بقلم : آني سبارو ، ٢٤ آذار ٢٠٢٠
ترجمة : سهاد حسن عبد الجليل
تدقيق: ريام عيسى
تصميم الصورة: امير محمد
إن العاملين في المجال الصحي هم أثمن مواردنا في مكافحة جائحة كورونا. وهم أيضاً ضمن الحلقة الأضعف . فخلال تفشي وباء السارس عام ٢٠٠٣، كانت نسبة ٢٠ بالمئة من المصابين في العالم (١٧٠١) هي للعاملين في الرعاية الصحية. نحن نميل للتركيز على العمر كعامل خطورة في الإصابة ب ( كوفيد ١٩)، لكن الخطورة الكبرى قد تكون العمل في المجال الصحي بأي عمر.
حيث تتخطى العواقب الأفراد المصابين بكثير. فكل من يمرض او يموت من العاملين في الصحة بسبب ( كوفيد ١٩) سيؤدي إلى تقليل قدرة النظام الصحي الذي يهتم بنا جميعاً. مع ذلك هناك خطوات مهمة يمكن أن تتخذها السلطات الصحية العامة حالًا لحماية العاملين في المجال الصحي، وإن فقدان الخيال هو وحده العائق أمام استخدامها.
كوني طبيبة مختصة بالأطفال وأخصائية صحة عامة، فقد عملت اثناء الكثير من أسوء تفشيات الأمراض في العالم، والعديد منها في مناطق حروب. وهذا ليس اول وباء أواجهه، كما هو حال العديد من زملائي حول العالم. ومع ذلك، وللمرة الأولى. امتلئ خوفًا وحتى يأساً. لماذا؟
حتى في أفضل الظروف، يتعرض الطاقم الطبي للخطر . ففي غرفة الطوارئ، من المعروف أنه دائمًا يجب علينا أن نقترب من مرضانا لإنقاذهم – لعمل إنعاش القلب والرئتين والتنبيب (ادخال أنبوب في القصبة الهوائية لمساعدة المريض على التنفس) و اجراء التنفس. وعندما يكون الوقت هو الفيصل قليلًا منا سيتركون مرضاهم بسبب الحاجة إلى كمامة، فنحن نخاطر.
يتعرض العاملون في الصحة اليوم لخطر كبير لعدة أسباب. حيث يتعرض أفراد الطاقم الطبي إلى الفيروس اكثر من عموم الناس. وهذا يعني أمرين؛ أنهم اكثر عرضة للإصابة وأكثر من ذلك أنهم يصابون بحالات أسوء عندما يمرضون – والذي يمكن أن يكون سبب وفاة العديد من الأطباء الصينيين الشباب. ويقل توفير المعدات الوقائية الطبية بارتفاع أعداد المصابين. حيث أن اجتماع التوتر وساعات العمل الطويلة قد يجعل النظام المناعي للعاملين في الصحة اكثر ضعفًا مما هو عليه عادةً. إجتماع هذه الظروف سوية يحول المستشفيات إلى مناطق ساخنة لنقل المرض – مضخات لفيروس كورونا.
منذ بداية هذه الجائحة، قام العديد من العاملين في الخطوط الأمامية للقطاع الصحي بدفع الثمن الأكبر. فالأطباء في ووهان الذين كانوا أول من اطلق إنذار الخطر لم تسكتهم السلطات فحسب، بل مات العديد منهم بسبب الفيروس. فالعامل المسبب للمرض لا يميز بين التخصصات.
حيث كانت الوفاة الاولى بينهم للطبيب لي وينليانغ، أخصائي عيون شاب – وهي مهنة لا تعتبر عادةً خطرة جداً. وكان زميله مي زونغ منغ الذي توفي الشهر التالي أخصائي عيون أيضاً. أما الثالث كان جراح الغدة الدرقية والثدي. الرابع كان جراح اعصاب ومدير مستشفى. وفي بريطانيا يرقد أخصائيا طب وجراحة الأنف والأذن والحنجرة في حالة حرجة.
نحن لا نمتلك حتى أعدادًا دقيقة عن عدد العاملين في الصحة الذين اصيبوا أو توفوا. فالصين لم تعلن مطلقاً أعداد دقيقة – كما أنها لم تعرض أبداً بياناً دقيقاً عن العدد الإجمالي للأشخاص المتوفين جراء ( كوفيد ١٩). تقول بكين: “اذا توفيت بدون اجراء تحليل لك عن وجود كوفيد 19 فأنت لم تمت بسببه.”
