كتبه لموقع “ذي كونفرزيشن”: ماجدالينا زاويسزا
نُشر بتاريخ: 26/10/2016
ترجمة: إبراهيم العيسى
تدقيق ومراجعة: نعمان البياتي
تصميم الصورة: أحمد الوائليّ
في الوقت الذي كنا نظن فيه أن التعصب الجنسي أصبح من الماضي، بدأت وسائل الإعلام تتناقل قصص دونالد ترامب وهو يتبجح بملامسة النساء، ورغم هذا فإن 13% فقط من النساء الجمهوريات يعتقدن أن عليه إيقاف حملته للرئاسة، وفي الوقت الذي تفضّل فيه النساء عموماً منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، يعدّها 49% منهن غير مناسبة للرئاسة، مع أنّها كرست حياتها للخدمة العامة، إلا إن كثيرين ينتقدونها على أنها أمّ سيئة، مثلها مثل رئيسة وزراء بريطانيا التي يراها كثيرون قاسية وباردة، أما مارغريت تاتشر التي كان يُطلق عليها “المرأة الحديدية”، فكانت تتميز بكفاءة عالية لكنها قاسية.
يتم غالباً النظر إلى دعاة المساواة بين الجنسين بذات النظرة، إن عدت بالذاكرة إلى المقابلة التي أجريت مع ميريل ستريب عن تجربتها بشأن فجوة الأجور بين الجنسين في مجال السينما، تجد أنها لم تستخدم كلمة تدل على الأنوثة عندما تم سؤالها إن كانت من المؤمنين بالمساواة بين الجنسين، بل على العكس شددت على حبها للرجال، كما لو كانت تستبق هجوماً، لكن لِمَ كل هذا الضيق والاشمئزاز المحيط بالدعوة للمساواة بين الجنسين، والتي جل ما تسعى إليه هو مجرد المساواة بين الجنسين؟ قد تكون تلك هي طبيعة التعصب الجنسي.
يتسم التعصب الجنسي المعاصر بالانقسام بشكل رئيس، نحمل -نحن البشر- عادة مشاعر إيجابية (خيّرة) ومشاعر سلبية (عدائية) تجاه النساء (وكذلك تجاه الرجال)؛ يشمل التعصب الجنسي العدائي نظرة سلبية قديمة وعلنية تجاه النساء، إذ يعدّهنّ كثيرون بأنهنّ يسعين للسيطرة على الرجال، وينبغي بمقتضاها كذلك أن تكون سلطة الرجال أكبر من سلطة النساء، فهنّ قد يلجأن إلى استخدام جاذبيتهن الجنسية للاستفادة من أفضلية الرجال عليهن، وكونهن أقل أهلية منهم.
ومن ناحية ثانية، يظل التعصب الجنسي الخيّر أكثر مكراً، فهو إيجابي في الحالة الطبيعية المتوازنة ولكنّه يضعف مكانتهن ويتفضّل عليهن، فهو يظهرن بشكل نمطي، ويعمل على تحجيم دورهن الاجتماعي، من معتقداته كذلك أن دور النساء هو الرعاية ودور الرجال الحماية، أي إنّ النساء أضعف من الرجال. يكون هكذا نوع من التعصب الجنسي غير ملحوظ عادة لكنه يحمل في طياته عواقب وخيمة على النساء، إذ يجعلهن أقل اهتماماً بالنشاطات والفعاليات ويقلل من كفاءتهن وحتى أدائهن.
قوة الحالة الراهنة
قد تتفاجأ إن علمت أن الأفراد الذين يتفوقون في النزعة إلى الخير تجاه النساء في الاختبارات النفسية غالباً يتفوقون في العدائية كذلك، فالناس عادة يحملون هكذا مشاعر ومواقف تبدو متناقضة حتى دون إدراكهم بذلك، ومرد هذا أن الناس عادة يقسمون النساء بين نساء حميدات (من يستحقن المواقف الإيجابية) ونساء سيئات (يستحقن العقاب)؛ يشار لهذا الأمر أحياناً البتول في مواجهة المومس، وبشكل حاسم يساهم كلا شكلي التعصب الجنسي في تقوية الصورة النمطية.
يعاقب التعصب الجنسي العدائي النساء على تصرفات تُعد غير مناسبة لهن وفقه، ومن أمثلة ذلك قصة ملالا يوسفزاي التي هزت العالم في عام 2013، والتي أطلقوا عليها النار فقط لكونها تذهب إلى المدرسة، وغير بعيد من بيتها، تلقت كارولين كريادو بيريز تهديدات عبر تويتر بالاغتصاب فقط لأنها قامت بحملة تطالب بوضع صورة امرأة على الورقة النقدية الجديدة من فئة 10 جنيه استرليني.
