كتبه “مايكل شيرمر” لموقعه الرسمي
نُشر بتاريخ: 1/1/2017
ترجمة: أحمد العلي
تدقيق : أمير صاحب
تصميم الصورة: أحمد الوائليّ
انا متفائل بان العلم هو من سيفوز بالنهاية على السحر والخرافات. قد يبدو هذا التفكير غير منطقي، بالنظر الى بيانات استطلاعات الراي حول اعتقادات الناس وافكارهم. على سبيل المثال، وجد استطلاع لمركز بيو للابحاث عام 2005 ان 42% من الامريكان يعتقدون ان”الكائنات الحية كانت موجودة على شكلها الحالي منذ بداية الزمان” وان الوضع يزداد سوءا عند دراسة الخرافات الاخرى، فاستطلاع مؤسسة العلوم الوطنية الذي اُجري عام 2002 حول المعتقدات اوضح التالي:
1-التصديق بوجود كائنات اخرى تعيش معنا على الارض 60%
2-نسبة التصديق باليوفو الفضائي 30%
3- التصديق بالمنجمين 40%
4-نسبة التصديق بارقام الحظ 32%
5-نسبة التصديق بالعلاج المغناطيسي 70%
6-نسبة التصديق بالطب البديل 88%
مع ذلك، فانني اعتبر وجهة نظر المؤرخ طويلة واجراء مقارنة مع ما كان يعتقده الناس قبل الثورة العلمية وبالتالي سيكون هناك الكثير من الاشياء التي تدعو للتفائل.
فكر فيما يعتقد الناس منذ اربعة قرون مضت وقبل ان تضيء شمعة العلوم الظلمات في القرن السابع عشر والسادس عشر في انكلترا على سبيل المثال، فان الجميع تقريبا كان يصدق بالشعوذة، والمستذئبين، والعفاريت والتنجيم والسحر الاسود، والشياطين، والصلاة مؤثرة، والعناية الالهية.
انقل هنا قول القديس لاتمير في كنيسة القديسين سنة 1552:” الكثير منا، عندما يقع في مشكلة، او عندما يمرض، او يخسر شيئا، سنتراكض هنا وهناك للسحرة او العرافين والمشعوذين. الذين نسميهم الحكماء نطلب منهم العون والمساعدة”.
كانت توجد تلك الكتب التي يُعتمد عليها لاداء طقوس مباركة المواشي والمحاصيل والمنازل والادوات والسفن والابار والافران، ناهيك عن مباركتها للمرضى لاجل الشفاء بل حتى الحيوانات العقيمة لتتكاثر، او الازواج الذين يعانون من العقم ويحلمون بابن لهم.
في كتاب تشريح الميلانخوليا “الكآبة” يوضّح روبرت بيرتون عن عام 1621: “السحر امرٌ شائعا جداً، الرجال الماكرون الذين يقولون للناس انهم يعالجون بالسحر الابيض، متواجدون في كل قرية. انهم يدّعون انهم يساعدون الناس في كل امراض وعيوب الجسم تقريباً”.مثلما كان شرب الكحول وتدخين التبغ والمخدرات عنصرين اساسيين لتخفيف الالم وعدم الراحة، فان الخرافات والسحر اساساً للتخفيف من سوء الحظ. كما يؤكد على نفس الفكرة المؤرخ الكبير كيث توماس من اكسفورد حيث كتب في كتابه الكلاسيكي الصادر عام 1971 “الدين وتراجع السحر” يقول فيه: “لا احد ينكر تأثير الاعتقاد بان السماء هي من يؤثر باحوال الطقس، بالاضافة الى ان التنجيم يوضع بالاهمية مع الطب والزراعة. قبل القرن السابع عشر فان التشكيك حول العقيدة الفلكية استثنائية للغاية، سواء في انجلترا او اي مكان اخر في العالم”. ولم يكن هذا مجرد علم تنجيم “لقد كان الدين وعلم التنجيم والسحر هو ما يعتقده الناس طريقةً لحل مشاكل حياتهم اليومية من خلال تعليمهم كيفية تجنّب سوء الحظ وكيفية حسابه عند وقوعه” لقد كانت هذه السلطة تجتاح الجميع تقريبا لذا يخلص توماس الى القول:” السحر هو استخدام اساليب غير فعّالة لتهدئة القلق عندما لاتتوفر المواد الفعالة فيجب علينا ان نُدرك ان هؤلاء لا يخلو منهم مجتمع من المجتمعات ” ويستنتج توماس ان الخرافات ستكون دائما معنا.
ومع ذلك، فان ارتفاع العلم سيخفف حتما من الرؤية شبه العالمية للتفكير بالسحر والخرافات تلك من خلال تقديم التفسيرات الطبيعية حيث لم يكن هناك قبل ذلك الا قوى خارقة للطبيعة. فقبل داروين، كانت فرضية التصميم الجاهز للكائنات هي اللعبة الوحيدة لتفسير وجود الكائنات والحياة على الارض، فهي مصممة من قبل الخالق مباشرة “يصفها اللاهوتي الطبيعي وليام بيلي من خلال حجة الساعاتي الاعمى” .
اما اليوم فان اقل من نصف السكان في امريكا-اكثر الدول دينيةً في البلدان الديموقراطية- والاغلبية مع العلم ونظرية التطور .
ان صعود العلم ادى الى النضال من اجل البحث عن ادلة للمعتقدات الخرافية والتي كانت في السابق لا داعي لها مع الحقائق. من خلال النظر الى تعليق من احد الكتب العائد لبدايات القرن السابع عشر يبين كيف استطاع المراقبون الاذكياء الفهم الكامل لانكار الخوارق تماما فيقول:” لقد كثُر الملحدون في هذه الايام، حيث اصبح السحر موضع تساؤل. بل اصبحوا يتسائلون لماذا ينبغي ان نُفكّر ان هنالك شياطين؟ ساجيبهم: ان لم يكن هنالك شياطين فذلك يعني عدم وجود اله ايضا”.
انتقل السحر الى الطرق التجريبية والطرق الرسمية الحالية التي تربط العلاقات السببية من خلال ربط السحر بالاحداث الطبيعية- يستخدمون نفس الاسس التي تقوم عليها العلوم الطبيعية-. نجد احد السحرة والعرافين يكتب:” انا لا اجهل ان الشهب تنطلق من اسباب طبيعية، لكنها تحمل الكثير من النُذر والكوارث الوشيكة” فهم يستخدمون طرق الاستدلال العلمي لتحليل افكارهم السحرية بطريقة طبيعية بعد ان كانت تعتبر من الامور الخارقة.
بحلول القرن 18 فان علم الفلك حلّ محل التنجيم وحلت الكيمياء محل الخيمياء، وحلّت نظرية الاحتمالات محل الاعتقادات حول الحظ وصناعة الثروات، وحل تخطيط المدن والنظافة محل الطرق السحرية للوقاية والعلاج من الاوبئة، واصبحت تقلبات الحياة اقل قتامة واقل غموضاً. يقول فرانسيس بيكون ببلاغة في كتابه نيو اتلانتس :” في النهاية فإن معرفة الأُسس والاسباب ستزداد اتساعاً لتحل محل الاقتراحات السرّية والخرافية وهذا ما سيزيد من الامبراطورية المعرفية للانسان، وبهذه المعرفة ستُمكن الانسان من معرفة وإحداث اي شيء ممكن”.
المقال باللغة الإنجليزية: هنا