وعلى مدار ستة أسابيع، أصرت الصين على أن ١٣ طبيب فقط اصيبوا، مهدئة إيانا بجعلنا نعتقد أن الانتشار داخل المستشفيات أمرًا غير مقلق ويمكن منعه باستخدام الكمامات والكفوف. وفجأة في الرابع عشر من شباط، ارتفع العدد المعلن عنه بسرعة إلى ١٧١٦، اكثر من عدد المسعفين المصابين خلال فترة وباء سارس بأجمعها. وبحلول ٢٠ شباط، قامت بعثة منظمة الصحة العالمية إلى الصين بالإبلاغ عن ٢٠٥٥ حالة مؤكدة في المختبرات ل ( كوفيد ١٩ ) بين العاملين في الصحة . أما بحلول ٣ شباط، فقد قدرت الصين أنه ما يقارب ٣٢٠٠ قد اصيبوا.
وعلى النقيض، أبلغت إيطاليا باستمرار عن نسب مرتفعة للمسعفين المصابين – حوالي ٨,٥ بالمئة من اجمالي الإصابات، أو ٢٠ بالمئة من القوى العاملة في الرعاية الصحية. وفي اسبانيا اصيب اكثر من ٤٠٠٠ عامل في الرعاية الصحية.
هذه دول معدة إعداداً جيدًا. أما في أماكن اقل تطورًا من العالم كما في اغلب
أراضي جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، أنظمة الرعاية الصحية الضعيفة وتدابير مكافحة العدوى غير الكافية – النقص في المياه الجارية، ودعنا من نقص الغرف المعقمة أو غرف الحجر – كل ذلك يعني أن الطاقم يتحمل العبء بخطر شديد واستثنائي. يحدث الأمر نفسه في مناطق للصراع مثل اليمن وسوريا، بالإضافة إلى مخيمات اللاجئين المزدحمة والأحياء النائية والفقيرة في المدن. جميع هذه المناطق هدفًا رئيسًا لفيروس كورونا.
عندما لا يتوفر أطباء لإجراء التنبيب (ادخال الأنبوب في القصبة الهوائية لمساعدة المريض على التنفس) ولا ممرضين لتوفير الرعاية، سيزداد معدل الوفيات بشكل كبير. ليس فقط بسبب (كوفيد ١٩). حيث أن الأسباب القاتلة المعتادة– مثل أمراض القلب والسرطان والحوادث – لا تتوقف بشكل يلائم الوضع اثناء الجائحة.
نحن نعلم جميعًا أن استخدام معدات الحماية الشخصية واجراءات السلامة المتعلقة بذلك أمور أساسية. ومع ذلك، حتى عندما يرتدي العاملون في الرعاية الصحية البدلات البيضاء الخاصة، غالبًا ما تستطيع جزيئات الفيروس أن تجد طريقًا لإصابتهم. ومن الممكن أن تفشل المؤسسات الصحية على حدٍ سواء في واجبها بحماية العاملين في مجال الرعاية الصحية. عندما اصيبت ممرضتان في دالاس بمرض ايبولا عام ٢٠١٤، ادعت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها أن ذلك كان بسبب خرق لشروط السلامة – لكن الممرضتين قالتا أنه لم يتم وضع أي شروط للسلامة في المقام الأول. عندما ظهرت أعراض على ممرضة من كاليفورنيا كانت تهتم بمريض مصاب ب( كوفيد ١٩ ) وطلبت الخضوع للفحص، رفض مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها، قائلاً لو كانت قد اتبعت شروط السلامة لما كانت قد اصيبت. بعد ذلك قامت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها بتغيير شروط السلامة لكلتا الحالتين لكنها لم تعتذر قط من الممرضتين.
على أي حال لا يوجد اليوم ما يكفي من الكمامات والبدلات والنظارات الواقية. نظراً لعد اليقين والخوف والمخاطر المحيطة بهذا المرض فمن الصعب امتلاك الثقة اللازمة لرعاية المرضى بشكل جيد. للأشخاص الذين يقضون أوقات مع عائلاتهم وأطفالهم بعد مناوبات عملهم فإن الأمر أكثر صعوبة.
لكلا الأسباب الواقعية والإنسانية، يجب أن تكون حماية العاملين في الرعاية الصحية من أولوياتنا القصوى في محاربة فيروس كورونا. فالأسرّة الإضافية والمستشفيات الإضافية وسلسلة التجهيز المثالي ستكون كلها زائدة عن الحاجة اذا لم يبقى العاملون في الرعاية الصحية او لم يكونوا مستعدين لتقبل الخطورة الكبيرة في مكافحة المرض.
مع ذلك هناك اشياء يمكن القيام بها لحمايةٍ أفضل للعاملين في الرعاية الصحية. إن اللقاح لمرض ( كوفيد ١٩ ) بعيداً جداً، لكن هناك ادوية معينة اخرى قد توفر بعض الحماية. ذلك لا يعني تبني اشكال متعدد من الدجل وزيت الأفعى والعلاجات المعجزة المزعومة والتي يميل إلى تعزيزها الفزع من الجائحة. إن بروتوكولات الأبحاث (جدول أعمال الأبحاث) ليست كالشائعات و النوادر والتغريدات الرئاسية.
