبين هم من سيسودون.
رابط المصدر: هنا