لكن العدائية العلنية بحد ذاتها تؤدي إلى التمرد، وبالتالي تقلب الطاولة على الحالة الراهنة التي نراها، ومن هنا تصبح هذه القبضة الحديدية بحاجة إلى قفاز مخملي؛ إنّ هذا القفاز المخملي هو التعصب الجنسي الخيّر ذاته الذي يجازي ويكافئ كل من يتبعه، فالنساء اللواتي يلتزمن بالأدوار التقليدية المنوطة بهن ينلن الحماية ويصلن للصدارة الإجتماعية. لو فكرت بمقدمات برامج الأكل ماري بيري أو نيجيلا لوسون (قبل الفضيحة المفترضة بتعاطي المخدرات) إذ تُعدّ كلاهما مثالاً لمن تكرّس نفسها لشؤون بيتها، وهكذا يتعزز الدور والسلوك النمطي للنساء.
وبالفعل هذا ما تثبته الدراسات دوماً، شخصياً أثبت صحتها في مجال الإعلان، ووجدها آخرون صحيحة في مجالات أخرى مثل المجالات المهنية والتعليمية والقضائية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الرومنسية؛ تكتسب النساء عادة الكفاءة عند اقتحام مجالات تعد ذكورية بالعادة، لكنهن يفقدن غالباً محبة الآخرين لهن، وقد يكون هذا هو السبب الذي يجعل النساء مترددات في مواجهة الحالات التي تشير إلى التعصب الجنسي علانية.
إن ما يثير الدهشة حقاً أن بعض النسوة يعارضن المساواة بين الجنسين، تعمل كلا الأيديولوجيتين المتعلقتين بجنس المرء على تحديد أدوار اجتماعية للنساء والرجال للحفاظ على الحالة الراهنة، فأنت في مأمن كلما التزمت بذلك، وبالمجمل كلنا نرغب في أن نحظى بمحبة الآخرين، ونتيجة لذلك تتقبل النساء التوقعات النمطية التي تكرست، بل إنهن قد يحملن وبإخلاص آراءاً محافظة ويؤمنّ أن بعض الأدوار تناسب النساء أكثر من الرجال، فعلى سبيل المثال ربما يستمتعن عندما يناط بهن دور الرعاية بالمنزل والأولاد، ويشعرن أن من يطالبن بالمساواة بين الجنسين يسعين لنزع هذا التكليف منهن من خلال مطالبة الرجال مشاركة النساء هذه المسؤولية، وتعارض نساء أخريات تأويلات أكثر تشدداً لدعوة المساواة بين الجنسين.
تلجأ بعض النساء إلى فكرة أنهن أفضل من الرجال في شؤون الرعاية المنزلية وأن الرجال يفشلون دون عونهن ودعمهن في المنزل لتبرير معارضتهن للمساواة بين الجنسين؛ من التبريرات الأخرى كذلك أن النهج اللين والأقل تصادمية لتحقيق المساواة بين الجنسين قد يكون أكثر فعالية في ضمان دعم الرجل.
نحو تسامح أكثر
ماذا عسانا نفعل إذاً؟ الانفتاح والصراحة بداية جيدة؛ إن تحديد البنى الخفية التي تعمل على إبقائنا على ما نحن عليه قد تساعد الرجال والنساء على مناقشة هذا النظام، ونقدم هنا حافزاً لذلك؛ بينت الأبحاث أنه كلما كانت المساواة أشمل كانت الفائدة أكبر على الرجال والنساء على حد سواء في جميع المجالات، فهذا لا يدعم الأداء المؤسساتي والاقتصاد الوطني فحسب، بل إن الأزواج الذين يتشاركون الأعباء المنزلية يذكرون أنهم يمارسون العلاقة الحميمة أكثر وأنهم أكثر سعادة في حياتهم العاطفية، فلِمَ لا نسعى جاهدين لها إذاً؟
قطعاً يمكن تحقيقها، لكننا بحاجة إلى قدوة نسائية ودعم الرجال وحملات تثقيفية يدعمها التعلّم التجريبي، كما تشير أبحاثي الخاصة إلى أن نشر الديمقراطية، والتركيز في نشرها على تعزيز التفاهم والتسامح، قد يساعد في تحقيق ذلك؛ كما أظهر آخر بحث أجريته إن السلوك اللاشفهي، مثل تقلد منصب أو الإيماءات الجسدية التي تنشر جواً من القوة قد تساعد النساء من خلال زيادة اهتمامهن في مجالات غير تقليدية كالإحصاء والرياضيات والتقانة.
قد يكون من الأنسب أن أجعل التسامح الموضوع النقاشي المفتوح القادم، فالتسامح والاحترام المتبادل كفيلان بخلق بيئة آمنة يزدهر فيها الجميع، بيئة تستخدم فيها كلمة أنثى بأمان أو حتى لا تكون مضطراً لاستخدامها أساساً.
المقال باللغة الإنجليزية: هنا