مع ذلك فإن جانبًا واحدًا يستحق الاستكشاف ألا وهو استخدام لقاحات حية لزيادة الاستجابة المناعية للمستلم. أحد هذه التطعيمات يدعى لقاح ( عصيات كالميت غيران ) او (BCG) ، والذي تم استخدامه طويلاً ضد مرض السل.
أظهرت دراسات عدة في سياقات أخرى أن ال (BCG) يقوم بإعداد الجهاز المناعي ليستجيب بشكل أفضل للإصابات من الفيروسات المتعددة، وليس فقط مرض السل. وأظهرت دراستان أجريتا على البالغين ( واحدة على المرضى بعمر ٦٠ إلى ٧٥ ) إن لقاح (BCG ) يقلل الإصابات في الجهاز التنفسي بنسبة ٧٠ إلى ٨٠ بالمئة. واعلنت دراسة اخرى أن خطر الإصابة في الجهاز التنفسي لدى الاطفال الملقحين اقل بنسبة ١٥ إلى ٤٠ بالمئة. وأظهرت دراسة اخرى أنه عندما يعطى لقاح (BCG) للأطفال الرضع في بلدان تعاني من تحديات صحية عديدة وعندما يجتمع مع خطة مناعية منشطة، فإنه يخفض الوفيات بأقل من الثلث ولجميع الأسباب. ومع ذلك، تقترح بعض الدراسات أن هذا التأثير الوقائي يدوم فقط إلى أن يتم فيما بعد إعطاء لقاح معطل (مثل لقاح الانفلونزا).
بالنظر إلى هذا البحث الواعد، قامت مراجعة منهجية مكلفة من منظمة الصحة العالمية بالاستنتاج أن لقاح (BCG ) يمتلك أثار مفيدة خارج الهدف وأوصت بأبحاث إضافية. واحدة من هذه التجارب المماثلة بدأت تواً في هولندا. ومن المقرر أن تبدأ تجربة اكبر على ٤٠٠ عامل في الرعاية الصحية خلال الاسبوع القادم في استراليا. ويتم النظر في تجارب اخرى في اليونان وبريطانيا والمانيا والدنمارك والولايات المتحدة.
الحماية لن تكون مثالية – فلقاح ( BCG ) ليس كمثل التطعيم المستهدف ل ( كوفيد ١٩ ) – لكنه من المحتمل أن يقلل وبشكل كبير المعاناة والوفيات بين أولئك الذين يتلقون اللقاح. اذا تم إعطاء لقاح (BCG ) إلى العاملين في الرعاية الصحية فقط، فإننا قد نخفض فعلياً الخطورة التي يواجهونها ونقلل خطورة انهيار مستشفياتنا وأنظمتنا الصحية. وإذا كان فعالاً، يمكن أيضاً اعطاءه بسرعة للأشخاص المعرضين للإصابة بشكل خاص مثل كبار السن. وقد يكون نافعاً بشكل خاص في بلدان تمتلك أنظمة رعاية صحية ضعيفة يقهرها انتشار سريع لتفشي كبير. إن اللقاح رخيص وآمن، والأهم من ذلك، أنه جاهزًا للتجربة حالًا. إن الأولوية يجب أن تكون للعاملين في الرعاية الصحية، لكن ما أن يتم تسريع انتاج اللقاح، سيكون متاحاً على نطاق أوسع بكثير.
حتى الآن فإن المؤسسات العالمية الكبيرة في حالة تلكؤ. ورغم توصيات منظمة الصحة العالمية، فإن معاهد الصحة العامة الكبيرة لا تقوم بدراسة ال(BCG ) بشكل فعال. وحتى مؤسسات الصحة الشاملة مثل ( غيتس ) لا تقوم بتمويل هذا البحث الحاسم. بينما قد يكون بحث وتطوير ادوية جديدة اكثر اثارة، يصعب تفهم ممانعة اكتشاف الاستخدامات غير التقليدية لأدوية موجودة. اما شركات الأدوية الكبيرة فهي تجلس بلا حراك، على ما يبدو بسبب قلة الأرباح من لقاح موجود مثل (BCG).
إن جودة دفاعاتنا العالمية هي جودة العاملين في الخطوط الأمامية للرعاية الصحية. ومع توفر الكثير من الأدلة التي تشير إلى إمكانية توفير لقاح ال ( BCG ) حماية جزئية على الأقل، فإن التغاضي عنه أمر لا يمكن السكوت عنه وحتى غير اخلاقي، ببساطة لأن هذه التدابير ( الاستراتيجية ) غير تقليدية وغير مربحة. لذلك هنالك حاجة ماسة لإجراء تجارب لاختبار تأثيراته النافعة ضد ( كوفيد ١٩ ).
المصدر: هنا